في المقارنة بين “قيصر” و”النفط مقابل الغذاء”
فيكتوريوس بيان شمس
أدّى تسارع الانهيارات الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة في سوريا ولبنان إلى ربط الأزمة من قبل البعض باقتراب بدء تطبيق قانون “قيصر”، وهو التفسير الذي يتبنّاه النظام في سوريا بشكل أو بآخر ويعمل على ترويجه انطلاقًا من افتراض ضمني، أنه قبل تطبيق القانون الأمريكي على النظام “المعادي للإمبريالية” و”المكافح للإرهاب”، كانت الأوضاع طبيعية، مع أن نسبة من وصلوا لما دون خط الفقر قبل تطبيق القانون بأشهر طويلة وصل إلى 80%. هذا بالإضافة إلى من يفترضون أن القانون جاء تمهيدًا لعملية تقسيم سوريا، وكأن أمريكا تحتاج إلى قانون كهذا لتقسيم سوريا إذا ما كان التقسيم جزءًا من استراتيجيتها، في حين أن النظام حكم قبل الثورة ما أنتجته “سايكس- بيكو”، إلا أنه في الواقع كرّر ما يُعرف بـ”الاتحاد السوري” الذي فرضته فرنسا عام 1922، لكن بشكل أكثر جهنمية.
جاء قانون “قيصر” نتيجة جهود الجالية السورية في الولايات المتحدة، التي استطاعت أن توصل صوتها إلى البرلمان الأمريكي، تمامًا كما استفاد الناشطون السوريون في ألمانيا من مبدأ “الولاية القضائية العالمية” لملاحقة أكثر من 1000 قاتل سوري تسلّلوا إلى الأراضي الألمانية، وهم ممّن كانوا يعملون في أجهزة مخابرات النظام السوري. يذكر أن الرئيس اللبناني الحالي كان قد لجأ إلى الكونجرس الأمريكي منذ العام 2001 لاستصدار ما بات يعرف فيما بعد بـ”قانون محاسبة سوريا”. هذا يعني أن السوريين استفادوا من القوانين والظروف في البلدان التي يقيمون فيها لاستصدار القوانين وملاحقة المجرمين، ولا يعني، بحال من الأحوال، أن هذه البلدان غيّرت استراتيجياتها، وقرّرت محاسبة قَتَلة الشعب السوري.
وفي حين ينعم الاقتصاد “الإسرائيلي” بالتقدّم والاستقرار والازدهار والأمان، تنهار الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق في دول ما يعرف بـ”محور المقاومة”، وهي تسمية تخفي وراءها التسمية الصريحة للدول المسيطَر عليها إيرانيًا (أي مذهبيًا) في المنطقة العربية، والتي انهارت اقتصاداتها كلها تقريبًا، بما فيها إيران نفسها، لا بل إن الفشل والانهيارات يلاحقان حتى الدول “التوتاليتارية” البعيدة عن المنطقة والمتحالفة مع هذا المحور، ككوريا الشمالية وفنزويلا، وهذه كلها دول تتشدّق بالعداء للإمبريالية التي ثبت أنها تُعاقِب (بكسر القاف) بينما لا تستطيع تلك الدول سوى الرضوخ للعقوبات، أو اعتبار تلك العقوبات “جائرة”، وكأنها تربأ بعدوها أن يعاقبها، وتعيب عليه ذلك!
هل يشبه قانون “قيصر”، الذي فرضته الولايات المتحدة على النظام السوري، ما فُرض على النظام العراقي السابق من عقوبات شاملة في آب عام 1990؟
من المعروف أن العقوبات التي فُرضت على العراق بعد احتلال الكويت كانت عقوبات شاملة، منع على إثرها من كل أشكال التصدير والاستيراد، وهو ما تسبّب بكارثة إنسانية راح ضحيتها مليونًا ونصف مليون طفل، ودفعت مجلس الأمن في العام 1995 لإعادة النظر بالعقوبات، فأصدر القرار “986” الذي عرف فيما بعد ببرنامج “النفط مقابل الغذاء” والذي بدأ العمل فيه في العام 1996. أُتيح للعراق بعده أن يستورد الغذاء والدواء بشكل حصري، إلا أن الأوضاع لم تتحسن عما سبقها كثيرًا بسبب المحسوبيات وعمليات الفساد التي ارتبطت بصفقات بيع النفط في إطار ذلك القانون.
لم يستطع النظام العراقي آنذاك الاحتيال على القانون، وهو المحاط من كل الاتجاهات بأنظمة شديدة العداء. وقد بقيت هذه العقوبات مفروضة حتى سقوط النظام في العام 2003.
في المقابل، اعتاد النظام السوري على العقوبات، التي كانت فيما سبق تؤثّر فعليًا على المواطنين لا عليه، كالعقوبات الأمريكية التي فُرضت على سوريا في العام 1979 بعد عملية مطار “هيثرو”، ثم العزلة الخانقة التي تعرّضت لها سوريا طوال عقد الثمانينيات، والعقوبات الأمريكية في العام 2004 على خلفية حرب العراق وفتح النظام السوري حدود البلاد أمام المقاتلين، وحُزَم العقوبات العربية والأوروبية والأمريكية بعد انطلاق ثورة العام 2011، وصولًا إلى قانون “قيصر” الذي فُرض على النظام السوري لـ”تغيير سلوكه” كما صرّح المسؤولون الأمريكيون مرارًا وتكرارًا.
على امتداد كل تلك السنوات، كوّن النظام السوري خبرة في عملية الاحتيال والهروب من العقوبات، إضافة إلى أنه كان يعتمد في كثير من الأحيان، كما هو حاصل اليوم، على لبنان كمنفذ، يمكن من خلاله تمرير ما يشاء ذهابًا وإيابًا، بالإضافة طبعًا إلى إمكانية استخدام العراق كمنفذ، على غرار ما تفعل إيران للتهرّب من الحصار المفروض عليها، هذا عدا عن بعض المناطق السورية التي يستثنيها القانون، بما أنها خارج سيطرة قوات النظام، كإدلب، والجزيرة السورية، والتي قد يجد النظام طريقة ما للاستفادة منها، خاصة أن هنالك محاولات جرت خلال أيار الماضي من قبل “هيئة تحرير الشام” في إدلب لفتح معبر تجاري مع النظام، قوبلت بمظاهرات معارضة من أنصار الثورة السورية.
تشمل العقوبات القطاعات التالية:
الطيران، والطاقة، والمصرف المركزي، وأجهزة الأمن والمخابرات، والشركات والأفراد الذين يقدمون دعمًا للنظام. كما يُمنع بيع قطع الغيار والمواد المستخدمة في أنشطة عسكرية وعمليات استخراج النفط.
وهي في أغلبها لا علاقة للمواطنين السوريين فيها، إذا ما استثني منها قطاع الطاقة، لا بل إن بعض هذه القطاعات شديد العداء للشعب السوري.
يستثني القانون بشكل واضح: المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات في سوريا، وهو يسمح بشكل واضح بدخول الأغذية والأدوية والمواد الإغاثية.
ومن المعروف في هذا السياق، أن هناك كثيرًا من الفضائح التي تورّطت بها بعض لجان “الأمم المتحدة”، عندما كانت ترسل المساعدات إلى مناطق النظام بدلًا من أن ترسلها إلى المناطق التي يحاصرها النظام.
يمكن وقف العمل بقانون “قيصر” في حال نفّذ النظام التالي:
– التوقف عن استخدام المجال الجوي لاستهداف المدنيين.
– التوقف عن استهداف المراكز الطبية والمدارس والمناطق والتجمعات السكنية.
– إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح للمنظمات الإنسانية بدخول المعتقلات.
– السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من قبل النظام.
وهي كلها نقاط تفوّق فيها النظام السوري على النظام النازي، ومن المتوقّع ألا يلتزم بأي شرط منها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :