الكاتب: مالك بن نبي
جمع كتاب “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” زبدة ما أنتج مالك بن نبي، إذ يحلّل الجزائري مشكلات الحضارة، شارحًا، كما في معظم كتبه، العوالم الثلاثة للحضارة: عالم الأشخاص وعالم الأفكار وعالم الأشياء.
ويشرح الكاتب العوالم الثلاث بالاعتماد على سلوك الطفل منذ مولده، فالطفل يتعرف على عالم الأشياء من خلال يده وأصابعه والمصباح المتدلي فوق سريره، ومن ثم ينتقل مع مرور الوقت إلى عالم الأشخاص حيث يبدأ بالتعرف على وجه أمه وأخوته، وبعد الاطمئنان لهذا العالم ينتقل أخيرا لعالم الأفكار، ويبدأ هذا العالم من اللحظة التي يتمكن فيها من تكوين روابط شخصية مع مفاهيم تجريدية.
وما ينطبق على الطفل والفرد ينطبق على التطور النفسي-الاجتماعي للمجتمع إذ يمر بالمراحل السابقة ذاتها، ولكن الانتقال من مرحلة إلى أخرى ليس بالوضوح الذي نجده عند الفرد.
ويعتبر بن نبي أن المجتمع المتخلف ليس موسومًا حتمًا بنقص في الوسائل المادية (الأشياء) وإنما بافتقار الأفكار، ويقسم مراحل المجتمع إلى ثلاث: مرحلة المجتمع قبل التحضر، مرحلة المجتمع المتحضر المرتبط بنشوء الأفكار وتمثلها بنماذج، ومرحلة المجتمع بعد التحضر.
المجتمع بعد التحضر ليس مجتمعًا يقف مكانه، بل هو يتقهقر بعد أن هجر درب حضارته وقطع صلته بها، وهي الحالة التي يرى بن نبي أن المجتمع الإسلامي وقع بها منذ انهيار دولة الموحدين في المغرب العربي حتى الآن.
يبين الكاتب التداخل بين عالم الأفكار، وعالم الأشخاص، وعالم الأشياء، ويعتبر أن الخلل في التوازن ما بين هذه المكونات الثلاث سينتج حضارة منحرفة بحسب هذ الخلل، مبينًا أنه في المجتمع المسلم اليوم الذي يعيش مرحلة ما بعد التحضر يتضائل عالم الأفكار أمام عالمي الأشخاص والأشياء، وتقاس الأمور بالكم أكثر من النوع والفكرة ببقائها ومتبنيها أكثر من الفكرة ذاتها.