عنب بلدي – زينب مصري
لم تشهد الليرة السورية انخفاضًا كبيرًا في قيمتها، وحافظت على الحدود التي كانت تتأرجح عندها، مع دخول الحزمة الأولى من قانون “قيصر” حيّز التنفيذ، في 17 من حزيران الحالي.
بعد انخفاض تاريخي لليرة وصل فيه سعر الصرف أمام الدولار إلى 3500 ليرة، في 8 من حزيران الحالي، سجل سعر الصرف 3000 ليرة يوم فرض الحزمة الأولى من العقوبات، ليعاود الاستقرار عند 2500 ليرة، في 5 من الشهر نفسه، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.
وأرجعت تحليلات غير رسمية هذا التوازن إلى حصول النظام السوري على دعم بالقطع الأجنبي، دون تحديد مصدره، وهو ما تأكد مع نشر مؤيدين للنظام، من أبرزهم عضو “هيئة المصالحة” عمر رحمون، والإعلامي شادي حلوة، عبر حساباتهما في وسائل التواصل، صورًا تظهر كميات كبيرة من الدولارات، إلى جانب صور رئيس النظام، بشار الأسد.
ومع عدم الإعلان الرسمي عن مصدر هذا القطع الأجنبي، يُطرح التساؤل عن طريقة وصول الملايين، وكيف يمكن للنظام الالتفاف على العقوبات التي تستهدف عزله اقتصاديًا.
استنزاف القطع الأجنبي في المركزي السوري
تتمثل مصادر النظام للقطع الأجنبي بالصادرات ومدخول السوريين وصافي التحويلات القادمة من الخارج وصافي تدفق الاستثمار الأجنبي للداخل، بحسب ما قاله الأستاذ المساعد في الاقتصاد، بكلية العلوم الاقتصادية في جامعة “ماردين” التركية مسلم طالاس، في حديث لعنب بلدي.
ولمعرفة مصادر القطع الأجنبي، يجب فهم ميزان المدفوعات، بحسب طالاس، الذي يتكون من ثلاثة حسابات أساسية، ويجب أن يكون الرصيد النهائي لها مساويًا للصفر، ليكون متوازنًا، بمعنى عدم وجود عجز أو فائض (رصيد الحساب الجاري+ حساب رأس المال+ تعاملات (حركة) الاحتياطيات الرسمية= صفر).
وبحسب أحدث الإحصائيات المتاحة عن ميزان المدفوعات القومي في سوريا، الصادرة عن “المجموعة الإحصائية السورية” لعام 2011، واجه رصيد الحساب الجاري عجزًا بقيمة تسعة مليارات و872 مليون ليرة سورية، أي إن النظام استهلك قطعًا أجنبيًا بذلك المقدار، وكان رصيد التحويلات مليارًا و219 مليون ليرة سورية، ورصيد الحساب الرأسمالي مليارًا و914 مليون ليرة سورية.
الإشارة السالبة لحركة الاحتياطيات الرسمية تعني تراكم الاحتياطيات لدى المصرف المركزي، بينما الإشارة الموجبة للحسابين الآخرين (الحساب الجاري وحساب رأس المال) تعني أنهما مصدّر للقطع الأجنبي.
وبحسب الأرقام المتاحة، يوجد عجز في الحساب الجاري يقدّر بستة مليارات و739 مليون ليرة سورية، غطته حكومة النظام بالسحب من احتياطيات المصرف المركزي، بحسب طالاس.
وقال طالاس، إنه بحسب الأرقام المتاحة حاليًا، والصادرة عن “التقرير الاقتصادي العربي الموحد”، كان الميزان التجاري السوري عاجزًا في عام 2017 بمقدار 5.5 مليار دولار، أي إن الحكومة استنزفت ذلك المقدار من القطع الأجنبي.
يعني ذلك أن الحكومة صرفت كامل احتياطي القطع الأجنبي من المصرف السوري المركزي، وبالتالي حاجة النظام للقطع الأجنبي من خلال وسائل أخرى.
ما المصادر الأخرى؟
يرى طالاس أن الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة من القطاع الخاص، لا يمكن أن تأتي إلى سوريا في مثل الظروف الحالية، لذلك يمكن أن تكون الاستثمارات الحكومية الإيرانية والقروض التي قدمتها هي مصدرًا أساسيًا للقطع الأجنبي بالنسبة للنظام السوري، إلى جانب سحب النظام من الاحتياطي القديم في البنك المركزي.
وبعد فرض آخر دفعة من العقوبات، عام 2019، على إيران، لم تعد مصدرًا للقطع الأجنبي للنظام السوري، إلا أن أعدادًا كبيرة من الاستثمارات الإيرانية دخلت إلى سوريا، واشترت عقارات وحصلت على امتيازات، بحسب طالاس.
أما الباحث الاقتصادي محمد موسى فيرى أنه إلى جانب عائدات الصادرات الخارجية والحوالات المالية من الخارج، اعتمد النظام السوري في تأمين القطع الأجنبي على دعم الدول الحليفة، روسيا وإيران، وعائدات معاملات القنصليات السورية في الخارج، ودعم المنظمات الأجنبية العاملة بمناطق النظام، حيث تُدرّ أموالًا تصل إلى البنك المركزي وتُصرف بالليرة السورية، لشراء منتجات أو أدوات لوجستية أو مواد غذائية.
إضافة إلى عمليات بيع السندات، التي تلجأ إليها الدول للاستدانة، بتحديد عدد معين من السنوات وبنسبة فائدة محددة، وعائدات المعابر الجوية والبرية والبحرية، التي تعتبر ضئيلة، بسبب غياب السياحة وضعف الحركة الجوية وعدم وجود أسطول جوي أو حركة جوية، مع استيلاء روسيا وإيران على الموانئ البحرية، وعدم فاعلية المعابر البرية، إلا تلك الواصلة بين سوريا ولبنان والأردن.
وقال موسى لعنب بلدي، إن قانون “قيصر” سيُطبق حصارًا بشكل كامل على سوريا، مانعًا الاستيراد والتصدير والحوالات البنكية، ما يؤدي إلى عدم تمكن النظام من بيع سندات الخزينة مجددًا، وعدم قدرة أحد من الدول الحليفة على إدانته أو إدانة البنك المركزي في سوريا.
كما أن توقف الدعم الإيراني للنظام من المشتقات النفطية والقطع الأجنبي، بسبب العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، دفع النظام إلى استهلاك ما يمتلك من عملة صعبة لشراء القمح والنفط من روسيا، التي لم تعد تدين النظام وإنما تبيعه بشكل نقدي حصرًا.
وأضاف موسى أن لبنان صار أيضًا غير قادر على تغذية النظام بالقطع الأجنبي، بسبب أزمة المصارف اللبنانية (الضالعة بغسيل أموال النظام بحسب موسى) القائمة حاليًا، وفقد لبنان للدولار.
وأشار موسى إلى أن المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية تعدّ “مصدرًا أساسيًا” للتمويل، إذ يجري تصدير الليرة السورية إلى مناطق الشمال السوري، ويشتري النظام السوري الدولار الأمريكي، الذي يُؤمّن من تركيا من “تجار كبار”، من خلال حركة التجارة القائمة عبر المعابر الحدودية بين تركيا ومناطق الشمال السوري.
ويعتقد موسى أن تثبيت شركات الصرافة والحوالات والتجار تعاملاتهم في مدن الشمال السوري بالليرة التركية أو الدولار، والابتعاد عن التعامل بالليرة السورية “سيوجه الضربة القاضية للنظام”، بحسب تعبيره.
كما يتحرك مصرف سوريا المركزي للحصول على مليارات الليرات السورية، جراء طرح شهادات الإيداع والاكتتاب عليها من قبل ثمانية مصارف.
وبحسب بيان صادر عن المركزي، بعد يوم من فرض الحزمة الأولى من عقوبات “قيصر”، بلغ إجمالي القيمة الاسمية للشهادات المكتتب عليها 74.3 مليار ليرة سورية، لأجل ستة أشهر، وبفائدة سنوية 6.5%..
وكان المصرف طرح الإصدار الأول من شهادات الإيداع بالليرة السورية لعام 2020، في 9 من آذار الماضي، وفق طريقة مزاد السعر الموحد للمصارف التقليدية العاملة في سوريا.
وبلغت القيمة الاسمية لشهادة الإيداع الواحدة مئة مليون ليرة سورية، وبمدة استحقاق ستة أشهر، بدءًا من يوم التسوية المحدد في 25 من آذار الماضي.
وتلجأ الدولة أو الجهات التي تمثلها إلى إصدار كل من شهادات الإيداع وسندات وأذونات الخزينة، كإحدى أهم وسائل تغطية العجز المالي في الموازنة العامة للدولة.
وتهدف خطوة المصرف إلى سحب السيولة الفائضة من الليرة السورية من الأسواق، وتوجيهها نحو المصرف بهدف سد عجز الموازنة، إضافة إلى منع هذه الأموال من الدخول في المضاربة على الدولار.
وكان مدير مديرية الدين العام والأوراق المالية في المصرف، محمد زين الدين، قال لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في شباط الماضي، إن “شهادات الإيداع تساعد على التحكم بالسيولة بما يساعد على الوصول إلى استقرار المستوى العام للأسعار”.
كما رفع مصرف سوريا المركزي سعر الحوالات المالية الواردة من الخارج من 700 إلى 1250 ليرة سورية للدولار الواحد، بهدف “ردم الفجوة بين سعر السوق وسعر الحوالات، وجذبها عبر الطرق الرسمية الآمنة”، بحسب تعبيره.