عنب بلدي – درعا
عملت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع مديرية الأوقاف في درعا على تدجين المؤسسة الدينية، وخلق نسيج من الخطباء، يتناسب مع أهداف النظام في التأثير على الحاضنة الشعبية، عبر مراحل تهيئة الخطباء لعودة الدعاء لرئيس النظام، بشار الأسد، وعدم الخروج في الخطبة عن “خطة الدولة”.
ونشرت مديرية أوقاف درعا، عبر صفحتها في “فيس بوك” على مدار الأشهر الماضية، ندوات وخطبًا وزيارات للشيوخ إلى مساجد المدينة، ضمن ما سمته “برنامج التوجيه الإيماني والوطني”.
فصل خطباء رفضوا دورة تدريبية
بعد افتتاح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، معهد “الشام الدولي لمحاربة التطرف والإرهاب”، طلبت مديرية الأوقاف في درعا من الخطباء الالتحاق بدورة تدريبية في دمشق، وعملت على فصل كل الخطباء الذين رفضوا الالتحاق بالدورة، والذين صدرت بحقهم بلاغات فصل من الأوقاف (حصلت عنب بلدي على عدة نسخ منها) طلبت فيها الأوقاف توقيفهم عن الخطابة بتهمة رفض حضور الدورة التدريبية.
الناشط الإعلامي أنور حريري قال، في حديثه لعنب بلدي، إن الهدف من إجبار الخطباء على حضور دورة “المركز الإسلامي الدولي لمحاربة الإرهاب”، غربلة مجموعة من المشايخ، ومعرفة الذين ما زالوا يحملون فكرًا ثوريًا، لطردهم وخلق فريق مدجن من الخطباء على مستوى المحافظة، يأتمر بأوامر الأجهزة الأمنية.
وتؤسس هذه السياسة لمرحلة عودة الدعاء للأسد في خطب الجمعة، بعد تهيئة نفوس المصلين لتقبل هذا الأمر الذي تسعى إليه الأجهزة الامنية، وإعادة الأمور لمرحلة تلقين الأجهزة الأمنية خطب الجمعة للمشايخ.
وكان للخطباء دور بارز في الحراك الثوري بدرعا، وأول من دعا للحراك السلمي في المدينة هو الشيخ أحمد الصياصنة، إضافة إلى دورهم المدني الواضح خلال سنوات الثورة، وكان أهمه إنشاء محكمة دار العدل برئاسة الشيخ أسامة اليتيم، وبعده عصمت العبسي، حسب حديث الناشط باسل غزاوي لعنب بلدي.
المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران”، عامر حوراني، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري أوقف 34 خطيب مسجد عن العمل، بحجة عدم الالتحاق بدورة “المركز الإسلامي الدولي لمحاربة الإرهاب”، وحاول اغتيال الخطباء الذين لم يستطع إقصاءهم، كونهم خطباء مساجد في مناطق “التسوية” الخارجة عن سيطرته الفعلية، كما هي الحال في اليادودة وطفس ودرعا البلد والمزيريب وعموم المنطقة الغربية.
اغتيال لرجال الدين والمتهم النظام
اغتال مجهولون، في شباط 2019، الشيخ علاء الزوباني، خطيب مسجد في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، إثر إطلاق النار عليه بمسدس كاتم للصوت.
ويعتبر الزوباني من المشايخ الذين رفضوا الالتحاق بدورة “المركز الإسلامي الدولي لمحاربة الإرهاب”، كما أنه لم يحصل على ورقة “تسوية”، وفُوّض من قبل فصائل اليادودة للتفاوض مع الجانب الروسي في أثناء الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام السوري.
ونشر “تجمع أحرار حوران” تسجيلًا مصوّرًا يظهر ما وصفها باعترافات شخص اسمه رأفت النحاس بقتل الشيخ علاء الزوباني، بناء على طلب وتوجيه من “المخابرات الجوية”.
وقال رأفت النحاس في التسجيل، إنه بعد اغتيال الزوباني طلبت منه الأجهزة الأمنية اغتيال الشيخ محمود البنات، عضو “اللجنة المركزية” في ريف درعا الغربي، والقياديين “أبو عبادة المصري”، وموفق الغزاوي الذي اغتيل أيضًا في بلدة المزيريب.
وفي حزيران 2019، اغتيل الشيخ موسى الحريري في بلدة بصر الحرير بعبوة ناسفة أمام مسجد البلدة، ويعرف الشيخ موسى بمواقفه المناهضة للنظام والدور الإيراني وتمدد فكره في المنطقة.
وسبق ذلك اغتيال الشيخ رائد الحريري، كما جرت محاولات اغتيال لعدد من الخطباء خارج السيطرة الفعلية للنظام، أمثال الشيخ يوسف البكار خطيب في أحد مساجد تل شهاب، والشيخ فادي العاسمي خطيب أحد مساجد طفس.
الناشط باسل غزاوي اعتبر أن موقف خطباء الثورة المعادي لإيران وهيمنة النظام على المنطقة، ودورهم في التأثير على القاعدة الشعبية، جعلهم هدفًا لأجهزة النظام إما بالاغتيال أو بالإقصاء.
ولكنه استبعد نجاح مشروع الأجهزة الأمنية في السيطرة على القاعدة الشعبية عن طريق المساجد، لوجود مستوى جيد من الوعي لدى الأهالي ومعرفتهم بخطورة الدور الإيراني، بحسب تعبيره.
منابر درعا وسيلة إعلامية
استخدمت الأجهزة الأمنية منابر ومكبرات صوت المساجد وسيلة لإعلام الأهالي بقرارات النظام منذ بداية حزيران الحالي مرتين.
المرة الأولى، عبر مساجد إنخل ونوى والحراك وداعل وغيرها في الريف الغربي، وكانت للتأكيد على ضرورة التحاق المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية بقطعهم العسكرية، مع ضمان عدم مساءلتهم القانونية والأمنية بموجب عفو رئيس النظام، بشار الأسد، في آذار الماضي، وضرورة تسجيل أسمائهم لدى الفرق الحزبية والمخاتير والبلديات.
عسكري منشق، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إنه رغم دعوات النظام عبر مكبرات الصوت للالتحاق بالقطع العسكرية، لكنه لا يثق بالضمانات التي تُقدّم للمنشقين، فالأجهزة الأمنية فوق القانون، وكثير من زملائه المنشقين سلموا أنفسهم بموجب العفو السابق، ولكن مصيرهم حتى اليوم مجهول.
المرة الثانية التي استخدمت فيها مكبرات المساجد، كانت بعد تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وعدم قدرة أصحاب المحلات، وخاصة المتاجر الكبيرة منها، على الاستمرار في البيع والشراء.
أغلق التجار محلاتهم، الأمر الذي أزعج سلطات النظام، التي أذاعت بيانًا عبر مكبرات الصوت، دعت جميع أصحاب المحال التجارية لفتحها مباشرة، تحت طائلة المساءلة القانونية، وإغلاق المحال المغلقة منها بالشمع الأحمر.
وجاءت هذه النداءات من المكبرات بالتزامن مع دعوات رسمية وجهها مجلس المدينة، دعا فيها أصحاب المحلات إلى الفتح الفوري لمحلاتهم، وهددهم بالعقوبة في حال عدم الاستجابة.
وتخضع درعا لنفوذ النظام السوري منذ تموز 2018، بموجب “تسوية” مع فصائل المعارضة بضمانة روسية، لكنه لم يحكم سيطرته على كامل أنحاء المحافظة، ويحاول تشديد قبضته مؤخرًا عبر زيادة انتشار قواته وإخضاع الجهات التي تفاوضه عسكريًا واجتماعيًا.