عنب بلدي – نور الدين رمضان
“شجعني صديقي قبل عام على تعاطي حبة واحدة لتجعلني أعيش في عالم آخر، ومن حينها لم أستطع تركها”، يلخص فراس، الذي يعيش في مدينة الرقة لعنب بلدي، قصة إدمانه على الحبوب المخدرة بعد تشجيع من صديقه.
وقال فراس إنه كان يعاني من الضيق والتوتر ويشتكي لصديقه، الذي أعطاه حبة مهدئة قال إنها ستنسيه كل هذه الظروف.
وأضاف الشاب، الذي لم يبلغ الـ20 من عمره، أن الحبوب متوافرة بين أصدقائه، ومن يحتاج إليها يجدها، و”من لا يملك سعرها يقدمها له الأصدقاء كدَين، هكذا نحن، أصدقاء نساعد بعضنا”، بحسب تعبيره.
يتمنى فراس ترك الحبوب لكنه يربط إدمانه بظروف الحياة الصعبة التي يعيشها، وقال إنه سيترك الحبوب عندما تتحسن ظروفه، رغم إقراره بصعوبة الاستغناء عنها.
طارق أبو زياد، شاب عمره 27 عامًا، اختار هذا الاسم في حديثه إلى عنب بلدي، قال إنه لم يكن يفكر بهذه الحبوب، لكنه مريض أعصاب، ووصف له أحد الأطباء ذات مرة حبوبًا مهدئة، “ارتاحت أعصابي بها، وبدأتُ أتعاطى حبوبًا مخدرة من ذلك الوقت، ولم أزر أي طبيب بعدها، وأنا في قوة شبابي، ولا أبحث سوى عن الراحة”.
ويزداد تفشي تعاطي المواد المخدرة في المدينة، في حين تغيب البيانات الرسمية من الجهات المسؤولة فيها، بينما تنفذ بعض المنظمات حملات توعية حول خطر تلك المواد.
كيف تصل المواد المخدرة إلى المدينة؟
تتبعت عنب بلدي بمساعدة “متعاطٍ” مصدر هذه الحبوب، ووصلنا إلى بائع مواد مخدرة وافق على الحديث، لكنه رفض التعريف عن نفسه بغير لقب “البرنس”.
أوضح البائع أن تجارة المواد المخدرة انتشرت قبل عامين، مع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على المدينة، وخروج تنظيم “الدولة” الذي كانت تخشاه الناس بسبب معاقبته الوحشية لأدنى جرم، بحسب تعبيره.
وأضاف، “بدأتُ ببيع المخدرات في الرقة قبل عامين بمساعدة بعض الأشخاص، استطعت التوصل لشخصية أمنية ساعدتني بتأمين الحبوب وبيعها”، مشيرًا إلى أن مصدر الحبوب مدينة الطبقة غربي الرقة، وتصل إلى هناك عبر تجار من مناطق سيطرة النظام.
وعن زبائنه، يوضح البائع أنهم من الشباب والفتيات وكبار السن، ويطلب الأطفال المواد أيضًا، لكنه يرفض بيعها لهم وينصحهم بعدم تعاطيها، على حد قوله، مضيفًا، “أعمل بهذه التجارة لأن لدي ظروفًا صحية تمنعي من مزاولة أعمال أخرى، بعد غارة جوية من طيران النظام في 2013”.
البائع ليس الوحيد في المدينة، فـ”هناك العشرات من التجار ولا نعرف بعضنا، لكن أسمع بهم من بعض المتعاطين، وجميعنا نبيع سرًا، خوفًا من السلطات الأمنية، ورغم معرفتنا ببعض الشخصيات، لكن الاتفاق بيننا أننا لا نعرف بعضنا إذا اعتقلنا”، على حد قوله.
ما تفسير الباحثين الاجتماعيين؟
الباحث في علم الاجتماع طلال مصطفى، أوضح لعنب بلدي أن انتشار ظاهرة المخدرات مرتبطة تاريخيًا باشتعال الحروب، وهذا ما حصل في دول مثل لبنان وأفغانستان والآن في سوريا.
وتدرّ هذه التجارة مبالغ مالية ضخمة على القوات التي تسيطر على مدن منفصلة كحال مدينة الرقة التي سيطر عليها تنظيم “الدولة”، ثم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وفصائل عسكرية أخرى، وتوفر سلطات الأمر الواقع هذه المواد في المجتمع، وتتغاضى عن مروجيها إلى حد ما.
وعن زيادة عدد المتعاطين، يرى الباحث الاجتماعي أنها طبيعية في مدينة عانت الحرب لسنوات، ولم تولِ أي جهة تسيطر عليها أهمية للبنية المجتمعية خاصة للشباب والمراهقين، إضافة إلى تقصّد بعض سلطات الأمر الواقع ممارسة سياسات منهجية لاستهداف تلك الفئة بهذه المواد، ومحاولة تجنيدها في صفوفها، ومن الطبيعي أن المقاتلين يجدون نسيان همومهم في هذه المواد.
السلطات تحارب
مدير المكتب الإعلامي في مجلس الرقة المدني، مصطفى العبد، قال لعنب بلدي إن ظاهرة تعاطي المواد المخدرة تفشت بشكل كبير قبل نحو عام في مدينة الرقة، وصارت الآن شبه منعدمة.
وتحدث عن إجراءات تعمل بها عدة جهات لمحاربة هذه الظاهرة، إذ يعمل مكتب سياحة تابع للمجلس مؤسس حديثًا على محاربة تعاطي المواد المخدرة والمشروبات الكحولية الممنوعة في مقاهي المدينة، واتخاذ إجراءات صارمة تصل إلى حد إغلاق المقهى.
بدورها، تنشر “بلدية الشعب”، التابعة للمجلس المدني في الرقة، لوحات توعية حول المواد المخدرة، ونفذت عدة حملات لمحاربتها.
كما تستهدف لجنة الشباب والرياضة في المدينة الشباب بدورات مهنية وعلمية في عدة مجالات، بهدف إشغالهم وتوفير فرص عمل لهم تبعدهم عن الفراغ الذي يمكن أن يقودهم إلى سلوكيات اجتماعية سلبية، بحسب العبد.
وتعمل هذه الجهات مع مكتب الجريمة المنظمة في قوى الأمن الداخلي بالرقة، لمحاربة ظاهرة تعاطي المخدرات.
كما تنفذ منظمات المجتمع المدني المستقلة والمنظمات الإغاثية العاملة في المدينة، حملات توعية حول مخاطر المواد المخدرة، بحسب ما رصدته عنب بلدي عبر الصفحات الرسمية لعدة منظمات.