أرواح جبران تتمرد على تقاليد مجتمعها
“إلى الروح التي عانقت روحي، إلى القلب الذي سكب أسراره في قلبي، إلى اليد التي أوقدت شعلة عواطفي، أرفع هذا الكتاب”. بهذه الكلمات استهل الكاتب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران مجموعته القصصية “الأرواح المتمردة” التي أصدرتها جريدة “المهاجر” في عام 1908، أي قبل أكثر من مئة عام.
تتحدث القصص في 117 صفحة عن أشخاص تمردوا على الثقافة الاجتماعية التي لا تكون إلا نتيجة عدم وعي أصحابها، وتمثل تقاليد مبنية على جهل تام، يؤرق سعادة الإنسان، بحسب جبران.
“باطلة هي الاعتقادات والتعاليم التي تجعل الإنسان تعسًا في حياته، وكاذبة هي العواطف التي تقوده إلى اليأس والحزن والشقاء، لأن واجب الإنسان أن يكون سعيدًا، وأن يعلم سُبل السعادة ويهدي الناس إليها أينما كان”.
تتضمن “الأرواح المتمردة” أربع قصص اجتماعية، هي “وردة الهاني”، و”صراخ القبور” و”مضجع العروس”، و”خليل الكافر”.
وكما في كتابه “عرائس المروج“، يتخذ جبران من القصص ثورة على الزواج القهري والاستبداد الإقطاعي، فالأشخاص عند جبران دمى يحركها على هواه، وأبواق تنقل صوته المناهض لما يراه جهلًا في مجتمعه.
في القصة الأولى من الكتاب يتحدث عن “وردة الهاني”، وهي شابة تخلت عن زوجها “رشيد بك نعمان” الذي لم تكنّ له أي مشاعر، لتلتقي بالشخص التي تحبه فيما بعد، بعد أن كانت في منزل رجل يغمرها بأمواله وعطاياه لكنه “لا يقدر أن يلامس قلبها بشعلة الحب، ولا يستطيع أن يشبع روحها من الخمرة السماوية التي يسكبها الله من عين الرجل في قلب المرأة”.
تتحدث القصة الثانية، “صراخ القبور”، عن ظلم الأمراء وشرائعهم، حين يكون العدل محصورًا بإرادة قلة آثمة، مجردة من الإنسانية، خالية من البصيرة.
يتناول جبران في هذه القصة مفهوم العدل في العالم الظالم، فمنذ بداية الدهر حتى اليوم “والفئة المتمسكة بالشرف الموروث تتحالف وتتفق مع الكهان ورؤساء الأديان على الشعب. هي علة مزمنة قابضة بأظفارها على عنق الجامعة البشرية، ولن تزول إلا بزوال الغباوة من هذا العالم”.
أما في قصة “مضجع العروس” فيصف الكاتب اللبناني “غباء التقاليد” وموت الفكر ببروز التبعية العمياء للسابقين، حين يُمكن للحياة أن تكون “جحيمًا حقيقيًا في كنف مجتمع ظالم”، لا يعرف سوى القيل والقال.
يحارب جبران في هذه القصة “السموم التي تُغرس في كروم المجتمع”، وهي التقاليد التي تولد من رحم الماضي ولا تتناسب مع سياقات الحاضر، التي لا تُثمر تينًا بحسب جبران، ويقول إن “الله لا يريد أن يكون معبودًا من الجاهل الذي يقلد غيره” دون جدوى.
في القصة الأخيرة، يروي جبران من خلال شخصية “خليل” فساد استعمال الدين تجاه الناس كأدة لفرض خضوعهم له بدلًا من أن يكون رحمة للعالمين، فـ”نفوسكم في قبضة الكاهن، وأجسادكم بين مخالب الحاكم، وقلوبكم في ظلمة اليأس والأحزان، فأي شيء في الحياة يمكنكم أن تشيروا إليه قائلين هذا لنا”؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :