الكائن الرمادي

  • 2015/07/19
  • 2:16 م

ملاذ الزعبي

الكائن الرمادي لا مع هؤلاء ولا مع أولئك، لا مع القتيل ولا مع القاتل، لا مع الضحية ولا مع الجلاد، لا مع المتهم ولا مع المدعي، لا مع البريء ولا مع المجرم، لا مع المعتدي ولا مع صاحب الحق، لا مع حركات التحرر ولا مع الاستعمار، لا مع بهية مارديني ولا مع أسماء الأسد، لا مع الأهلي ولا مع الزمالك، لا مع القصة القصيرة ولا مع الرواية.

الكائن الرمادي يناصر المرأة عندما يسمع كلمة «مساواة» فهو مع المساواة بين أي طرفين، وبعدما يعرف أن في المسألة نضالًا لتحقيق هذه المساواة ينفض يده منها.

أقرب النتائج في كرة القدم لقلب الكائن الرمادي هي التعادل، حتى وإن كانت مباراة نهائية يجب أن تنتهي بفائز وخاسر. وأكثر ما يمقت ضربات الترجيح.

في القصة الشهيرة للسيدتين المتقاضيتين على طفل، والتي تظاهر القاضي فيها أنه سيقطع الطفل بالسيف كي يقسمه بينهما، لاكتشاف هوية الأم الحقيقية الجزعة على الطفل ومن ثم منحها طفلها، القاضي الرمادي لن يتظاهر ولن يمثل، بل سيقطعه شقفتين فعلًا ويمنح كل سيدة شقفة مساوية للأخرى على الليبرة ويريح رأسه.

الكائن الرمادي لا يفهم بالسلاح، لا يعرف أين ألقيت القنبلة الذرية عام 1945 ولا من ألقاها، غير متأكد من وجود براميل متفجرة أو سلاح كيماوي، وهو وإن كان يسمع القصف المدفعي بالصرماية إلا أنه لا يراه ولا يتكلم عنه، لكنك إذا سألته عن قذيفة هاون قدم لك شرحًا تفصيليًا عن هذا السلاح الفتاك.. ويومياته.

لا يكترث الكائن الرمادي بالمحاصر الجائع البعيد عنه جدًا.. أكثر من بضع مئات من الأمتار، لكنه يصرخ بمرجلة «خسى الجوع» ويلتقط صورًا لنفسه وهو يقدم طعامًا للنازحين بإشراف مباشر من محاصِر الجوعى البعيدين عنه جدًا.. أكثر من بضع مئات من الأمتار.

الكائن الرمادي في القضايا الخلافية محايد وفي القضايا الاجماعية مساند، فإذا سمع عن جهة سنّية في باكستان تستهدف الشيعة أو قمع في إيران للسنّة، كشف أنه لا يفهم بالدين والأديان، وإذا قرأ عن انقلاب عسكري في دولة ما أو صراع انتخابي في دولة أخرى، أكد جهله بالسياسة ودهاليزها.. وعندما يتحول الموضوع للموقف من داعش الذي تجمع عليه القوى المحلية والإقليمية والدولية والمنظمات الشعبية والرأي العام العالمي، يصبح خبيرًا في علم الأديان المقارن ويدين داعش بشدة. وكذلك في فلسطين، لا هو مع فتح ولا مع حماس، لا مع الجهاد الإسلامي ولا مع الجبهة الشعبية، وعندما يحصل اعتداء إسرائيلي تجمع على إدانته جماهير شعبنا من المعارضين والموالين يتظاهر الكائن المؤيد منددًا بجرائم الاحتلال.

الكائن الرمادي يناجي ربه بطريقته الخاصة، فهو يدعو للفقير بهدوء البال لا بتغير الأحوال، وللمكلوم بالصبر والسلوان لا بالعدل في الميزان، وللقابع في الأقبية بالفرج لا بصعود الدرج. فدعاؤه محسوب ولا يتلفظ بما هو غير مرغوب.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي