في ظل تطور الأحداث الخاصة بالشمال السوري، وخاصة إدلب وريفها، التي تتمركز فيها “هيئة تحرير الشام”، برزت مؤشرات خلال الأسابيع الماضية، على تصعيد “الهيئة” ضد “التيار المتشدد” والفصائل “الجهادية” في المنطقة.
وخلال السنوات الماضية، اتخذت “الهيئة” عدة خطورات لعزل “التيار المتشدد” الذي بدوره استقطب مجموعات وفصائل “جهادية” ضمن تشكيل غرفة عمليات واحدة، الأمر الذي قد يسبب إرباكًا لـ”الهيئة” في المرحلة المقبلة.
ويأتي ذلك في ظل محاولة “الهيئة” إثبات اعتدالها، والتحول إلى خطاب وسياسة جديدة تقوم على المصالح، وتؤمّن البقاء على المدى الطويل، والابتعاد والتخلي عن الأيديولوجيا التي ارتبطت بـ“التشدد”.
مواجهة “حراس الدين”
المؤشر الأول ظهر خلال التوتر الأخير بين “الهيئة” وتنظيم “حراس الدين”، الذي يعتبر من أقوى الفصائل “الجهادية” في المنطقة، والذي استقطب بعض الشخصيات “الجهادية” من “الهيئة”، وأدرجها في صفوفه، وأبرزهم ”سامي العريدي” و”أبو عبد الرحمن المكي”.
ووصف “الجولاني”، في مقابلة مع موقع “Crisis Group” (مجموعة الأزمات الدولية)، في 20 من شباط الماضي، العلاقة مع تنظيم “حراس الدين” بأنها “علاقة معقدة”، لكن تم إلزامهم بعدم استخدام سوريا كـ ”منصة انطلاق للجهاد الخارجي”، والاعتراف بحكومة “الإنقاذ”، التابعة لـ”الهيئة” أمنيًا وعسكريًا، وفق كلامه.
وشهدت العلاقات بين “الهيئة” وتنظيم “حراس الدين” توترًا خلال الأشهر الماضية، أدى إلى معارك واشتباكات بين الطرفين.
ودعا التنظيم، في نيسان الماضي، إلى ترتيب صفوف البيت الداخلي بعد “استفزازات ومحاولات إخراجه من مقراته في الشمال السوري” من قبل أطراف لم يسمها، بحسب القيادي في التنظيم “أبو محمد السوداني”.
وقال “السوداني”، في بيان نشرته مؤسسة “بيان للإعلام الإسلامي” المتخصصة بنشر بيانات “تنظيم القاعدة”، “كثر التحريض والتأليب على هذه الفئة من بعض المغرضين وغير المبالين بمصير الساحة، حتى كان آخر هذه الممارسات هو مضايقة واستفزاز مجاهدي الحراس في مقراتهم ومحاولة إخراجهم من بعض المناطق”.
ولم يحدد “السوداني” الجهة المسؤولة عن “الاستفزازات”، لكنه أوضح أنهم محسوبون على “المجاهدين”، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام” التي حاولت إرسال رتل عسكري إلى بلدة أرمناز، لمحاولة إخراج مقاتلي التنظيم من مقراتهم.
وكان قياديان في الفصيل قُتلا في قصف استهدف سيارتهما، الأسبوع الماضي، وهما “أبو القسام الأردني”، وبلال الصنعاني.
“أبو صلاح الأوزبكي”
خلال الأسبوع الماضي، اعتقلت “الهيئة” القيادي السابق في صفوفها سراج الدين مختاروف، المعروف باسم “أبو صلاح الأوزبكي”، المنضوي حاليًا ضمن صفوف تنظيم “جبهة أنصار الدين” (الجهادي)، وهو مطلوب لـ”الإنتربول” الدولي.
واعتبر مسؤول المكتب الدعوي العام لـ”جبهة أنصار الدين”، رامز أبو المجد، أن “الأوزبكي استدرج عبر أسلوب رخيص، واعتقل مع بعض إخوانه”.
وينحدر مختاروف (30 عامًا) من قرغيزستان، وهو ملاحق من قبل “الإنتربول” الدولي، بتهمة هجمات إرهابية وتزوير وعبور الحدود بطرق غير شرعية.
ويعتبر العقل المدبر لهجوم مترو سان بطرسبرغ في روسيا، في 3 من نيسان 2017، الذي أسفر عن مقتل 16 شخصًا، وأصدرت محكمة في موسكو مذكرة اعتقال غيابية بحقه.
وحمّلت “جبهة أنصار الدين” في الشمال السوري “هيئة تحرير الشام” مسؤولية اعتقال ”أبو صلاح الأوزبكي”، دون أي تجاوب لنداءات الفصيل.
ودعا الفصيل إلى عقد “لجنة شرعية مشتركة” تنظر في دعواه بشكل عاجل، وتقضي على “جذور الفتنة المترتبة على الاحتكام للقوة والبطش بالمخالفين”، بحسب البيان.
“أبو مالك التلي”
لم تمضِ أيام على اعتقال “الأوزبكي” حتى حاصرت “هيئة تحرير الشام” اليوم، الاثنين 22 من حزيران، منزل القيادي السابق فيها جمال زينية، الملقب بـ”أبو مالك التلي”، واعتقلته، بحسب ما ذكرته حسابات مقربة من “الهيئة” ومن “جماعات جهادية” في إدلب.
ويعتبر “التلي” أحد أبرز القياديين في “تحرير الشام”، ويُحسب على “التيار المتشدد”، وشغل أمير “جبهة النصرة” في القلمون الغربي، إلى أن انتقل إلى محافظة إدلب، بموجب الاتفاق الأخير بين “حزب الله” و”الهيئة”، في آب 2017.
وشهدت علاقة “أبو مالك” مع “تحرير الشام” نوعًا من التوتر خلال الأشهر الماضية، إذ تحدث عن الخروج منها أكثر من مرة قبل أن يعود إلى صفوفها.
وأعلن استقالته ومفارقة “هيئة تحرير الشام”، في نيسان الماضي، بسبب جهله وعدم علمه ببعض سياسات الجماعة أو عدم قناعته بها، لكنه عاد إلى صفوف “الهيئة” بعد لقائه مع قائدها العام، “أبو محمد الجولاني”، بحسب ما أكده القيادي في “الهيئة”، “أبو ماريا القحطاني”.
وجاء اعتقال “التلي” بسبب تشكيله غرفة عمليات مشتركة مع “جماعات جهادية”، أبرزها “حراس الدين” و”جبهة أنصار الدين”، أطلق عليها اسم “فاثبتوا”.
وبررت “تحرير الشام” اعتقال “التلي” وإحالته للقضاء، بمحاولته “إثارة البلبلة وشق الصف وتشجيع التمرد”، على الرغم من تحذيره من خطورة خطوة تشكيل فصيل جديد.
وكانت مجموعة من الفصائل و”الجماعات الجهادية” في إدلب أعلنت، في 12 من حزيران الحالي، تشكيل غرفة عمليات مشتركة تحمل اسم “فاثبتوا”.
ويضم التشكيل الجديد خمسة فصائل هي: “تنسيقية الجهاد” بقيادة القيادي السابق في “الهيئة”، “أبو العبد أشداء”، و”لواء المقاتلين الأنصار” بقيادة “أبو مالك”، وجماعة أنصار الدين”، و”جماعة أنصار الإسلام”، وتنظيم “حراس الدين”.
ويظهر من خلال البيان محاولة “تحرير الشام” الاستفراد بالساحة، وعدم السماح بوجود أي فصيل أو تجمع يزاحمها على السلطة في المنطقة.
–