عنب بلدي – خولة حفظي
“دائمًا توجه السيوف نحو الخارج، ولكن يوجد تعامٍ عن الانتهاكات الممارسة ضد الناجين والناجيات من العنف الجنسي في سوريا، وخاصة النساء”، بحسب ما قالته المديرة التنفيذية لمنظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، الدكتورة مارية العبدة.
في خطوة أولى على المستوى القانوني الدولي وعلى المستوى المحلي المجتمعي، أطلقت مجموعة من منظمات المجتمع المدني السورية حملة توعوية تحت اسم “طريق سوريا إلى العدالة”.
وبدأت الحملة في 19 من حزيران الحالي، الذي يصادف “اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع”، وتعتبر سوريا واحدة من الدول التي سجلت حالات عنف جنسي موثقة، وفقًا للأمم المتحدة.
وأصدر “مجلس حقوق الإنسان” تقريرًا بعنوان “فقدت كرامتي“، أكد استمرار العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد في سوريا، منذ آذار 2011.
ووثّق التقرير ارتكاب القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها، الاغتصاب والانتهاكات الجنسية ضد النساء والفتيات، وأيضًا ضد الرجال في أثناء العمليات البرية والغارات على المنازل وفي نقاط التفتيش ومرافق الاعتقال الرسمية وغير الرسمية، كما وثّق حوادث اغتصاب للإناث على يد أفراد من الجماعات المسلحة، وإن كانت أقل شيوعًا.
ويشير مصطلح “العنف المرتبط بحالات النزاع” إلى الاغتصاب والتجارة الجنسية، والبغاء القسري، والحمل القسري، والإجهاض القسري، والتعقيم القسري، والزواج القسري، وغيرها من أشكال العنف الجنسي التي تحمل نفس الأثر الذي تتعرض له النساء والرجال والفتيات والفتيان، سواء كان ذلك تعرضًا مباشرًا أو غير مباشر، مما يتصل بالعنف اتصالًا مؤقتًا أو جغرافيًا أو عرفيًا.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن الخوف والعار الاجتماعي يتعاضدان بشكل يمنع السواد الأعظم من ضحايا العنف الجنسي من التبليغ عنه، ومقابل كل حالة اغتصاب واحدة يبلغ عنها، توجد هناك عشر إلى 20 حالة لا يُبلّغ عنها.
“طريق سوريا إلى العدالة”
تقف وراء حملة “طريق سوريا إلى العدالة” منظمات: “بدائل”، و”دولتي”، و”النساء الآن من أجل التنمية”، و”شبكة الصحفيات السوريات”، بالإضافة إلى حملة “من أجل سوريا”.
وتدعو الحملة إلى زيادة فرص الوصول القانوني إلى العدالة للناجين والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي ارتكب خلال السنوات العشر الماضية من النزاع في سوريا، وخاصة الناجيات اللواتي يواجهن عوائق تحول دون وصولهن إلى العدالة.
وفي حديث لعنب بلدي، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، الدكتورة مارية العبدة، إن “الحملة هي خطوة أولى مهمة على المستوى القانوني الدولي، وعلى المستوى المحلي المجتمعي”.
وتطالب العبدة بـ”عدالة قانونية ومجتمعية تعترف بالمعنفين والمعنفات كضحايا وناجين وناجيات، وتدعمهم لإعادة بناء حياتهم”، وتؤكد ضرورة “العمل لتصبح العدالة ممارسة يومية في حياتنا وليست محصورة في قاعات المحكمة”.
ووفقًا للبيان، فإن الحملة تطالب بالمساءلة القانونية عن جميع الجرائم الدولية التي وقعت خلال النزاع السوري، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
كما تدعو إلى زيادة الدعم وخدمات الاختصاصيين والاختصاصيات للناجين والناجيات، وإطلاق مبادرات توعية لمعالجة التمييز الاجتماعي الذي يسبب معاناة أكبر للناجين والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويمنعهم من التماس العدالة.
وتشير إلى أهمية إجراء تحليل يراعي الفوارق بين الجنسين لجميع الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا منذ بداية التحقيقات، ما يستلزم زيادة عدد المتخصصات في كل خطوة من خطوات التقاضي لمساعدة الناجيات على الدفاع عن العدالة، أي المزيد من ضابطات الشرطة والمحققات الجنائيات والمحاميات والقاضيات.
وأنشأ أعضاء الحملة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، مخصصة لنشر وتعميم الرسائل والمواد الرئيسة باللغتين العربية والإنجليزية، وتتضمن منتجات إعلامية وأسئلة متكررة بالإضافة إلى بيان مكتوب للجمهور.
صعوبة الإجراءات
لن يتسنى في الوقت الراهن اتخاذ إجراءات قضائية عادلة بشأن الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا، إلا من خلال بلدان ثالثة بالاستناد إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، في الحالات التي يوجد فيها الجناة في هذا البلد، أو أن يكون الضحايا أو الجناة من مواطني البلد الثالث، بحسب بيان الحملة.
وتتطلب تحقيقات الولاية القضائية العالمية حاليًا المزيد من الموظفين أو الموظفات من ذوي الخبرة الكافية في مجال النوع الاجتماعي لدعم الناجين والناجيات، الذين لن يتمكنوا من الإبلاغ عن تجاربهم بطريقة آمنة ومجدية إلا إذا توفرت الخبرات المطلوبة وطُرحت الأسئلة الصحيحة.
ووفقًا لبيان الحملة، فإن التحقيقات لا تشمل الانتهاكات الهيكلية والمتوطنة التي تُرتكب بشكل منهجي في جميع أنحاء سوريا، إذ قد يترتب على التحقيقات القائمة حاليًا، تصوير الجرائم الجنسية والقائمة على النوع الاجتماعي على أنها أفعال منعزلة وليست جزءًا من هجمات واسعة النطاق ضد السكان المدنيين، ما يعني إخراجها من نطاق كونها جرائم ضد الإنسانية.
آثار نفسية واجتماعية
نبّهت حملة “طريق سوريا إلى العدالة” إلى تعرض الناجين والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، لا سيما الناجيات، للتمييز داخل المجتمع بطرق متعددة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى الحياة العامة والخاصة على حد سواء.
تعاني الناجيات والناجون غالبًا من الصدمات النفسية والتمييز الاجتماعي (وصمة العار، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وجرائم الشرف) مدى الحياة، ما يجعلهم يخشون طلب العدالة أو التحدث عن التجارب حتى مع الأصدقاء أو العائلة في بعض الأحيان.
وترى الحملة أن محاسبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي “غير كافية” لتحقيق العدالة للناجين والناجيات، لأن “معاركهم تتخطى قاعة المحكمة، وتدخل كل بيت وشارع في سوريا بحثًا عن تحقيق العدالة، وإذا لم يحصل كل ناجٍ وناجية على الرعاية والاحترام والدعم الذي يحتاجونه، ستبقى العدالة قاصرة أمام الجرائم الدولية التي تمر دون حساب وتصم جبين الإنسانية”.