خطيب بدلة
هذه الأسطر ليست مخصصة للحديث عن رفعت الأسد، فهذا الرجل الرميم أصبح تفصيلًا صغيرًا في ذاكرة شعب منكوب. كان مجرمًا عاتيًا، مرعبًا، والآن يذهب، مثل التوتو، ليمثل أمام قضاء مستقل في دولة ديمقراطية، ويتلقى حكمًا قضائيًا بسجن عددُ سنواته أكبر مما تبقى في جعبته من عُمر، ومصادرة أملاك هي أقل بكثير مما سرقه من خيرات الشعب السوري.
إذا أجرينا مقارنة بين موقفنا نحن السوريين من رفعت الأسد، الآن، وموقفنا منه عندما كان على سروج خيله قبل سنة 1983، وبين موقفنا من عبد الحليم خدام قبل اختلافه مع الوريث بشار في أواخر سنة 2005 وبعده، وموقفنا من فلان وعلان وعَلَّاك البان، قبل وبعد، نصل إلى نتيجة من ثلاثة بنود، الأول، أن الإنصاف يقتضي منا أن نبرئ السوريين الذين سكتوا عن ظلم رفعت وبقية الطغاة بسبب الضعف، والعجز عن المواجهة، والثاني، أن ندين الأشخاص الذين انبطحوا أمامهم، وامتدحوهم، وشبحوا لهم، وضربوا بسيوفهم، وأكلوا من فتات موائدهم، والثالث، أن نزدري أولئك الذين انتقلوا من مرحلة التشبيح الشديد للنظام وزلمه قبل الثورة، إلى مرحلة الهجوم الشديد على النظام وزلمه بعد الثورة.
يجدر بنا، والمحرقة السورية ذاهبة لإتمام عامها العاشر، أن نقف أمام أنفسنا قليلًا، وننتقدها بهدوء، دون ضغينة، ودون عقد نفسية. لا نستخدم مصطلح “النقد الذاتي” طبعًا، لأنه مصطلح “بعثي”، و”البعث”، بالنسبة إلينا، شر مطلق لا يخلطه خالط، فإذا قال رجل “بعثي” -صادقًا أو كاذبًا- إن علينا أن نحترم المرأة، نقول له خسئت، أنت تريد أن تحرر المرأة لتُفسد المجتمع، يا خارجي، يا رويبضة، يا شسع النعل، ونكاية بك سوف نزدري المرأة وندعس على رأسها ورأس مَن يناصرها! وإذا زعم “بعثي” آخر أن الطائفية تؤدي إلى تمزيق المجتمع، نرد عليه: اخرس يا طائفي يا حقير، طائفيتك قذرة، نعم، وأما طائفيتنا فرائعة والحمد لله!
أحببنا الدكتور صادق جلال العظم، من صماصيم قلوبنا، لوقوفه في صف ثورة الشعب السوري، فصادق من مثقفي سوريا الكبار، ووجوده معنا يعطي ثورتنا مصداقية. ورحنا نتناقل في مجالسنا عبارة منسوبة إليه تقول إن “الثورة ثورة سواء تلبرلت أو تعلمنت أو تأسلمت”، واعتبرناها فلسفة عظيمة تلخص القضية برمتها. لم نفكر بالدخول إلى كنه تلك العبارة، ولم نتساءل إن كان الدكتور صادق قد قالها بالفعل، أم أنها لفقت على لسانه. فهل صحيح أن الثورة تبقى ثورة إذا تأسلمت؟ ألم يرَ الدكتور صادق العظم ما فعله المتأسلمون بالثورة في الرقة وإدلب وريف حلب وريف دمشق؟ وكم نشروا على الطرقات العامة من لافتات تقول إن العلمانية كفر وإن الديمقراطية دين الغرب؟ ألم يعاصر ويرَ ما فعله المتأسلمون بالثورة الإيرانية، وبالمقاومة اللبنانية، وإلى أين أوصلوهما؟
بظني أن الشيء الوحيد الذي لم يكن الدكتور صادق العظم يعرفه هو أن ينتظر المتأسلمون وفاته بفارغ الصبر ليصنفوه في خانة العبيد الآبقين، وما لم يتوقعه هو أن يصبح الترحم عليه تهمة تستوجب اللوم والتقريع!