ألمانيا.. العدالة تلاحق مرتكبي “جرائم جنسية” في سوريا

  • 2020/06/21
  • 12:08 م

الرئيس السابق لأجهزة المخابرات في القوات الجوية جميل الحسن ورئيس مكتب األمن الوطني التابع للنظام السوري، علي مملوك (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – نينار خليفة

في خطوة على طريق تحقيق العدالة في سوريا، قدم “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” بالشراكة مع منظمة “أورنمو للعدالة وحقوق الإنسان” و”شبكة المرأة السورية”، شكوى جنائية نيابة عن سبع من الناجيات والناجين السوريين أمام القضاء الألماني، ضد تسعة مسؤولين كبار في الحكومة والمخابرات الجوية التابعة للنظام السوري.

تهدف الشكوى إلى قيام ألمانيا بالتحقيق والمحاكمة في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في سوريا باعتباره جريمة ضد الإنسانية، والاعتراف بأن ضباطًا في المخابرات السورية ارتكبوا هذا النوع من العنف كجزء من “هجوم واسع النطاق ومنهجي على السكان المدنيين”.

ويُدير “المركز الأوروبي” سبع شكاوى جنائية أخرى بشأن سوريا، في كل من ألمانيا والنمسا والنرويج والسويد.

وتستند هذه الدعاوى إلى مبدأ “الولاية القضائية العالمية” الذي يسمح للدولة بمقاضاة مرتكبي الجرائم الإنسانية الخطيرة، ولا سيما جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن جنسيتهم ومكان ارتكاب هذه الجرائم.

من المتهمون والمدّعون؟

الشكوى موجهة ضد الرئيس السابق لأجهزة المخابرات في القوات الجوية، جميل الحسن، ورئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري، علي مملوك، وسبعة مسؤولين آخرين رفيعي المستوى في المخابرات الجوية يرأسون عددًا من القيادات والفروع الأمنية، ومنهم جودت الأحمد، ومحمد رحمون، وغسان إسماعيل، وعبد السلام فجر محمود، وذلك وفق ما أوضحته الحقوقية السورية والزميلة الباحثة في “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” جمانة سيف.

وأشارت سيف، في حديثها لعنب بلدي، إلى أن هذه الشكوى تُكمل دعوى سابقة ضد نفس المشتبه بهم، كان قدمها “المركز الأوروبي” في تشرين الثاني 2017، أسهمت بإصدار مذكرة اعتقال بحق جميل الحسن، لافتة إلى أن الشكوى الجديدة تطالب بإضافة الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي إلى التهم الموجهة إليه كجرائم ضد الإنسانية.

أما المشتبه بهم الثمانية الآخرون فتُوجه إليهم تهم إصدار أوامر بإساءة معاملة الضحايا والحفاظ عليها والسماح بها، بناء على موقعهم العالي في سلسلة القيادة، وهم مرتكبون أو متواطئون بشكل غير مباشر، بجرائم الإبادة والتعذيب والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي.

وعن خطوات المضي قدمًا بهذه الشكوى، أفادت سيف بأن المدعي العام الفيدرالي الألماني، كان قد تسلّمها في 17 من حزيران الحالي، وينتظر الفريق القائم عليها السماع منه قريبًا، وتوسيع التحقيقات بخصوص العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في المعتقلات السورية، وإصدار مذكرات توقيف بحق المتهمين الثمانية الآخرين، متضمنة جرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم ضد الإنسانية.

واعتُقل أصحاب الشكوى في مراكز احتجاز مختلفة للمخابرات الجوية السورية، بين نيسان 2011 وتشرين الأول 2013، وكانوا جميعًا ضحايا أو شهودًا على التعذيب والعنف الجنسي، مثل “الاغتصاب أو الصدمات الكهربائية على الأعضاء التناسلية، والعري القسري، والإجهاض القسري”.

لماذا القضاء الألماني؟

ودُعمت شهادات هؤلاء الناجين والناجيات بتقارير طبية وحقوقية سورية ودولية، إضافة لتحليل جندري لصور “قيصر”، التي سُربت من سجون النظام السوري لآلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، إلى جانب تقارير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة”.

ويعيش أغلبية هؤلاء الناجين في ألمانيا وغيرها من دول منطقة “الشنغن” كلاجئين، ما يعني سهولة الوصول إلى ألمانيا بالنسبة لهم، وفقًا للحقوقية والمديرة التنفيذية لمنظمة “أورنمو للعدالة وحقوق الإنسان”، سيما نصار.

وعن سبب اختيار القضاء الألماني لرفع الشكوى أمامه، أوضحت نصار، في حديثها لعنب بلدي، أن الخيارات في الأساس كانت محدودة، كما أنه توجد مسبقًا في القضاء الألماني دعوى مرفوعة ضد جميل الحسن ومذكرة توقيف بحقه، فكان من الأسهل تضمين هذه الشكوى بتهم إضافية حتى لا تعاد الإجراءات من الصفر، إضافة إلى أن “المركز الأوروبي لحقوق الإنسان”، القائم بالشكوى، يتخذ من ألمانيا مقرًا له، وهو ما جعلها الخيار الأفضل للتحرك.

وأوضحت نصار أن العمل على هذه الدعوى ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج حوارات مستمرة منذ نحو ثلاث سنوات، كانت تبحث كيفية تضمين جرائم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي التي حصلت في السياق السوري بالدعاوى التي تُرفع أمام المحاكم الأوروبية.

واختير يوم 19 من حزيران كونه يتزامن مع “اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع”، وذلك بعد أن أُجّل الإطلاق لأسباب عدة، منها إجراءات محاكمة المسؤولين السابقين في جهاز أمن المخابرات التابع لحكومة النظام السوري، أنور رسلان وإياد الغريب، في مدينة كوبلنز الألمانية، في نيسان الماضي.

النتائج المتوقعة من الدعوى

أشارت نصار إلى أن مطلب القائمين على الشكوى بشكل أساسي هو الاعتراف بجرائم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي على أنها جرائم ضد الإنسانية، نظرًا لحجم هذه الانتهاكات وأثرها الكبير على المجتمع السوري.

واعتبرت أن هذه الشكوى ستكون بمثابة خطوة لإنصاف ضحايا العنف الجنسي، والاعتراف بأن ما حصل معهم هو جريمة، آملة بأن تؤسس هذه الخطوة لشيء أكبر في المستقبل، إذ إن الحديث الآن يتم عن ضلوع المخابرات الجوية، لكن فروع الأمن السياسي والأمن العسكري وغيرها ضالعة أيضًا بارتكاب انتهاكات جنسية.

من جانب آخر، لفتت نصار إلى أهمية إحداث قضاء مستقل يتحدث عن وجود جرائم شنيعة تُرتكب في سوريا، ومن ضمنها العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ليسمع العالم ذلك على لسان غير السوريين، مشيرة إلى أن المنظمات الحقوقية السورية تعبت من إثبات المثبت، فرغم ما تقدمه من تقارير وتوثيقات، تُتهم من جانب بعض المشككين بعدم مصداقيتها كونها جهات “معارضة”.

وأضافت في هذا الصدد، “كثير من الصحفيين الذين يعملون في وكالات أنباء مهمة يقولون لي أنت حقوقية معارضة، في محاولة للانتقاص من قيمة ومصداقية المعلومات التي أقدمها، وأنا كنت أرد دائمًا بأن الموضوع ليس سياسيًا بقدر ما هو هل يمكنك أن تكون مع (مجرم حرب)؟ فالموضوع ليس ضد أو مع بشار الأسد بقدر ما هو ضد الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد”.

انتهاكات موثقة

وثقت منظمة “أورنمو للعدالة وحقوق الإنسان” كثيرًا من أشكال العنف الجنسي المرتكب داخل مراكز الاحتجاز، وخلال طريق الوصول إلى هذه المراكز، وعلى الحواجز، بدءًا من التحرش اللفظي وانتهاء بالاغتصاب.

وذلك إلى جانب حوادث تتعلق بعنف جنسي مرتبط بالنزاع ولكنه بعيد عن مراكز الاحتجاز وقريب منها في نفس الوقت، يتم من خلال استغلال خوف الضحية من الاعتقال، ويتمثل بتهديد السيدة باعتقالها أو اعتقال أحد من ذويها أو أقاربها، واستفزازها لتقوم بتقديم خدمات جنسية أو لتمارس الجنس مع أحد الأشخاص الذين لهم صلات مع السلطة، أو قد يحصل ذلك مقابل الحصول على معلومات عن شخص مختفٍ، فضلًا عن الابتزاز المادي المرافق.

ولفتت نصار إلى توثيق المنظمة حالات يتم خلالها استفزاز السيدة من صاحب المنزل الذي تسكن فيه، إذ يقوم بطلب خدمات جنسية إن لم تتمكن من دفع الإيجار، وفي حال رفضها يعمد إلى كتابة تقرير كيدي بحقها، فعلى سبيل المثال، في حال كانت نازحة من إدلب ومقيمة في اللاذقية، يتهمها بأنها على تواصل مع “الإرهابيين”، وبمجرد تهديدها بذلك، تدرك السيدة أن الأفرع الأمنية لا تقوم بالتحقق عند تلقيها أي تقرير، وحتى تتمكن من اكتشاف براءتها وأن الاتهامات مفبركة بحقها، ستكون قد نالت ما فيه النصيب من الانتهاكات والتعذيب.

وصمة اجتماعية

عند الحديث عن العنف الجنسي، يجب ألا يتم التركيز على تعرض المعتقلة للاغتصاب فقط وفق ما بيّنته نصار، وقالت في هذا السياق، “لا نريد تعزيز الوصمة الموجودة أصلًا عن المعتقلات، ليست كل معتقلة تعرضت للاغتصاب، إذ إن العنف الجنسي الذي تتعرض له قد يكون لفظيًا، كما يُعتبر حرمانها من المستلزمات الصحية ومستلزمات النظافة داخل المعتقل عنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي”.

ولتأكيد خطورة هذا التعميم، تحدثت نصار عن طلاق معتقلات سابقات عقب إصدار تقارير حقوقية وثقت حالات اغتصاب داخل السجون السورية، إذ تخيل الزوج أن زوجته قد تعرضت حتمًا للاغتصاب خلال فترة اعتقالها، وهذا غير صحيح.

ورغم الممارسات “القميئة” للنظام ضد المعتقلات، لكنها ليست بالعدد المرعب الذي يتخيله الناس، وفقًا لنصار، التي أكدت أن النظام عمد إلى اغتصاب عدد من السيدات في بداية الحراك الثوري، وهي أكثر فترة وُثقت حالات من هذا النوع خلالها، لكنه اكتفى لاحقًا بالوصمة التي ألحقها المجتمع بالمعتقلات، “فالهدف الذي لأجله قد ارتكب هذا الانتهاك تحقق من دون أن يضطر للقيام به أصلًا في وقت لاحق”.

وفي هذا السياق، أكدت اختصاصية الدعم النفسي الاجتماعي سماح سالمة، في حديث سابق لعنب بلدي، أن على المجمع تفهم فكرة أن وجود عدد من حالات الاغتصاب في السجون، لا يعني على الإطلاق أن كل معتقلة قد تعرضت للاغتصاب.

وبيّنت أن تعامل المجتمع يجب أن يكون بالتركيز على الجانب الحقيقي لقصة الناجية، والابتعاد عن إضفاء توقعاتنا عما جرى معها، أو إسقاط تجارب اعتقال الأخريات وما مررن به على جميع التجارب.

ولفتت إلى أن تجربة الاعتقال بمجملها تجربة مريرة فيها انتهاك للإنسانية، ويجب على الأشخاص احترام كل سيدة مرت بهذه التجربة بما فيها من تفاصيل مؤلمة.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان