هبوط ضغط الدم.. حالة شائعة قد تشكل خطرًا على الحياة
د. أكرم خولاني
يعاني بعض الناس بشكل متكرر من اضطراب توازن الجسم والشعور بالتوتر والتعب والإرهاق، ويعتبر انخفاض ضغط الدم من أكثر المشكلات الشائعة التي تؤدي إلى هذه الأعراض، ومع أن انخفاض ضغط الدم قد يكون دليلًا على الصحة الجيدة للشخص في بعض الأحيان، وهذا ما نشاهده لدى الأشخاص الذين يتمتعون بلياقة بدنية جيدة، إلا أنه قد يشكل مشكلة لدى آخرين، وقد يسبب خطرًا على الحياة في الحالات الشديدة.
ما المقصود بهبوط ضغط الدم
ضغط الدم هو قوة دفع الدم ضد جدران الشرايين عند ضخ الدم من القلب، ويكون ضغط الدم الطبيعي للشخص البالغ السليم 120/80 ملم زئبق أو أقل، وقد يختلف ضغط الدم الطبيعي باختلاف الأوقات خلال اليوم، وذلك بالاعتماد على عوامل عدة، من بينها وضعية الجسم، التنفس، التوتر، الحالة الجسدية، إضافة إلى الأدوية التي يستخدمها الشخص، وطبيعة الأطعمة والمشروبات التي يتناولها، والوقت من النهار، فبشكل عام يكون ضغط الدم منخفضا في أثناء الليل، وغالبًا ما يزداد تدريجيًا خلال النهار.
ولكن يعتبر أن هناك انخفاضًا في ضغط الدم (Hypotension) عندما يكون ضغط الدم الانقباضي أقل من 90 ملم زئبق أو الانبساطي أقل من 60 ملم زئبق، ولكن في الممارسة العملية لا نقول إن الضغط منخفض إلا إذا سبب ظهور أعراض تدل على ذلك، لذا لا يشكل انخفاض ضغط الدم دون وجود أعراض مصدرًا للقلق، ولا يحتاج إلى العلاج، إلا إذا حدث لدى كبار السن، فقد يكون سببًا في عدم تدفق الدم بشكل كافٍ إلى الدماغ أو الأعضاء الحيوية الأخرى.
لهبوط ضغط الدم عدة أنواع:
- انخفاض ضغط الدم عند الوقوف (انخفاض ضغط الدم الانتصابي أو الوضعي): يحدث انخفاض حاد في ضغط الدم عند الوقوف من وضع الجلوس أو عند الوقوف بعد الاستلقاء، وعادة ما تختفي أعراضه خلال عدة دقائق، ويشيع حدوثه بشكل خاص لدى كبار السن، لكنه قد يصيب صغار السن أيضًا.
- انخفاض ضغط الدم بعد تناول الطعام: هذا الانخفاض المفاجئ في ضغط الدم بعد تناول الطعام يصيب كبار السن على الأغلب، وغالبًا ما تظهر أعراضه عند الوقوف في غضون أول ساعة إلى ساعتين من تناول الطعام، وتبدأ هذه الأعراض بالزوال بعد حوالي ساعتين من تناول الطعام، وتكون الأعراض أكثر حدة في حال كانت وجبة الطعام كبيرة، أو إذا كانت تحتوي على نسب عالية من الكربوهيدرات، أو في حال شرب الكحول قبل أو في أثناء تناول الطعام.
- انخفاض ضغط الدم بوساطة عصبية: هذا الاضطراب، الذي يسبب انخفاضًا في ضغط الدم بعد الوقوف لفترات طويلة، غالبًا ما يصيب الشباب والأطفال، ويبدو أنه يحدث نتيجة لسوء التواصل بين الدماغ والقلب.
- انخفاض ضغط الدم بسبب تلف الجهاز العصبي (ضمور الأجهزة المتعدد مع انخفاض ضغط الدم الانتصابي): يتسبب هذا الاضطراب النادر، الذي يسمى “متلازمة شاي دراجر”، في تلف تدريجي للجهاز العصبي اللاإرادي، الذي يتحكم في الوظائف اللاإرادية مثل ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، والتنفس والهضم، ويكون مصحوبًا بارتفاع شديد في ضغط الدم عند الاستلقاء.
- هبوط ضغط الدم عند المرأة الحامل: يحدث هبوط ضغط الدم خاصة في الثلثين الأول والثاني من الحمل، أي في الأسابيع الـ24 الأولى من الحمل، ويُعزى ذلك إلى زيادة نسبة هرمون البرجسترون في الجسم، الذي يقوم بتحفيز جدران الأوعية الدموية على الاسترخاء والتوسع، ولا يعتبر هبوط ضغط دم الحامل خطرًا، وعادة ما يصل هبوط الضغط إلى أدنى مستوياته في الثلث الثاني من الحمل، ليعاود ارتفاعه في الثلث الأخير من الحمل مستقرًا عند مستوياته الطبيعية بعد الولادة.
ما أعراض هبوط ضغط الدم؟
الأعراض التي تصاحب هبوط الضغط قد لا تظهر عندما يكون الجسم في وضعه الطبيعي، فقد تظهر في أغلب الأحيان عند تغيير وضعية الجسم، مثل الوقوف، أو عند بذل جهد في أثناء استخدام المرحاض، وأهم الأعراض:
- الدوخة أو الدوار.
- الصداع.
- الإغماء، وهو الفقدان المفاجئ والمؤقت للوعي.
- خفقان القلب، وهو سرعة نبضات القلب وعدم انتظامها.
- الغثيان.
- الشعور بالضعف العام والإعياء.
- ألم في الصدر.
- النعاس.
- الحمى (حرارة فوق 38.3 درجة مئوية).
- التقيؤ.
- سوء الهضم.
- عسر التبول (تبول مؤلم).
- عدم وضوح الرؤية.
- ضعف السمع.
- الجفاف والعطش غير المعتاد.
- قلة التركيز وتشتت الانتباه.
- الكآبة والتوتر المستمر.
يمكن أن يؤدي انخفاض ضغط الدم الشديد إلى حالة مهددة للحياة تعرف بـ”الصدمة”، وتتضمن أعراض وعلامات الصدمة ما يلي:
- التشوش، خصوصًا لدى كبار السن.
- برودة ورطوبة وشحوب الجلد.
- تنفس سريع وسطحي.
- ضعف وسرعة النبض.
ما أسباب هبوط ضغط الدم؟
المشكلات القلبية:
الإصابة بالمشكلات القلبية، وانخفاض ضربات القلب، والأمراض التي تصيب الصمامات، والنوبات القلبية، وضعف عضلة القلب بشكل عام يؤدي إلى عدم القدرة على ضخ الدم في الشرايين بشكل منتظم، ما يتسبب في هبوط ضغط الدم بشكل عام.
اضطرابات الغدد الصماء:
حدوث الاضطرابات المختلفة التي تصيب الغدد، ومنها الغدة الدرقية (قصور أو فرط نشاط الغدة الدرقية) يتسبب في الإصابة بضغط الدم المنخفض، والإصابة أيضًا بـ”داء أديسون” (قصور الغدة الكظرية) يتسبب في الإصابة بضغط الدم المنخفض.
مرض السكري:
الإصابة بمرض السكري وانخفاض نسبة الغلوكوز بالدم يؤثر على قوة العضلات الخاصة بالقلب والجهاز العصبي والأوعية الدموية، ويتسبب في هبوط ضغط الدم.
الجفاف:
يعد الجفاف من أهم الأسباب التي تعمل على هبوط ضغط الدم، وذلك لأن الجسم يفقد السوائل الموجودة فيه، ويشعر الشخص بالضعف العام وبالدوار والدوخة ويصاب بالإغماءات، وقد ينجم الجفاف عن التقيؤ، والحمى، والإسهال الشديد، والإفراط في استخدام مدرات البول، وممارسة التمارين الرياضية الشاقة، والإصابة بالحروق.
النزيف:
إن فقد الجسم كميات كبيرة من الدم نتيجة النزيف الناجم عن إصابة خارجية أو نزيف داخلي يؤدى إلى هبوط ضغط الدم بشكل كبير(صدمة نقص الحجم).
الالتهابات الجرثومية الشديدة (تسمم الدم):
قد تؤدي الالتهابات الجرثومية الشديدة إلى هبوط ضغط الدم بشكل كبير وإلى الإغماءات (صدمة إنتانية).
سوء التغذية:
يعتبر سوء التغذية من أكثر الأسباب التي تؤدى إلى الإصابة بهبوط ضغط الدم، وعادة يكون ذلك نتيجة نقص فيتامين ب12 وحمض الفوليك، كما أن سوء التغذية يؤدى إلى فقر الدم، الذي يعمل على هبوط ضغط الدم بشكل واضح.
تفاعلات حساسية شديدة (فرط الحساسية):
نتيجة التحسس الحاد من بعض الأطعمة وبعض الأدوية وسم الحشرات واللاتكس، وقد يتسبب فرط الحساسية في مشكلات التنفس والشرى والحكة وتورّم الحلق وانخفاض خطير في ضغط الدم.
الدوالي الوريدية:
الدوالي الوريدية ذات الحجم الكبير.
الحمل:
لأن الجهاز الدوراني يتوسع في أثناء الحمل بتأثير هرمون البروجيسترون، وهذا يؤثر على ضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم، ما يؤدى إلى هبوط ضغط الدم بشكل كبير.
تناول بعض الأودية:
مثل بعض الأدوية المستخدمة لعلاج ضغط الدم المرتفع (مدرات البول، حاصرات بيتا، حاصرات قنوات الكالسيوم، مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين، حاصرات ألفا، نتروغليسيرين)، إلى جانب مضادات الاكتئاب، والأدوية المستخدمة لعلاج مرض باركنسون، وخلل الانتصاب (فياجرا).
كيف يتم تدبير حالات هبوط ضغط الدم؟
كما ذكرنا سابقًا فإن انخفاض ضغط الدم من دون أعراض عند الناس الأصحاء عادة لا يتطلب أي علاج.
عند وجود الأعراض، فإن انخفاض ضغط الدم المزمن يوجد بشكل عام كأحد أعراض مرض آخر وليس كمرض بحد ذاته، ويعتمد علاجه على علاج المرض الأساسي، ويمكن إضافة الشوارد إلى النظام الغذائي لتخفيف الأعراض (تناول الأطعمة المالحة كالمخللات)، والإكثار من شرب السوائل مع تجنب الكحول، وكذلك فإن جرعة الصباح من الكافيين يمكن أن تكون فعالة أيضا، كما ينصح باللجوء إلى الرياضة وممارسة التمرينات التي تحفز الدورة الدموية بالجسم، والابتعاد عن القلق والإرهاق الذي من الممكن أن يصيب الإنسان في أثناء اليوم.
وينصح في حالة هبوط الضغط الانتصابي بتجنب القيام بتغيير سريع ومفاجئ في وضعية الجسم، مثل الوقوف فجأة بعد جلوس أو استلقاء، وكذلك تحريك القدمين واليدين حركات بسيطة أو الجلوس لدقائق معدودة تسبق الوقوف إذا كان في وضعية الاستلقاء.
ولتجنب حدوث هبوط الضغط بعد الأكل عند المسنين، يفضل تناول وجبات صغيرة وعديدة بدل وجبات كبيرة وقليلة، وكذلك أخذ قسط من الراحة بعد الانتهاء من تناول الوجبة، مع تجنب تناول الأدوية الخافضة للضغط قبل الوجبة مباشرة، والتقليل من استهلاك الكربوهيدرات.
أما في حالات انخفاض ضغط الدم الحاد، ففي الحالات الخفيفة عندما يكون المريض لا يزال مستجيبًا، يوضع المصاب في وضعية الاستلقاء على ظهره وتُرفع ساقاه للأعلى، وهذا يؤدي إلى زيادة العائد الوريدي، بحيث يجعل الدم متاحًا بشكل أكبر للأجهزة الحساسة كالصدر والرأس.
وفي الحالات الشديدة يجب نقل المصاب إلى أقرب مشفى لإجراء الإسعافات اللازمة بالسرعة الممكنة، إذ إن نسبة الوفيات ترتبط مباشرة بالسرعة التي يتم بها تصحيح انخفاض ضغط الدم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :