خطيب بدلة
ندمت كثيرًا، أنا محسوبكم كاتب هذه الأسطر، لأنني لم أرشّح نفسي لرئاسة الجمهورية العربية السورية، مكان بشار الأسد، قبل إغلاق باب الترشيح. قلت لزوجتي، وهي الشخص الوحيد الذي أجتمع به خلال الحجر الكوروني:
– لا أخبئ عليك، يا ست راسي، إنني أشعر هذه الأيام بـ”وَشّة” في عقلي، وأتخيل رأسي مثل علبة السرعة في سيارة عتيقة فيها “فضاوة” تؤدي إلى اختلال الدوزان، ما يؤدي إلى خطف الدركسيون إلى اليمين في أثناء المشي، وفي كثير من الأحيان أجدني أضحك بهَبَل، ودون مناسبة، وبعدما اصطدم وجهي بالنجفة التي تعلو باب المنزل، صار لفظي للحروف الصافرة، كالسين والصاد، صعبًا، ولهذا كله أجد في نفسي الكفاءة لأن أكون رئيسًا لسوريا، وبجدارة.
لم تقل لي السيدة أم مرداس: سلامتك، وبعيد الشر عنك، وحاشاك، وعقلك بيوزن جبل، واسم الله على حرف السين لما بيطلع من بقك، بل سارعت تقول لي على طريقة النسوان الشاميات اللواتي يرين السَّمْس عندما تطلع على الزوزة “يوه! ليش بشار الأسد راح يا بعدي؟ طيب ليش ما قلت لي؟”.
قلت لها، بما معناه، إنني لا أعرف إن كان بشار قد رحل أم لا، لأن استغراقي بكتابة روايتي الثانية “سيرة نديم شفلح” جعلني أبتعد عن عالم الـ”فيسبوك”، وكما تعلمين، يا ست راسي، فإن تسعين بالمئة من قضايا الأمتين العربية والإسلامية أصبحت تُناقش وتُعالج وتوضع لها الحلول الملائمة على صفحات الـ”فيسبوك”، والحقيقة أنني، قبل مباشرتي بكتابة الرواية، كنت شبه متأكد من أن بشار الأسد سيذهب (إلى حيثُ ألقتْ رِحْلَها أمُّ قشعمِ)، لأن شباب الـ”فيسبوك” ذهبوا بخصوص قضيته في عدة اتجاهات، ولكنهم اتفقوا على رحيله المحتوم، فأحدهم، وهو يطرح نفسه معارضًا موزنًا، رأى أن ظروف رحيل بشار قد نضجت، بسبب انهيار الليرة، ودخول قانون “قيصر” حيز التطبيق، وأزمة رامي مخلوف، ووقوع بوتين في “وحلة” لا يمكنه عبورها إذا لم يضحِّ بهذا الرئيس المسطول. وحلف معارض ثانٍ يمينًا غموسًا على أنه لو كان محل بشار الأسد لترك الشقا على من بقى، وضب كلاكيشه وغادر البلاد إلى غير رجعة، واستغل رجل أمضى نصف قرن من عمره في المعارضة فرصة إقالة رئيس الوزراء، عماد خميس، وتعيين حسين عرنوس مكانه، فأعطانا معلومة خطيرة للغاية، إذ قال: بيني وبينكم؟ ليس المهم تغيير رئيس الوزراء، المهم أن يرحل بشار! وهذه المعلومة في الحقيقة يلزمها ضرب طبل وترغلة مزمار ودبكة على الأول، لأن الذكاء الشديد يُفرح الإنسان وينعش فؤاده.
قالت زوجتي: حبيبي إنته ما كتير بتفرق عن هدول، سألتك سؤال محدد، جاوبني عليه، بشار راح؟
استمهلتها ربع ساعة، قمت بجولة متأنية على الـ”فيسبوك”، ثم أعطيتها الجواب، وهو أن بشار على الأرجح انقلع، لأن عدد الذين رشحوا أنفسهم لخلافته صار محرزًا، والكل تنطبق عليهم الشروط التي ذكرتها لك أعلاه، مثل الوشة، وخطف الدوزان، والضحك بهبل ودون مناسبة، وأضفت: وأنا بصراحة أصبحت قادرًا على منافستهم والتغلب عليهم بعد حادثة اصطدام وجهي بالنجفة!