الصورة السورية.. ونهاية العالم
نبيل محمد
لا يمكن أن يتمثّل سيناريو لنهاية العالم، بمفهومه الخالي أو الواعي، لدى أي سوري إلا بصورة من بلاده، فكيف يمكن للعالم أن ينتهي بأقسى من هذا المشهد أو ذاك، وكيف يمكن أن تكون حتمية نهاية الإنسان على هذا الكوكب بغير هذا الشكل الجامع للظلم المطلق، والدمار الهائل، والجريمة السادية الدموية، والفقر بشكله الذي يفوق الموت صعوبة، والخذلان بأعلى درجات أثره على النفس. صور من البلاد السورية يمكنها أن تكون في مخيلة أبنائها أنسب مشهد لنهاية الإنسان على هذا الكوكب.
صورة من دمار مدينة حمص يمكن أن تمثّل صورة لنهاية العالم، تلك المدينة التي حصدت كل أشكال الحياة فوقها الطائراتُ الحربية، وجعلت الصور الخارجة منها أقسى صور الدمار في الجغرافيا السورية، جاءت صورة حمص المدمرة تمثيلًا لنهاية العالم، في المسلسل العالمي “Westworld”، وذلك في الحلقة الخامسة من الجزء الثالث الذي عُرض مؤخرًا على قناة “HBO”، بشكل قد يكون مفاجئًا للجمهور الذي اكتشف أن هذه الصورة ليست من صناعة مصممي الغرافيك، ولا هي من حرب مدمرة قديمة، إنما هي من سوريا، وبالطبع كان السوريون المتابعون لهذا العمل هم من نشروا الصورة، وأثاروا التساؤلات عن استخدامها بهذا المجاز، وبأنامل مخرج مثل جوناثان نولان الذي له ما له في صناعة الخيال، وبناء الدراما.
فانتازيا نولان في واحدة من شطحات التخييل في الدراما العالمية، وهو “Westworld”، لامست واقعًا معاشًا لتراه معبرًا عن نهاية البشر في المعمورة، هو صورة حمص، الصورة التي رأى متابعون للمسلسل أنه ببساطة يمكن للمخرج الاستعاضة عنها بأي تصميم آخر في عمل يعج بالتصميمات الخيالية، والغرافيك، وأحدث أشكال تكوين الصورة ومعالجتها، لكن حمص كانت هي الصورة. يتفق نولان هنا مع خيال أهل المدينة، أولئك الذين يتذكرون اليوم لحظات دمارها، ويجدون تلك اللحظات هي الأنسب لتكون ختامًا للحياة بشكل عام، وكم كانت ختامًا لحيوات سكان منها تحت ركام المشهد ذاته الذي استخدمه نولان.
55 ألف صورة، بدأت بعضها تدل منتظري مصائر الأبناء على حقيقة تلك المصائر، هي صور “قيصر” الخارجة من ذاكرة كاميرا مصوّر منشق، التقط صور القتلى تحت التعذيب في سجون الأسد، وكيف لرمزية النهاية أن تكون أكثر من قسوة مشهد أخت تعرّفت إلى جثة أخيها بصورة مسرّبة من مسلخ المعتقلين، القابع في السجون المظلمة على أطراف تلك المدن والمناطق المدمرة التي حملت رمزية نهاية العالم لدى مخرجي الخيال السينمائي والتلفزيوني، تقابل صور آلاف النهايات الإنسانية تلك، صور يتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي لمنشورات عائلات الضحايا الذين تم التعرف إليهم، كلمات الرثاء الصادقة القاسية الأليمة، التي صيغت كصراخ معلن بعد تدقيق طويل، يبحث فيه ذوو الضحايا عن علائم تدلهم أن هذه الجثث هي ليست جثث أبنائهم، فلا يجدون الدليل. تقودهم المعرفة العميقة بأشكال ذويهم، تلك المعرفة العابرة للتشوهات التي رسمتها أدوات التعذيب، نحو التأكد من أن هذه الجثة هي جثة ابن هذه الأم، وأخ هذه الأخت، ووالد تلك الابنة.
صور بُني على إثرها قانون عقوبات اقتصادية، بدأت آثاره تتبدى قبل تطبيقه وتفاقمت بعده، بصور أخرى من الفقر الذي يأكل أصابع وعيون وشفاه معدمين، لا يمكن لمداخيلهم اليومية شراء خبز الدولة، تلك التي تبحث اليوم عن مخرج يمكنها من خلاله ضمان استمرار الحصول على دعم كافٍ لشراء المزيد من الصواريخ القادرة على استمرار إنتاج الصور ذاتها، وتوسيع رقعة المأساة أكثر فأكثر، فالموت الذي أنتجته، من المستحيل ألا يحقق قدرة على إنتاج موت جديد، وفق المنطق الحسابي للقاتل المتعطش لإنهاء الحياة أينما وُلدت على هذه الجغرافيا الأنسب لرسم النهايات بالألوان الطبيعية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :