كيف يصون القانون الدولي حقوق الملكية في سوريا

  • 2020/06/22
  • 12:48 ص

جلال الحمد

عادة ما تتخلل الصراعات المسلحة انتهاكات واسعة لحقوق الملكية، على الرغم من الحماية التي توفرها القوانين الدولية والمحلية فيما يتعلق بالحفاظ على حقوق ممتلكات النازحين واللاجئين وعدم المساس بها وحقهم في العودة إليها، وقد شكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعديد من القرارات الأممية، والقواعد القانونية الدولية، والمعاهدات الإقليمية، إطارًا مدافعًا عن هذه الحقوق.

وتُعتبر الحالة السورية المثال الأحدث عن انتهاكات حقوق الملكية، إذ وثّقت منظمات محلية ودولية حالات استيلاء واسعة على الممتلكات في مناطق مختلفة، وحازت القوى الأمنية والميليشيات المقربة من النظام السوري نصيب الأسد، على الرغم من النصوص الدستورية والتشريعات التي تُجرّم وتُرتّب عقابًا على ذلك.

وتعد ممارسات السلطات السورية وجميع القوى المسلحة الأخرى في هذا الصدد انتهاكات صارخة، إذ “لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا”، كما أن “حق الملكية مكفول، ولا يجوز المساس به إلا لضرورة أو مصلحة عامة طبقًا لأحكام القوانين الصادرة بهذا الصدد”، وفقًا لكل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، كما حددت المادة الأولى من البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حالة حرمان شخص من ملكيته بضرورة المصلحة العامة، ووفقًا لشروط قانونية ولمبادئ القانون الدولي.

وقد تفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان مع طول أمد الحرب السورية، وما شهدتها من تدخلات إقليمية ودولية، وتعقّد الوصول إلى حلول سياسية، واضطر عشرات آلاف المدنيين إلى مغادرة مناطقهم نتيجة الحملات العسكرية التي طالتها بحثًا عن الاستقرار في مناطق أكثر أمنًا، ما أسفر عن وضع ممتلكاتهم في خطر.

وقد عملت أطراف الصراع السوري على استغلال الوضع الراهن وتثبيت الأمر الواقع، وفي هذا السياق نذكر إصدار السلطات السورية القانون رقم “10” لعام 2018، الذي يجيز عمليات الاستيلاء على ممتلكات النازحين واللاجئين، عبر السماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا مخصصة لإعادة الإعمار، وقد استبعد عاملون في دائرة السجل العقاري السوري إمكانية تطبيق هذا القرار، مؤكدين على التعقيدات الكبيرة التي سترافق ذلك، فضلًا عن مخالفته لنص المادة “15” من الدستور السوري لعام 2012، التي تؤكد على صون الملكية الخاصة الجماعية والفردية، وتشترط بالاستملاك أن يكون مقابل تعويض عادل ويتم وفق إجراءات محددة، إذ “يجب ألا تُفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مُبرم، وتجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل، ولا تُنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم، ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون”، وتسعى الجهات الحقوقيّة إلى إثارة المسألة بشكل مستمر، والدفاع عن حق المدنيين باستعادة أملاكهم.

وإن احتمال تعرّض الراغبين باستعادة أملاكهم للملاحقات الأمنية من قبل أطراف الصراع يُعتبر من الأسباب الرئيسة التي تُعرقل حماية الملكيات، وهو ما يجعل آلاف السوريين ورغم امتلاكهم جميع الإثباتات يتجنّبون العودة، فضلًا عن فقدان كثيرين منهم أوراق إثبات الملكية خلال ظروف الحرب والنزوح، أو عدم امتلاكهم لها أساسًا وعدم توفر آليات آمنة للحصول عليها، الأمر الذي صعّب عملية المطالبة بالأملاك، إذ تشترط السلطات السورية توفر ما يثبت الملكية، إضافة إلى حضور المالك شخصيًا أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى.

وقد تمكّن بعض السوريين من استعادة ممتلكاتهم بعد عودتهم، أو عبر توكيل محامٍ، أو بالاستفادة من علاقاتهم مع نافذين ومقربين من الأجهزة الأمنية أو قيادات في المجموعات المسلحة المختلفة، أو من خلال دفع مبالغ مالية ضخمة لهم، إلا أن هذه الحالات لا تبعث على الاطمئنان خاصة في ظل استمرار عمليات الاستيلاء، وغياب الضغوط الإقليمية والدولية، وتعطل مسارات العدالة.

إن استعادة اللاجئين والنازحين لممتلكاتهم حق قائم بذاته وفقًا لمبادئ  بينهيرو التي تبنتها “اللجنة الفرعية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة” عام 2005، إذ تؤكد هذه المبادئ على الحق في استعادة الملكيات التي فُقدت تعسفًا، أو أن يتم التعويض عنها بقرار من محكمة مستقلة ونزيهة في حال استحالة الاستعادة على أرض الواقع.

وتدعو المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي لتوفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخليًا وراءهم، وذلك “من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضًا من شغلها أو استخدامها”، إضافة إلى رفض الاستيلاء “كشكل من أشكال العقوبة الجماعية”.

إن الحلول الجذرية العادلة لانتهاكات حقوق الملكية تساعد في تجنب آلاف النزاعات المستقبلية، وتسهم في إعادة الاستقرار إلى البلاد، ومن هنا فإن الجهود المبذولة الآن من قبل المنظمات الحقوقية السورية والدولية لتوثيق جميع انتهاكات الملكية ومراقبة أداء مختلف قوى الصراع، لا سيما الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية، تضع حجر الأساس لملاحقة منتهكي هذه الحقوق، ويضاف ذلك إلى ضرورة احتفاظ المالكين السوريين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بكل الوثائق الثبوتية المتوفرة، والسعي ما أمكن لتوفيرها في حال فقدانها، كما أن من الواجب إثارة هذه الحقوق من قبل المنخرطين في مسار التفاوض السياسي خاصة “اللجنة الدستورية”، التي من شأنها العمل على تثبيت هذه الحقوق ورفض الإجراءات المخالفة للقانون الدولي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي