مع اختلاف الجهات المسيطرة..
ما الوسائل المتاحة لحماية الملكيات العقارية في سوريا
رياض علي
لقد كان لتغير خارطة النفوذ العسكري والسياسي في سوريا على مدى السنوات العشر الماضية، وما شهدته المناطق السورية من انزياحات ومدٍّ وجزر فيما يتعلق بهوية الجهة الحاكمة أو المسيطرة، كبير الأثر على مصير الملكيات العقارية، إذ كان لكل جهة طريقتها في التعامل مع الموضوع العقاري، وهو ما سيكون له تداعياته المتعلقة بالحفاظ على تلك العقارات واسترداد ملكيتها من قبل مالكيها الحقيقيين الذين حُرموا منها لأسباب عديدة.
وقد تختلف درجة الصعوبة والتعقيد في عملية إثبات الملكيات العقارية بين حالة وأخرى تبعًا للظروف المحيطة، وعلينا الاعتراف بأن الخيارات المتاحة أمام المالكين ليست سهلة والطريق ليس “معبدًا بالورود”، سيما وأن الكثير من السوريين الذين تعرضوا لعمليات التهجير القسري لم يتمكنوا من اصطحاب وثائقهم العقارية وأحيانًا حتى الشخصية معهم، إلى جانب اضطرار الملايين إلى ترك منازلهم والنزوح أو اللجوء إلى بلدان أخرى، لكن لا بد من العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كون هذه المسألة ستكون حاضرة بشكل قوي عند الحديث عن ضرورة العودة الآمنة والطوعية والكريمة للمهجرين، وكذلك تمهيدًا للانتقال بسوريا إلى دولة الحقوق والحريات التي نتمناها.
ففي مناطق سيطرة النظام السوري على المالكين الحائزين لعقاراتهم حتى هذه اللحظة ولم يطرأ عليها أي تغيير مادي أو قانوني، بمعنى لم يتم تدميرها أو مصادرتها من قبل النظام أو غصبها والاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة، الاحتفاظ بالوثائق التي تثبت ملكيتهم لها، وعمل نسخ احتياطية منها والاحتفاظ بها لدى أشخاص آخرين موثوقين، وتلافي أي خلل قانوني في حال تواجده وعدم الاعتماد على عامل الثقة والاتكال.
إذ يتوجب عليهم الاحتفاظ بسند التمليك الدائم (الطابو الأخضر)، وإخراج القيد العقاري، وقرارات المحاكم، ووكالات البيع المنظمة لدى الكاتب بالعدل، ودفاتر الجمعيات السكنية، وعقود البيع المنظمة بين البائع والشاري، وغيرها من الوثائق المثبتة للملكية، كما يتوجب عليهم استكمال عمليات نقل الملكية لأسمائهم سواء عن طريق السجل العقاري أو المحاكم أو الكاتب بالعدل، بحسب الحالة، ومن الأفضل اللجوء إلى المحامين لإتمام تلك الإجراءات تلافيًا لوقوع أي خطأ قد يصعب تداركه مستقبلًا.
أما بالنسبة لمن تعرضت عقاراتهم للتدمير الكلي أو الجزئي، العشوائي أو الممنهج، ولا تزال وثائق الملكية بحوزتهم، فيمكنهم إلى جانب الاحتفاظ بالوثائق والأوراق المذكورة، التقدم بدعوى أمام القضاء المدني لوصف الحالة الراهنة للعقار وبيان ما أصابه من دمار، وذلك إن لم يكن ثمة خوف على حياة المالك في حال قيامه بذلك، وإذا كان المالك غير مقيم في منطقة العقار، فيمكنه توكيل محام للقيام بهذا الإجراء، ويكون القرار القضائي وثيقة بيده يستخدمها في حال البدء بإجراءات التعويض أو إعادة الحال إلى ما كان عليه.
وفي الحالات التي تمت خلالها مصادرة العقارات من قبل حكومة النظام بحجج شتى أو الاستيلاء عليها من قبل شبيحة النظام ومؤيديه، بقوة السلاح أو التزوير والاحتيال كنوع من الانتقام لكل من عارضهم، فيتوجب على المالك الحقيقي الاحتفاظ بجميع الوثائق المذكورة أعلاه إضافة إلى قرار المصادرة أو الحجز، وكذلك القيام بعملية توثيق ملكيته للعقار عن طريق المنظمات الحقوقية العاملة في مجال التوثيق، المحلية منها والدولية، من خلال حفظ نسخ مصدقة عن تلك الوثائق والاستعانة بشهادة الشهود والصور الفوتوغرافية للعقار إن وجدت، كما يمكن اللجوء لأهل الخبرة للاحتفاظ بنسخ من صور خرائط الجوجل، للاستعانة بكل تلك الوثائق مستقبلًا وتقديمها للجهة التي ستنظر في الدعاوي العقارية، ومثل هذه الحلول متاحة أيضًا لمالكي المساكن العشوائية (مناطق المخالفات)، إذ يفترض بهم الاحتفاظ بعقود البيع والشراء وفواتير المياه والكهرباء وغيرها من القرائن الدالة على الملكية.
ويمكن اتباع ذات الإجراءات في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” (الكردية)، كون الدوائر الحكومية التابعة للنظام لاتزال تمارس عملها في تلك المناطق، كالمحاكم ودوائر السجل العقاري ودوائر الكاتب بالعدل وغيرها من الدوائر ذات الصلة، وهو ما ينطبق أيضًا على المناطق المدمرة والتي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، كونها أضحت فيما بعد ضمن نفوذ مناطق “الإدارة الذاتية”.
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة “الفصائل العسكرية المعارضة”، (كإدلب والمناطق المسماة اصطلاحًا بـ “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، نسبة إلى العمليات العسكرية التي خاضتها تركيا تباعًا)، تعرضت الملكيات العقارية للتدمير، إلى جانب عمليات الغصب والاستيلاء تحت ذريعة تهمة الإلحاد والكفر والانتماء إلى “حزب الاتحاد الديمقراطي” بالمناطق التي كانت تحت سيطرة الأخير لفترة ما.
وهنا يمكن للضحية الذي حُرم من عقاره الاحتفاظ بالوثائق والأوراق المؤيدة لملكيته في حال توفرها، واللجوء إلى عملية التوثيق من خلال المنظمات العاملة في هذا المجال، بالإضافة إلى الاستناد لتقارير المنظمات الحقوقية كمنظمة “هيومن رايتس ووتش” والتقارير الصادرة عن “لجنة التحقيق الدولية المستقلة” المعنية بسوريا، لكونها أكدت على وقوع عمليات نهب واستيلاء واسعة النطاق من قبل تلك الفصائل.
ولا يُنصح باللجوء إلى المحاكم المحدثة في تلك المناطق، لأن الغالبية العظمى ممن يعملون في سلك القضاء هم غير مؤهلين من الناحية القانونية ولا يملكون أي خبرة بهذا المجال، فضلًا عن تبعيتهم المطلقة للفصائل العسكرية التي عينتهم، وهي عينها التي نهبت وسلبت ممتلكات المدنيين ومنعتهم من العودة إلى ديارهم.
وإلى جانب الإجراءات الملقاة على عاتق مالكي العقارات، يتوجب على حكومة “المرحلة الانتقالية” اتخاذ كل السبل الممكنة لاستعادة ملكية العقارات المسلوبة من أصحابها الحقيقيين، ومنها على سبيل المثال إلغاء أو تعديل القوانين والمراسيم التي كانت تستخدم من قبل النظام للاستيلاء على أملاك السوريين لا سيما المعارضين منهم، والقوانين التي تمنح الحصانة لعناصر الأفرع الأمنية أصحاب نصيب الأسد في سلب الملكيات، إلى جانب إلغاء قرارات المصادرة والاستيلاء الصادرة عن دوائر النظام وعن المجالس المحلية وغيرها من الأجسام المُحدثة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وإنشاء لجان خاصة للنظر في الدعاوي العقارية المرتبطة بسنوات الحرب تأخذ بعين الاعتبار حساسيات المرحلة.
كما من الأهمية بمكان الاستفادة من تجارب الدول التي مرت بظروف مماثلة، مثل البوسنة والهرسك، وكولومبيا التي أصدرت القانون رقم /1448/ لعام 2011 (الذي افترض عدم وجود الموافقة على عمليات نقل ملكية الأراضي بين الضحايا وأي من المدانين بالانتماء إلى الجماعات المسلحة أو التعاون معها أو تمويلها، خاصة إذا كان الثمن لا يتناسب مع القيمة الحقيقية للعقار، إلا إذا أثبت الشاري عكس ذلك).
ويعوّل على منظمات المجتمع المدني السورية، لاسيما العاملة في مجال التوثيق، إيلاء المزيد من الاهتمام لمسألة توثيق الملكيات العقارية، وحفظ نسخ احتياطية من الوثائق المثبتة للملكية، والاستماع لشهادات الشهود والضحايا بهذا الخصوص.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :