سياسة العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الدولية.. هل يستجيب الديكتاتور؟

tag icon ع ع ع

منصور العمري

من خلال تاريخ ودراسات العقوبات الدولية والأحادية الجانب والأممية، نجد أن هناك شبه إجماع من الخبراء والأكاديميين على عدم جدوى العقوبات في تغيير سلوك الأنظمة الديكتاتورية، وفي أغلب الأحيان تكون العقوبات أداة سياسية خارجية للتعبير عن رفض وانتقاد سلوك تلك الأنظمة.

قد لا يكون هناك استثناءات لهذه الإجماع، فنظام صدام حسين لم يسقط أو يغير سلوكه بسبب العقوبات بل بعمل عسكري. رغم أن العقوبات التي فُرضت على العراق لسنين طويلة كانت أممية ودولية وليست أمريكية فقط كما هو حال قيصر. شملت هذه العقوبات حظر جوي فوق العراق فرضته دوريات جوية أمريكية وبريطانية لحماية مناطق الشيعة والكرد. أيضًا هو الحال ذاته بالنسبة لكوريا الشمالية وكوبا وإيران التي تتعرض لأقصى عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ممكنة، وليبيا والسودان في التسعينيات، لكنها لم تغير سلوكها بل فاقمته، وساهمت في إفقار شعوب هذه الدول نتيجة لسياسات أنظمتها القمعية بالدرجة الأولى وتحديها لما تعتبره الإمبريالية العالمية.

كي يكون النظام السوري استثناء عن هذه الدول، يجب وجود عوامل تشكل هذا الاستثناء، بحيث يكون للعقوبات أثرًا في تغيير سلوكه على الأقل. لكن على العكس فمواضع الاختلاف بين حالة النظام السوري ودول أخرى تعرضت للعقوبات تصب في صالح النظام.

أولًا، المنافذ الحدودية: لم يكن للعراق منافذ حدودية، وكوبا محاصرة في البحر في جوف الولايات المتحدة. بينما النظام السوري لديه نوافذ بحرية وبرية، وهلال يمتد من بيروت إلى إيران، وجسر جوي روسي، وأنفاق خليجية ومصرية ومن دول أخرى.

ثانيًا: طبيعة العقوبات: العقوبات التي فرضت على العراق وليبيا في التسعينيات كانت أممية، أي يجب تنفيذها من جميع دول العالم ومواطنيها، بينما قيصر قانون أمريكي ليس مفروضًا على أي دولة. قد تتعاون دول مع هذا القانون ولكن اعتمادًا على ما تراه من مصلحتها وليس التزامًا قانونيًا.

أمثلة عن عقوبات اقتصادية على دول أخرى

العراق

وصلت العقوبات المفروضة على العراق إلى الحصار الفعلي، وكانت عقوبات أممية ودولية وليست أمريكية فقط. وشملت حظر طيران شمال وجنوب العراق لحماية مناطق الشيعة والكرد، سيّر دوريات جوية أمريكية وبريطانية لضمان الحظر.

أما عمليًا فكان الحصار محكمًا وأدى فعليًا لإفقار العراق ووصل إلى التسبب بموت الأطفال نتيجة نقص الدواء، لأن جميع دول الجوار كانت ضد نظام صدام، ومنفذه على البحر مغلق. باستثناء الأردن الذي فتح معبر العقبة بشكل محدود مقابل فوائد اقتصادية تعود على الأردن. رغم ذلك بقي صدام فوق رؤوس العراقيين ولم يسقط سوى بعمل عسكري بعد عشرين سنة من بدء العقوبات. العقوبات على العراق كانت أشد بكثير من جميع العقوبات المفروضة حاليًا على النظام السوري بما فيها قيصر، وكانت عقوبات أممية ودولية وأمريكية، لكن صدام لم يسقط سوى بعمل عسكري.

 

ليبيا

العقوبات التي فرضت على ليبيا عام 1993 أيضًا كانت أشد من جميع العقوبات المفروضة حاليًا على سوريا، وشكلت حصارًا اقتصاديًا وحظرًا جويًا. كما كانت أممية ضمن الفصل السابع، ودولية وأمريكية، أي ليست فقط أمريكية كما هو حال قيصر. كان هدف العقوبات أدنى بكثير من المطلوب من النظام السوري في قيصر. لكن القذافي لم ينفذ مطالب قرار مجلس الأمن سوى خوفًا من عمل عسكري ضده. حيث سبق أن قصفت الولايات المتحدة مقر إقامته في ليبيا. كان المطلوب من القذافي بالدرجة الأولى فقط تسليم مواطنين ليبيين اثنين متهمين بتفجير طائرة مدنية، ودفع تعويضات مالية لضحايا التفجير، وهو ما فعله بعد عشر سنوات من فرض العقوبات. من بين العقوبات التي فُرضت على ليبيا أيضًا تجميد الأموال والموارد المالية للحكومة ومن يمثلها في جميع دول العالم. كما حظر القرار تزويد ليبيا بأية طائرة أو قطع طائرات وتوفير خدمات الهندسة والصيانة للطائرات الليبية أو أجزاء الطائرات الليبية، ومنح شهادة الأهلية للطيران إلى الطائرات الليبية.

 

كوبا

استمر حصار الولايات المتحدة الاقتصادي والتجاري والمالي لكوبا نحو 60 عامًا، لم يغير فيها نظامها الحاكم سلوكه ولم ينفذ أيًا من مطالب الولايات المتحدة. بل على العكس حاولت الولايات المتحدة إعادة العلاقات مع كوبا حين أعلن أوباما عن خطوات جديدة نحو تطبيع العلاقات مع كوبا عام 2014. بعد سنة من المفاوضات السرية بين الجانبين في كندا والفاتيكان، شارك فيها البابا فرانسيس. تضمن الاتفاق مراجعة الولايات المتحدة تصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب، وتخفيف القيود على سفر الأمريكيين إلى كوبا، وتحفيف القيود المالية، وتكثيف الاتصالات بين البلدين، إضافة إلى جهود تستهدف رفع الحظر التجاري. في الوقت الذي كانت طائرة الرئيس الأمريكي أوباما تستعد للإقلاع إلى كوبا لزياراتها، اعتقلت كوبا معارضين للنظام الكوبي. وبعد سنة أفرجت كوبا عن معتقلين آخرين بطلب من الولايات المتحدة، نتيجة للتقارب الأخير وليس للعقوبات المفروضة عليها منذ عقود.

إيران

تخضع إيران لعقوبات اقتصادية ودبلوماسية أمريكية ودولية  منذ عام 1979. وصلت العقوبات الاقتصادية على إيران إلى حد الحصار الاقتصادي شبه المطلق. لم يغير النظام الإيراني سلوكه، رغم انهيار عملته وضعف اقتصاده الشديد، ولا يزال يمارس اعتقال المعارضين والصحفيين والأكاديميين ويتوسع في المنطقة العربية.

كوريا الشمالية

بدأت العقوبات على كوريا الشمالية عام 1950، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، ولم يغير سلوكه حتى اليوم، رغم المجاعة التي حلت بشعبه وأودت بحياة مئات آلاف الكوريين.

السودان

خضعت السودان للعقوبات عام 1993 ورفع معظمها فقط عام 2017، أي بعد انضمام السودان للقتال إلى جانب التحالف السعودي في اليمن بعام. كان السبب المعلن لرفع العقوبات هو جهود حكومة عمر البشير في التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة.

يجب أن نعي بأن العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التي تفرض بأهداف حماية المدنيين واحترام حقوق الناس وحرياتهم وتحقيق العدالة، ليست بأي شكل أحد الحلول. أي أنها ليست من ضمن قائمة الحلول المحتملة لحماية الشعوب من أنظمتها الديكتاتورية.

فالديكتاتورية بالتعريف هي أحد أشكال الحكم الذي يمتلك فيها شخص واحد أو مجموعة صغيرة السلطة المطلقة دون قيود دستورية فعالة. يحافظ الدكتاتوريون فيها على سلطتهم من خلال استخدام الترهيب والإرهاب وقمع الحريات المدنية الأساسية.

الأنظمة الديكتاتورية بطبيعتها غير قادرة على تغيير سلوكها المتعلق بحقوق الإنسان والحريات حتى لو أرادت ذلك. فهذه المبادئ الحقوقية والإنسانية تتعارض مع طبيعة هذه الأنظمة التي تضمن بقائها بقمع الحريات وحقوق الإنسان. أي تساهل من قبل هذه الأنظمة تجاه شعوبها سيؤدي إلى سقوطها الحتمي. لذلك أي عقوبات تتضمن حماية الحقوق والحريات والعدالة للشعوب لن تنفذها الحكومات الديكتاتورية، وليس لديها سوى خيار تحدي هذه القوانين بالتعاون فيما بينها.

وهذا ما ينقلنا إلى شروط رفع عقوبات قيصر، فأغلبها لا يمكن للنظام تنفيذه. كبدء خطوات لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا. هذا يعني أن النظام لن يحقق الشروط الكاملة لرفع العقوبات وبالتالي ليس للنظام أي منفذ سوى رفض القانون. على أرض الواقع قانون قيصر لن يرفع العقوبات عن نظام الأسد حتى سقوطه، أو تغير في السياسة الأمريكية تجاه النظام السوري.


هذا المقال جزء من بحث في سياسة العقوبات الاقتصادية عمومًا بالإضافة إلى تلك المفروضة على النظام السوري بما فيها قانون قيصر للصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، ولقراءة الأجزاء المتبقية من البحث اتبع الروابط:

– العقوبات الأمريكية على النظام السوري بما فيها قانون قيصر.. مقاربة بلا جدوى

قيصر.. قانون بلا ولاية قضائية

– دور العقوبات في الضغط على روسيا للتخلي عن الأسد

– تأثير قانون قيصر على المعتقلين

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة