بين الحاجة للتطبيق ومعوقات التنفيذ
إنهاء محفوف بالمخاطر للتعامل بالعملة السورية في الشمال
عنب بلدي – تيم الحاج
لم يعد الحديث عن احتمالية استخدام عملات أجنبية عوضًا عن الليرة السورية في مناطق المعارضة بالشمال السوري أمرًا مرهونًا بالتوقعات، والخطوات التي يمكن أن تتخذها الجهات المحلية التي تدير تلك المناطق، فالأمر يبدو قد حُسم، واُتخذ القرار بتوديع الليرة السورية وإخراجها من التداول اليومي في الشمال السوي، وهو حدث لم تشهد له سوريا مثيلًا، ولا يُعرف حجم نجاح التجربة إن طُبّقت، وما الصعوبات التي تحيط بتنفيذها، اقتصاديًا وشعبيًا.
وتعكس خطوات ضخ العملة التركية من قبل أنقرة في كل من ريف حلب الخاضع لنفوذها، وإدلب التي تسيطر عليها حكومة “الإنقاذ”، الجدية في هذا الموضوع، على عكس السنوات السابقة، التي طرح فيها عدة مرات ملف إلغاء التعامل بالليرة السورية، لكن هذا الملف لم يرَ طريقه إلى النور، حينها.
يلقى وقف التعامل بالليرة السورية ترحيبًا حذرًا من قاطنين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في كل من حلب وإدلب، بينما يقابل هذا الترحيب تحذيرات من قبل مختصين في الاقتصاد، يرون أن هناك معوقات ستحول دون إنهاء دور الليرة السورية في الشمال السوري.
هذا التحول يأتي بالتزامن مع تراجع قياسي في قيمة الليرة السورية، إذ وصل سعر صرف الدولار إلى 3175 ليرة لأول مرة في التاريخ، في 8 من حزيران الحالي، لتعاود الليرة التحسّن ويسجل سعر صرف الدولار 2200 ليرة، في 13 من الشهر نفسه.
أهداف سياسية.. تأييد محفوف بالحذر
رصدت عنب بلدي عبر مراسليها في حلب وإدلب، آراء شريحة من المدنيين والتجار حول التعامل بالليرة التركية عوضًا عن السورية، وكشف الاستطلاع وجود رغبة كبيرة لدى سكان الشمال السوري بوقف التعامل بالعملة السورية، لعدة اعتبارات، منها ما هو اقتصادي وآخر سياسي.
ويؤيد رياض فطراوي، وهو تاجر أغنام من ريف إدلب، اعتماد العملة التركية بدل السورية في منطقته، لأن أغلب البضائع تأتي من تركيا، ولأن العملة التركية مستقرة وثابته نوعًا ما، وفق قوله، موضحًا أن أقرانه من تجار الأغنام لم يعد بمقدورهم البيع والشراء بالليرة السورية، في ظل توقف السوق حاليًا، إثر التخبط الكبير في قيمة العملة السورية.
علي حبابة، وهو تاجر سيارات من ريف إدلب، يؤيد أيضًا تبديل أي عملة أخرى بالليرة السورية، أما إبراهيم رحال، الذي يعيش في ريف إدلب، فيؤكد أن تراجع قيمة الليرة السورية انعكس بالدرجة الأولى وبصورة سلبية على المواطن، إذ ارتفعت الأسعار بشكل وصفه بـ”الجنوني” في الشمال السوري.
من جانبه، يرفض حافظ زكور من ريف إدلب تبديل عملات أخرى بالليرة السورية، ويرى أن ذلك سيزيد من أعباء سكان الشمال السوري، لأن تبديل العملة لن يغيّر من واقع المعيشة المتدني في شيء، فجميع السلع مستوردة بالدولار، وسيبقى سعرها مرتفعًا، حتى إذا استخدمت الليرة التركية، فهذه أيضًا تتأثر بارتفاع وانخفاض الدولار، وفق تعبيره.
إلى ريف حلب، حيث تقود “الحكومة السورية المؤقتة” سلسلة إجراءات للإسهام في تبديل العملة التركية بالعملة السورية، ابتدأتها ببيع ربطة الخبز في أفران المؤسسة العامة للحبوب التابعة لها بالليرة التركية، وحددت سعر ربطة الخبز وزن 600 غرام بليرة تركية واحدة، الأمر الذي يتطلب فئة نقدية صغيرة.
درويش النايف، وهو عامل في ريف حلب يتقاضى باليوم الواحد خمسة آلاف ليرة سورية، لا يرى مشكلة في تغيير العملة السورية إلى التركية، لكن بشرط أن تصبح أجور العمال بالليرة التركية، كي تتناسب مع عملية الشراء، وفق رأيه.
بينما قال حسين الأحمد من ريف حلب، إن هناك موظفين في المجالس المحلية والمدارس وغيرها من المؤسسات يتقاضون بالأساس رواتبهم بالليرة التركية، ما يعني أن الأمور لن تختلف عليهم كثيرًا، بينما لا يملك عموم سكان ريف حلب العملة التركية، ويتقاضون أجورهم بالليرة السورية، متمنيًا من مشغلي العمال وأصحاب المشاريع أن يبدؤوا بمحاسبة عمالهم بالليرة التركية.
وفي استطلاع للرأي عبر صفحة جريدة عنب بلدي في “فيس بوك”، شارك فيه 2600 مستخدم، أبدى 79% من المشاركين تأييدهم لاستبدال العملة، بينما رفض 21% هذه العملية.
حكومتا “الإنقاذ” و”المؤقتة” إلى الليرة التركية
في 9 و12 من حزيران الحالي، وصلت كميات كبيرة من العملة التركية إلى الشمال السوري بحكومتيه “المؤقتة” و”الإنقاذ”، وأكدت “الإنقاذ”، العاملة في إدلب، بدء صرف رواتب الموظفين بالليرة التركية.
ونقلت وكالة “أنباء الشام”، التابعة لحكومة “الإنقاذ”، عن مدير المالية العامة في الحكومة، إبراهيم الإبراهيم، قوله إنه عقب قرار زيادة رواتب العاملين في الجهات العامة، وتثبيتها بالدولار الأمريكي، ولعدم وجود فئات نقدية صغيرة من الدولار، كان لا بد من دفع الرواتب بعملة أخرى وبما يعادل قيمتها عند القبض.
وأضاف الإبراهيم، “بسبب الانهيار المتواصل لليرة السورية، وتحقيقًا لرغبة العاملين بعدم صرف رواتبهم بالليرة السورية، بدأت الحكومة بصرف الرواتب بالليرة التركية، الأمر الذي لاقى ارتياحًا كبيرًا عند العاملين”.
وكانت حكومة “الإنقاذ” حددت عدة خطوات لوقف التدهور الاقتصادي، خلال اجتماع “مجلس الشورى العام”، منها “العمل على اعتماد العملة التركية بدلًا من السورية في أقرب وقت”.
أما “الحكومة السورية المؤقتة” فأعلن رئيسها، عبد الرحمن مصطفى، إجراء لقاءات مع مسؤولين أتراك، من أجل تدارك تدهور الليرة السورية، وضخ العملة التركية من فئات صغيرة في ريف حلب الشمالي.
وقال مصطفى، عبر حسابه في “تويتر”، إن الحكومة اتخذت الخطوة الأولى في مسيرة ضخ الفئات النقدية الصغيرة من العملة التركية في الشمال الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، وهي “خطوة ستتبعها المزيد من الخطوات”.
وتزامن حديث مصطفى، مع بدء مراكز للبريد الحكومي التركي (PTT) في ريف حلب بضخ كميات من العملة التركية، بفئات صغيرة، بعد إعلان المجالس المحلية الاستغناء عن الليرة السورية.
وبحسب مصدر مطلع على عمل المراكز (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، أوضح أن المراكز بدأت، في 9 من حزيران الحالي، بضخ العملة التركية من فئات ليرة وخمس وعشر ليرات تركية، لتوفيرها بيد المواطنين ومساعدتهم على قضاء حاجياتهم في الأمور التي تتطلب التعامل بالليرة التركية.
وأشار المصدر إلى أن ضخ العملة كان في مراكز عفرين واعزاز والراعي ومارع وجرابلس والباب، وسط إقبال من الأهالي لاستبدال الفئات الصغيرة بالكبيرة، متوقعًا أن الأمر سيحسّن الوضع خلال الأيام المقبلة.
معوقات استبدال العملة
يعتبر المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن هناك عدة معوقات تحول دون تمكن القائمين على إدارة الشمال السوري من تبديل العملة السورية، منها عدم وجود مؤسسات تهتم بالشأن الاقتصادي، كسياسات وتشريعات، إنما يدار الوضع الراهن وتوفير السلع للسوق وفق رغبة التجار.
وقال الباحث، في حديث لعنب بلدي، إن عدم توفر هذا الشرط، البالغ الخطورة، يشير إلى أن عملية استبدال العملة هي نوع من المضاربة.
ومن الأمور التي تعوق تبديل العملة، وفق الكريم، عدم وجود بنك مركزي تتوفر لديه الخبرات والموارد والموظفين، ويكون هو المسؤول عن طرح وتوفير العملة الجديدة، وتلبية النقص، والتدخل بإدراتها إلى جانب قطاع مصرفي قوي يساعده بذلك، وينفذ عملية الاستبدال بشكل دقيق، ويشجع عليها ويمنع المضاربة.
إضافة إلى عدم وجود جهاز إنتاج يستطيع النهوض بالعملة الجديدة، ويحقق دوران سريع لها، ويكون عامل جذب للمستثمرين.
وتابع الكريم أن ضعف الحركة الاقتصادية في الشمال السوري يمنع تشكل قوة تسهم في خلق حالة طلب على العملة التركية، وبناء على هذا الحال فإن الشمال السوري سيبقى متلقيًا لليرة التركية، ولن يتمكن من شرائها إلا عبر الدولار، الذي يدخل تلك المناطق عبر المنح، ومن عمليات التهريب، ومن الحوالات المالية، التي تأتي كمساعدات من السوريين في الخارج إلى أهلهم في الداخل.
ومن العوائق أيضًا، أن الليرة التركية لا تتناسب مع مستوى الدخل للمواطن في الشمال السوري على عكس مستوى دخل المواطن التركي، إذ تمتلك تركيا واقعًا اقتصاديًا قويًا، في حين أن الشمال السوري لا يمتلك هذا الواقع، بحسب الكريم، الذي أشار إلى أنه عند البدء بالتعامل بالليرة التركية فإن الليرة السورية ستفقد كثيرًا من قيمتها في بقية المناطق، وبالتالي فإن كثيرين سيخسرون أموالهم.
وأضاف أن تداول الليرة التركية يحتاج إلى تبني عمل مؤسساتي داخل المنظومة التي تدير الشمال السوري، كدعم عمليات التسعير، وتحديد احتياجات المنطقة وآليات التبادل.
ويرى المحلل الاقتصادي أن هناك جانبًا سياسيًا لتبديل العملة قد يؤثر على شكل الهوية السورية المقبل، معتبرًا أن الليرة التركية تؤسس للفدرلة، ما يمنح فرصًا لقوى أخرى في سوريا قد تتقدم بطلبات لتطبيق الفدرلة، في إشارة إلى “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا.
أسهم في استطلاعات هذه المادة مراسلا عنب بلدي في ريفي إدلب وحلب إياد عبد الجواد وعبد السلام مجعان
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :