ريف إدلب – شادية التعتاع
امتلكت عائلة أمل عددًا من الأغنام في بلدتها معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، قبل نزوحها واستقرار الحال بها في بلدة سرمدا بالريف الشمالي للمدينة، وكانت العائلة تعمد إلى بيع حليبها، واعتماده كمصدر للدخل، واستخدام جزء منه لصناعة “مونة” المنزل.
لكن أمل الحسين، السيدة الأربعينية، لا تنوي تخزين المؤن من الأجبان للعام الحالي، بعد أن اعتادت أن تجهز ما يقارب “مئة كيلو” من الجبن سنويًا، معللة ذلك لعنب بلدي بأنها لم تتمكن من شرائها، حتى بشكلها الطازج، لارتفاع أسعارها.
مؤن الشتاء من غير جبن
حال عائلة أمل كحال العديد من العائلات السورية في محافظة إدلب، التي تعتمد على تخزين الألبان والأجبان “للمونة”، بعد طبخها لتصبح جاهزة للاستهلاك فيما بعد، وذلك بعد وضعها في أوانٍ زجاجية، والاحتفاظ بها في رفوف المطابخ، مشكلة جزءًا من مكوناتها.
ولكن في السنوات الأخيرة، تراجع اعتماد الأسر في مدينة إدلب على مؤن مشتقات الحليب، لعدم التمكن من تجهيزها أو التقنين منها بسبب ارتفاع أسعارها.
وتشهد أسواق مناطق الشمال الغربي السوري انخفاضًا في بيع منتجات صناعة الألبان والأجبان، التي تنشط في بداية موسم الربيع من كل عام، لوفرة حليب الأبقار والأغنام، الذي يدخل في تصنيعها بشكل رئيس في محافظة إدلب شمالي سوريا.
كما تراجعت الرغبة في صناعة السمن والزبدة، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ، على الرغم من توفرها في الأسواق، بحسب أحمد الداني، وهو مالك محل لبيع الأجبان والألبان.
يدير أحمد المنحدر من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، محلًا لتصنيع منتجات مشتقات الحليب بعد نزوحه إلى بلدة الدانا، شمالي إدلب.
ويربط أحمد ضعف إقبال الناس على الأجبان، رغم وفرتها، بانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، الذي انعكس على ارتفاع أسعارها، وخاصة أسعار منتجات الأبقار، لاعتماد المربين في تغذيتها بشكل رئيس على العلف الذي يشتريه المربي بالدولار الأمريكي.
تكاليف الإنتاج تقنن البيع
مقارنة بحركة الشراء عام 2019، انخفضت الكميات التي يشتريها الناس من الجبن، ووصلت إلى نصف الكيلو أحيانًا، بعد أن كانت العائلات تعمد إلى شراء كميات كبيرة لتخزينها واستهلاكها في فصل الشتاء، بحسب البائع أحمد.
وارتفع سعر الحليب، في العام الحالي، ليتجاوز ضعف سعر عام 2019، مسجلًا 700 ليرة سورية لليتر الواحد من حليب الغنم، و500 ليرة لليتر حليب البقر.
ويرفع ذلك سعر الكيلو الواحد من الجبن إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية، بحسب أحمد، الذي أشار إلى اختلاف تلك الأسعار من منطقة إلى أخرى حسب نوع المنتج وجودته، إضافة إلى الكثافة السكانية ووفرة المراعي في المنطقة.
وتُطرح في الأسواق أنواع كثيرة من الأجبان كـ”الجبن العزيزي” (نسبة إلى مدينة اعزاز) المتعارف عليه في مدن وأرياف محافظة إدلب وأرياف حلب، وجبن “الحلوم” المتعارف عليه في محافظة دمشق وريفها، و”العكاوي” في ريف إدلب وجبل الزاوية، وجبن “القشقوان” والجبن “المسحوب” المتوفر بكثرة في الأسواق لرخص ثمنه، بحسب أحمد.
مراعٍ مهددة
أدت موجة النزوح التي شهدتها محافظة إدلب نهاية عام 2019، إلى خسارة العديد من المراعي في مناطق جبل شحشبو وسهل الغاب، والقسم الغربي من جبل الزاوية، جراء الحملة العسكرية من النظام السوري وحلفائه على مدن وبلدات المحافظة، منذ نيسان 2019 حتى آذار الماضي.
إذ تخلى كثير من المربين عن عملهم بسبب نزوحهم إلى مناطق أخرى، بحسب التاجر ومربي الأبقار في الدانا سامي الزوادة، لعنب بلدي.
وقال سامي إن اعتماد سكان مدن وبلدات الشمال الغربي السوري اقتصر على مصادر الحليب في ريف حلب الغربي، والمزارع الموجودة شمال إدلب، في مدن معرة مصرين والدانا.
يضطر المربون لطرح الحليب ومشتقاته في الأسواق مسعرة بالليرة السورية، ولكن بالمقابل يشترون الأعلاف بالدولار الأمريكي، إذ يبلغ سعر الكيلو الواحد من العلف 700 ليرة، بينما يبلغ سعر الحليب في الأسواق 400 ليرة سورية، ونتيجة ذلك يعتقد سامي أن الوضع إن بقي على حاله هذه، سيضطر كثير من المربين إلى بيع أبقارهم، بسبب الخسارة التي تواجههم.