“التحرش والكفر” وتهم أخرى تضيّق على الإعلاميين في إدلب
عنب بلدي – يوسف غريبي
“بحجة باطلة تعرضنا للضرب بقسوة، وكُسرت بعض معداتنا من قبل عناصر تابعين لفصيل هيئة تحرير الشام، وعادة تكون تلك الحجة الأبرز عندما تغيب الحجج”، هكذا وصف الناشط الإعلامي معاذ العباس لعنب بلدي ما مر به، في 10 من حزيران الحالي.
حجج للضرب وأخرى للشتيمة أو الانتقاص وللاعتقال والقتل، تزيد من مهنة “المتاعب” صعوبة في إدلب، حيث التهم المدفوعة بدعاية عسكرية وسياسية تأخذ حيزًا واسعًا من الفضاء العام.
الإعلامي “متحرش وكافر”
“عناصر أمن تابعون لهيئة تحرير الشام اعتدوا علينا بالضرب خلال تغطيتنا مرور الدورية الروسية- التركية الـ16على طريق (M4). وجه إلي أحدهم عبارات (أنتو كفرة) (يا خنزير)”، بهذا وصف المصور الصحفي عبد الواجد صطيفي، عبر حسابه في “فيس بوك“، ما جرى معه هو ومعاذ العباس و13 إعلاميًا آخرين، في 10 من حزيران الحالي.
قال معاذ، إن الحجة التي حملها عناصر “الهيئة” هي “تصوير الإعلاميين للنساء اللواتي أتين لضرب الدورية بالحجارة دون موافقتهن”، ولجأ العناصر للضرب والتكسير فورًا.
لاقت الحادثة استنكارًا وإدانة من الناشطين في إدلب، واعتبر مسؤول التواصل في “الهيئة”، تقي الدين عمر، أن رواية تصوير النساء دون موافقتهن لا تبرر ما حدث، لكن القضية أُحيلت إلى القضاء للفصل فيها، حسبما قال لعنب بلدي من خلال مراسلة إلكترونية.
لكن هذه الحادثة لم تكن الأولى، حسبما أضاف معاذ، فجميع الفصائل تتجه للتضييق على الإعلاميين، إذ تعرض للضرب والإهانة على يد عناصر من فصيل “فيلق الشام”، عام 2019، وسط مظاهرة شعبية على الطريق الدولي “M5″، بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيه إحدى المؤسسات الطبية، مع تهديده حينها بعقوبة أكبر في حال تحدث عما أصابه.
واعتبر معاذ ما يحصل للإعلاميين في سوريا انعكاسًا لسياسة الفصائل العسكرية على الأرض، التي تعتبر كل من لا يوافقها “عدوًا”، وبرأيه فإن حل هذه القضايا يكون من خلال إصدار قرارات حازمة من الفصائل لإحالة قضية كل إعلامي إلى مكاتبها الإعلامية للرد، دون اللجوء إلى “القمع والضرب والتكسير” من قبل العناصر.
الإعلامي “إرهابي وخائن”
منذ بداية الحراك السلمي في سوريا، اعتبر النظام السوري العمل الإعلامي من أخطر ما يواجهه، حسب رأي الصحفي عمر حاج أحمد، مشيرًا إلى مقولة رئيس النظام، بشار الأسد، في حزيران من عام 2011، لوفد من مدينة جوبر في الغوطة الشرقية، “لا أعتب على من يتظاهر بل أعتب على من يصور ويرسل المقاطع”.
وصل ذلك “العتب” إلى حد مقتل 707 مواطنين صحفيين منذ آذار عام 2011 حتى أيار الماضي، وفق تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، 78% منهم قُتلوا على يد قوات النظام، في حين لا يزال 422 صحفيًا معتقلين في سجونه، بتهم متنوعة من “الإرهاب” و”الخيانة”.
وقال عمر حاج أحمد لعنب بلدي، إن النظام السوري بذل ما باستطاعته للتضييق على الإعلاميين، معتمدًا الملاحقة الأمنية والاعتقال والقتل وحتى التمثيل بالجثث، ومطلقًا على من اعتقلهم تهمًا تفوق خطورتها خطورة التهم التي يتلقاها من حمل السلاح في وجهه.
وأضاف عمر، “الكلمة محرّمة عند نظام الأسد وعند كل نظام استبدادي، ولهذا جل خوفهم ممن يتحدث وينقل معاناة الناس”.
الإعلامي “مرتزق يلحق الدولار”
لا يقف عمل الإعلاميين على نقل وقائع القمع والقتل والقصف، بل يشمل نقل المعاناة الإنسانية التي خلفتها أعوام الحرب والنزوح، لكن تلك المهمة ليست سهلة أيضًا.
حين يصل المصورون والصحفيون إلى المخيمات، تنقسم وجهات نظر ساكنيه تجاه القادمين، حسبما قال المصور الصحفي عارف وتد لعنب بلدي، منهم من يعتبر الإعلاميين “باعة للصور” أو “مرتزقة لا يهمهم سوى الدولار”، ومنهم من لا يفرق بين الصحفيين والعاملين في المنظمات الإغاثية، بينما يقدّر آخرون الجهد الحقيقي للصحفيين ودور الإعلام.
وأضاف عارف أن المصورين يذهبون إلى المخيمات بهدف تسليط الضوء على مشكلة، ويعرّفون بأنفسهم وبهدفهم من العمل، لكن لا يستجيب الجميع.
وأشار إلى وجود مشكلة حقيقية، وهي عدم التفريق بين المنظمات والصحافة من قبل سكان المخيمات، فإن سبق لهم التعامل مع منظمة قدمت لهم وعودًا والتقطت صورهم دون الوفاء بالتزاماتها، فإنهم يرفضون التعاون مع الصحافة التي تحاول تسليط الضوء على معاناتهم.
وحتى في المدن توجد نظرة واحدة للإعلاميين تصفهم بـ”إعلاميي الدولار”، مع اعتبار كل من يعمل بالإعلام ثريًا يقبض بالدولار، رغم وجود إعلاميين وناشطين يعملون منذ سنين على مبدأ الإخلاص للثورة دون الحصول على مردود مالي ذي أثر، بحسب عارف وتد.
الإعلامي “ناشط بلا تنظيم”
لا يملك الإعلاميون في إدلب تعريفًا واضحًا ولا نقابة جامعة، إذ كانت انطلاقة العمل الصحفي وليدة الاحتجاجات الشعبية التي تحدت الكبت والقمع الحكومي.
وفي شمال غربي سوريا، الذي أصبح المعقل الأخير للمعارضة، لا وجود للتنظيم الإعلامي، بعد العديد من المحاولات الفاشلة، حسبما قال الصحفي عمر حاج أحمد.
تنظيم عمل الإعلاميين ومتابعة شؤونهم من الانتهاكات إلى عقود العمل والاستغلال، أو حل الخلافات بين الإعلاميين، أو بينهم وبين مؤسساتهم وبين المؤسسات والكيانات المحسوبة على الثورة، هي مهام ذلك الكيان المفقود، حسب رأي عمر.
وأشار إلى أن التصعيد العسكري والعدد الكبير للإعلاميين في المنطقة، وتعدد السلطات الحاكمة لإدلب، والتضييق الممارس من قبلها على العمل الإعلامي، حال دون إطلاق مشروع كهذا يعتبر ضروريًا في ظل التجاوزات والانتهاكات التي يتعرض لها الإعلاميون.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :