عنب بلدي – عروة المنذر
“لو أني زرعت دونمين من حبة البركة، كان أفضل لي من زراعة 15 دونمًا من القمح”، لخصت كلمات الحاج محمد، وهو مزارع من أهالي ريف حمص، حال مزارعي القمح في المنطقة، بعد التفاوت في أسعار صرف الليرة السورية أمام الدولار.
الحاج محمد (61 عامًا)، لن يزرع القمح مرة أخرى، حتى لو ترك أرضه بلا زراعة، بحسب ما قاله لعنب بلدي، رغم عمله بها لنحو 50 عامًا بدأها مع أبيه منذ طفولته.
فمحصول حبة البركة مثلًا يُعد للتصدير كما يستخدم في الصناعات الدوائية، لذلك زراعته أفضل من زراعة القمح، الذي يخضع لتحديد سعره من قبل حكومة النظام.
وكانت حكومة النظام السوري سعّرت كيلو القمح بـ400 ليرة سورية، في 31 من أيار الماضي، بعد تسعيره في المرة الأولى بـ225 ليرة سورية، بهدف استجرار المحصول من جميع المحافظات السورية.
لكن التسعيرة الجديدة، لا تكفي المزارعين، وهي خاسرة بالنسبة لهم، إذ ارتفع سعر صرف الدولار بعد القرار ولامس خلال الأسبوع الأول من حزيران الحالي عتبة 3000 ليرة مقابل الدولار الواحد للمبيع، بينما كان سعر الصرف في كانون الثاني الماضي بحدود الألف ليرة سورية.
محصول غير مروي
مع انقطاع مياه الري عن ريف حمص الشمالي، انتقلت زراعة القمح من المروية إلى البعلية، ما يعني اعتمادها بشكل كلي على الأمطار الموسمية.
عنب بلدي التقت مهندسًا زراعيًا من مدينة كفرلاها في سهل الحولة (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية)، وأوضح أن متوسط إنتاج دونم القمح المروي يصل إلى حدود 600 كيلوغرام، أما غير المروي فيبقى بحدود 300 كيلوغرام، وتتفاوت الأرقام بحسب معدل الهطولات المطرية.
المهندس فسّر رغبة الحاج محمد بزراعة حبة البركة بالمقارنة بين المحصولين، فمع اعتماد الزراعة البعلية، بات دونم القمح الممتاز ينتج 300 كيلوغرام، أي 120 ألف ليرة سورية بسعر 400 ليرة.
أما دونم حبة البركة فينتج 200 كيلوغرام، وسعر الكيلو ستة آلاف ليرة، أي المردود مليون و200 ألف ليرة، وهو ما يعادل عشرة أضعاف إيراد إنتاج القمح.
ودونم اليانسون معدل إنتاجه 150 كيلوغرامًا، بسعر أربعة آلاف ليرة، أي 600 ألف ليرة، ووسط ذلك تساءل المهندس، “من المزارع الذي سيزرع القمح في ظل هذه الأسعار حتى لو دُعم القمح 100%”.
وأضاف، “كل ذلك بعيدًا عن تكاليف الحصاد التي تبلغ عشرة آلاف لكل دونم يلحق بها 40 ألفًا أجور نقل إلى الصوامع، مع الإشارة إلى احتراق أكثر من 100 دونم قمح في العام الحالي”.
أما المحاصيل الأخرى فتعتمد في حصادها على اليد العاملة، لا على الحصّادات الضخمة، ومخاطر احتراقها أو تلفها أقل بكثير من مخاطر القمح، ومن الطبيعي إقلاع المزارعين عن زراعة القمح، ما يهدد بشكل حقيقي رغيف الخبز في العام المقبل.
دعم حكومي “لا يؤتي أكله”
تدعم حكومة النظام القمح، بدءًا من البذور والأسمدة وتكاليف الحصاد، لكن مزارعين التقتهما عنب بلدي أكدا أن هذا الدعم غاب بشكل شبه كامل، حيث يُنظم الدعم عن طريق اتحاد الفلاحين الذي يعد إحدى منظمات حزب “البعث”.
المزارع ناصر من مدينة الرستن (تحفظ على نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، أكد ارتفاع أسعار الأسمدة وعدم الحصول على دعم لها.
ولا يعمل اتحاد الفلاحين وفق مهامه، بل يقف صامتًا أمام سياسة الحكومة في “رفع سعر الأسمدة المدعومة، وسياسة التسعير الجائرة التي تهدد الفلاحين”، وفق المزارع.
ويحتاج دونم الحنطة الواحد لـ20 كيلوغرامًا من البذور، تقدمها الجمعية الفلاحية التابعة للاتحاد بسعر مقبول مقارنة بأسعار تسلّم المحصول، فسعر كيلو البذور 180 ليرة.
الأسمدة قُسمت على المزارعين بالتساوي، كيسان لكل مزارع، بغض النظر عن الكميات المزروعة، بينما يعمل المزارع على تأمين الكميات الناقصة من “السوق السوداء”.
أما قروض المصرف الزراعي فهي متوقفة بشكل نهائي، ما يلغي المعنى من الدعم الحكومي، ويغلق الباب في وجه الجدوى الاقتصادية من زراعة المحصول الاستراتيجي الأول في سوريا.