منصور العمري
الأسد لن يطلق سراح المعتقلين بضغط من قانون قيصر. لماذا؟ يجب أن نعرف أهمية المعتقلين والاعتقال والتعذيب بالنسبة لنظام الأسد.
أولًا، إطلاق سراح المعتقلين يعني إنهاء سياسة الاعتقال والإخفاء. إذ أنه لا معنى لإطلاق سراح المعتقلين الحاليين واعتقال آخرين.
وهو ما رأيناه في ممارسات الأسد لسنين. فحين كان يفرج عن بعض المعتقلين بعفو ما، يكون قد اعتقل عددًا أكبر خلال نفس الفترة.
طبيعة القانون طويل المدى
العقوبات سياسة تعتمد التأثير طويل الأمد بطبيعتها، وهو هدف العقوبات المفروضة على النظام السوري، كما صرح جيفري. هذا يعني أن التأثير الأشد للعقوبات لن يكون لها مباشرًا، لكن ستعتمد على التأثير طويل المدى. هذا هو بالضبط ما يجعل قانون قيصر خطرًا على المعتقلين في حال اعتبره السوريين حلًا لمعاناة أحبائهم في السجون. المعتقلون لا يملكون ترف الوقت، فهم محتجزون في أسوأ الظروف الممكنة ويموت كثير منهم كل يوم.
أداة سيطرة وردع للشعب
الإخفاء القسري والتعذيب أحد أعمدة الأنظمة القمعية التي لا تستطيع الاستمرار من دونها، وهذا ما يدركه نظام الأسد، فهي سلاحه لترهيب شعبه واسكاته والتحكم بها، ولا يمكنه التخلي عن هذ السلاح الفعال.
دروع بشرية
أعلن أوباما أنه قد يقصف مواقع لنظام الأسد في سوريا ردًا على استخدامه السلاح الكيماوي في غوطة دمشق. بعد هذا الإعلان وقبل أن يتراجع أوباما عن خطه الأحمر، بدأت منظمات دولية بالتواصل والبحث عن أماكن تواجد المعتقلين كي لا يتم قصفها. جميع مقرات وفروع المخابرات مليئة بالمعتقلين. في الوقت ذاته بدأ النظام بدفع بعض عناصره إلى الخروج من مراكزهم والمبيت في مدارس ومرافق حكومية قريبة من مراكز المخابرات.
توثيق تأثير قانون قيصر والعقوبات عمومًا على المعتقلين
من الصعب التوثيق الفوري لتأثير العقوبات على المعتقلين في سوريا، إذ أن النظام السوري يمنع بشكل صارم الوصول إلى مرافق الاحتجاز السرية، وهي التي تضم الكم الأكبر من المعتقلين. لذلك لا يمكننا رؤية التأثير مباشرة. لهذا السبب علينا اعتماد طرق أخرى للبحث وفهم التأثير. بما فيها بمقارنة سلوك نظام الأسد في مواقف مماثلة، ومتابعة ما يجري في سجن عدرا مثلًا، باعتباره لا يمنع الزيارات والمحامين عمومًا رغم مخاطر الوصول إليه. والحديث إلى المفرج عنهم الجدد.
في أثناء اعتقالي في مرفق سري تحت الأرض في الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، كثيرًا ما كان السجانون يرددون أثناء ضربهم لنا عند إحضارهم الطعام: “نحن نطعمك في الخارج، والآن علينا أن نطعمك في الداخل”، ويبدأون بضربنا.
لم تكن الأخبار تصلنا في المعتقل، لكن بالتأكيد كنا نتعرض لنتائجها.
فكان السجانون والمحققين مثلًا يقولون لنا: “متطالب فيكن الجزيرة يا عرصات”، وهكذا عرفنا أن هناك من يطالب بنا، وأننا لسا منسيين.
في أحد الأيام نزل السجانون وأمروا من هو من حرستا أن يصطف جانبًا، ثم شرعوا بضربهم وشتمهم. عرفنا فيما بعد أنه في هذا اليوم تم تفجير مقر المخابرات العسكرية في حرستا، فأتى السجانون انتقامًا.
خلال حزيران 2012، حين كنت معتقلًا في الفرقة الرابعة، تراجعت وتيرة التعذيب الذي كنا نتعرض، وأثار هذا تساؤلًا كبيرًا لدينا. عندما خرجت من المعتقل بحثت في مجريات الأحداث في الفترة ذاتها، وتبين لي أنه كانت هناك أخبار بأن لجنة دولية ستزور بعض معتقلات الأسد. لم يدم الأمر طويلًا حينها وعاد التعذيب والتنكيل بشكل أقسى من قبل.
لكن هذا التعامل مع الضغوط ليست القاعدة لفهم منهجية نظام الأسد. فبعد ورود أخبار أن لجنة دولية قد تزور معتقلات الأسد في مطار المزة للتحقق من أوضاع المعتقلين. بدأت المخابرات الجوية بوضع المعتقلين لديها في باصات تسير بهم بعيدًا عن جوية المزة، من الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة عصرًا.
أدى هذا الأمر أيضًا إلى تعذيب من نوع آخر. لم يقدم السجانون أي طعام أو ماء للمعتقلين في الباصات، وقضى المعتقلون وقتهم مطمشين ورؤوسهم بين أرجلهم. قال لي المعتقل إنهم عندما كانوا ينزلونهم من الباصات إلى الفرع، كانوا يضربونهم مع نزولهم ويصرخون بهم ضاحكين: “انشالله عجبكن السيران؟”. حين كانوا يدخلون الزنازين مرة أخرى كانوا يحمدون ربهم أن سيران التعذيب انتهى، وهم بالكاد يستطيعون تحريك رقابهم وظهورهم.
وما اعتقالات السويداء الأخيرة لمتظاهرين سلميين، قبل أيام من فرض قانون قيصر إلا دليل آخر على منهجية نظام الأسد في عدم تغيير سياساته وممارساته بالنسبة للاعتقالات والتعامل مع الحراك السلمي.
يضم قانون قيصر ذات المطالبات الدولية منذ نحو عشرة سنوات، وهي الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بوصول مفتشين دوليين لجميع مراكز الاعتقال وغيره. لكن حتى اليوم لم يستجب النظام لهذه المطالب. ربما لن يكون هناك حل لهذه المسألة سوى بفرضها بالقوة على نظام الأسد، وهو ما لا يرغب بفعله المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة.
إن لم يكن هدف قانون قيصر الأول استخدامه كورقة ضغط أمريكية ضد إيران وروسيا، يجب أن تعمل الإدارة الأمريكية بشكل أكثر جدية على حماية المدنيين، بما فيهم المعتقلين الذي صدر القانون باسمهم ولكنه لم ولن يفعل شيئًا لهم.
حين أرادت الولايات المتحدة سحب المخزون الكيماوي من سوريا، لم يتطلب الأمر سوى أيام حتى سلم بشار الأسد معظم ما يملكه من مخزون. رغم أن نظام الأسد يعتبر هذا السلاح أهم سلاح استراتيجي له، بعد أن قضى سنين في جمعه من عدة دول بما فيها من العراق قبل 2003 عبر صفقة مع أبناء صدام حسين. سلاح العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية أثبت فشله عبر التاريخ، وساهم في تعزيز سطوة الأنظمة الديكتاتورية على شعوبها. على المجتمع الدولي حماية المدنيين السوريين بمن فيهم المعتقلون بطرق أكثر واقعية وجدوى. الرد على آلة القتل والتعذيب والإخفاء السورية لا يكون بفرض حملات عقوبات طويلة المدى، قد تزيد من معاناة الناس بمن فيهم المعتقلين الذين لا يملكون الوقت، بل بإجراءات جدية توقف هذه الآلة الوحشية.
هذا المقال جزء من بحث في سياسة العقوبات الاقتصادية عمومًا بالإضافة إلى تلك المفروضة على النظام السوري بما فيها قانون قيصر للصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، ولقراءة الأجزاء المتبقية من البحث اتبع الروابط:
– العقوبات الأمريكية على النظام السوري بما فيها قانون قيصر.. مقاربة بلا جدوى