ورشات عمل لضمان عودة مهجرين سوريين إلى مساكن غادروها قسريًا

  • 2020/06/23
  • 6:17 م

مبانٍ مدمرة في مدينة حمص وسط سوريا أثناء الحملة الانتخابية لرئيس النظام السوري بشار الأسد في 2014 - (نيويورك تايمز- تود هايسلر)

يمتلك العالم إرثًا ممتدًا لسنوات من انتهاك حقوق السكن والملكية العقارية، في ظل التهجير القسري لسكان تلك العقارات، نتيجة تصاعد مستوى العنف في النزاعات المسلحة، لتكون هذه الملكية عرضة للاعتداء جزئيًا أو كليًا، بالإضافة إلى عدم امتلاك المهجرين، ممن لديهم ممتلكات في مناطقهم الأصلية، أي وثائق تثبت ملكيتهم لتلك العقارات المدمرة.

في ظروف تشابه ما يحصل اليوم في سوريا من تهجير قسري، وحرمان ملايين السوريين من حق الوصول إلى بيوتهم والعيش فيها بأمان، عاشت البوسنة عام 1992 صراعًا عنيفًا حاصرت فيه صربيا العاصمة البوسنية سراييفو، واحتل الصرب 70% من مساحة البلاد، الأمر الذي أدى إلى تهجير مليون ونصف المليون بوسني، قبل توقيع اتفاقية “دايتون” عام 1995 لينهي جرائم الحرب التي وقعت في أثناء الصراع.

وخلال توقيع الاتفاقية، أصرت الحكومة البوسنية حينها على أن “حق النازحين في العودة” جزء لا يتجزء من الاتفاقية، مع ضمان استرداد ممتلكاتهم العقارية في المناطق التي هُجّروا منها.

ولطرح تجارب التهجير القسري حول العالم للمناقشة، ودراسة آليات تنظيم عودة المهجرين لاسترداد ما تركوا خلفهم من أملاك عقارية، أقامت منظمة “اليوم التالي“، في بداية حزيران الحالي، ورشة عمل لأخذ الدروس المستفادة من التجربتين البوسنية والفلسطينية بحضور ناشطين من البلدين.

دراسة التجارب الأخرى

أُقيمت ورشة العمل يومي 4 و5 من حزيران الحالي، بحسب ما قاله منسق مشروع التهجير القسري في منظمة “اليوم التالي”، أحمد طه، لعنب بلدي، وكانت الورشة في اليوم الأول خارج سوريا، ونُظمت محاورها لمنظمات فاعلة في ملف التهجير القسري إضافة إلى بعض الناشطين في المجتمع المدني.

وكانت الورشة في يومها الثاني داخل سوريا، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية شمالي سوريا.

وتأتي هذه الورشة ضمن سلسلة من الورشات التنظيمية التي تهدف “اليوم التالي” من خلالها إلى رفع وعي المجتمع السوري بقضية التهجير القسري، عن طريق الاستفادة من تجارب تهجير سابقة، وفق طه، وأخذ الدروس منها، وتبادل الخبرات بين السوريين أنفسهم.

بالإضافة إلى مناصرة قضية المهجرين وإخراج معاناتهم من الظل، وتسليط الضوء على المشكلات التي يواجهونها فيما يخص الإشكالات القانونية في المواضيع العقارية في سوريا، بحسب طه.

وشهدت الفترة الممتدة بين 2016 و2018 سيطرة قوات النظام السوري على مساحات واسعة من مناطق نفوذ المعارضة السورية، ما أدى إلى تهجير آلاف السوريين الرافضين للمصالحة مع النظام بواسطة حافلات نحو مدينة إدلب شمال غربي سوريا، ابتداء من عملية إخلاء مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية في آب 2016، مرورًا بعشرات المناطق، أهمها شرقي مدينة حلب، والغوطة الشرقية، وحي الوعر بمدينة حمص، وأحياء جنوبي دمشق، وصولًا إلى مدينة درعا في تمور 2018، إذ باتت الحافلات الخضراء رمزًا للتجريد من الممتلكات والتهجير الجماعي، بحسب دراسة نشرتها “اليوم التالي” حول التهجير القسري في سوريا وفق “اتفاقيات المصالحة” التي خطط لها النظام السوري بشكل ممنهج.

“من هجركم لن يحافظ على حقوقكم”

في التجربة البوسنية، بقي العديد من الذين ارتكبوا جرائم حرب في السلطة، ليحاولوا عرقلة عودة اللاجئين، وفق طه، ووقعت عدة انتهاكات بحق العائدين من المهجرين أو بحق مساكنهم، التي استغرق أمر استعادة ملكيتها عشر سنوات بعد اتفاقية “دايتون”.

وكانت أغلبية المهجرين لا يملكون وثائق ملكية، وفي كثير من الأحيان لا يملكون وثائق شخصية، بحسب المحاضر البوسني في ورشة العمل رفيق هودزيك، نقلًا عن طه، ولهذا السبب شُكلت هيئة وطنية بعد انتهاء الصراع، من أجل تلقي الدعاوى لرد الممتلكات لأصحابها.

وتلقت هذه الهيئة أكثر من مليون دعوى، واعتمدت في إثباتها على جمع الوثائق إضافة للشهود والتحقيقات.

وأكد هودزيك، بحسب ما نقله طه لعنب بلدي، على أن “أي اتفاق لضمان حقوق المهجرين يجب أن يكون بضمانة دولية، لأن من هجركم لن يحافظ على حقوقكم”، بالإضافة إلى تنظيم المهجرين أنفسهم بوقت مبكر من انتهاء الحرب، فبحسب ما قاله هودريك في ورشة العمل، “خسرنا كثيرًا لأننا لم ننظم أنفسنا قبل اتفاقية دايتون”، بالإضافة إلى تأكيده على إعمار المجتمع قبل إعمار المسكن.

واعتمدت الهيئة الوطنية في إثبات المهجر البوسني حقه في مسكنه على جمع أي وثيقة متعلقة بالعقار محل إثبات حق الملكية، وفق طه، بالإضافة إلى الشهود والتحقيقات التي استمرت عشر سنوات.

وأكد طه على أن تجربة التهجير القسري التي تعيشها سوريا الآن هي أكثر تعقيدًا من الحالة البوسنية، فمقابل مليون ونصف مليون مهجر بوسني، هناك ملايين المهجرين السوريين، إضافة إلى حجم الدمار الهائل في مدن سورية كاملة، خاصة في مناطق السكن العشوائي التي تعاني أصلًا من مشاكل عقارية قبل 2011، والقوانين التي أصدرها النظام فيما يخص الشأن العقاري عام 2018.

وبحسب التقرير الصادر عن مركز “بيو للأبحاث” عام 2016، فإن ستة سوريين من أصل عشرة تركوا مساكنهم، ما اعتبره التقرير أكبر نسبة نزوح في العالم، إذ ذكر أن “نسبة النزوح هذه لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة”، وقدّر التقرير عدد السوريين اللاجئين والنازحين داخليًا بـ12 مليونًا و500 ألف سوري لاجئ ونازح.

وبغياب أصحاب تلك المساكن، أصدرت حكومة النظام السوري قوانين “تصادر ممتلكاتهم بحجة ارتكابهم جرائم إرهاب”، ما يتعارض مع مضمون الاتفاقيات الدولية التي صانت حق الملكية العقارية للمهجر قسريًا.

مرجعية خاصة بالمهجرين

وفيما يخص التجربة الفلسطينية، فمن خلال قراءة ورشة العمل، أسهمت، وفق طه، ثلاثة عوامل في حياة اللاجئين الفلسطينيين وصياغة تجربتهم الخاصة، وعلاقتهم مع المجتمعات التي لجؤوا إليها، والمنظمات التي نظمت ذلك اللجوء، وهي “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (أونروا)، التي تعتبر مرجعية اللاجئين الفلسطينيين الدولية، و”منظمة التحرير الفلسطينية” كمرجعية وطنية، وما بين تلك المرجعيتين، تأثروا أيضًا، بحسب طه، بسياسات وقوانين الدول المُضيفة التي لجؤوا إليها.

ولا سبيل لمواجهة تحديات اللجوء، دون تشكيل لجان أو هيئات خاصة بالدفاع عن حقوق اللاجئين ودعم أصواتهم ومطالباتهم، والتركيز على آليات تنظيم شؤونهم على كل المستويات، بحسب ما أكده المحاضر في ورشة عمل منظمة “اليوم التالي” أيمن أبو هاشم نقلًا عن طه، بالإضافة إلى الدور الثقافي الذي لعبه المثقفون الفلسطينيون ومن ثم الأجيال الفلسطينية في تعزيز حق العودة وجعله “جزءًا من المخيال الثقافي الفلسطيني” بحسب تعبير “أبو هاشم”.

يؤكد طه أنه لا توجد تجربتان متشابهتان في العالم فيما يخص قضية التهجير القسري، لأن لكل تجربة ظروفها التاريخية والسياسية والاجتماعية الخاصة، لكن إيجاد مساحة حوارية لممثلي المهجرين والنازحين للتعبير عن قضاياهم ومخاوفهم تجاه مختلف شؤونهم، يضمن زيادة الوعي وتوحيد الرؤى لدى الفاعلين في هذه القضية.

مقالات متعلقة

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات