بعد أربعة أصفار تجريبية
«كركبة»، ثالث تجربة صحفية في داريا
عنب بلدي
ديرَيا، شُفي مَفي، مَزوت، وطصمب، طلاقية…. و«كراكيب» أخرى، تتصدر الصفحات الأولى لمطبوعة دارانية جديدة، أسسها ناشطون داخل المدينة المحاصرة مطلع العام، أصدروا منها سبعة أعداد، طبعوها ووزعوها، ثم أطلقوها إلكترونيًا قبل أسبوع.
يختلف الواقع الإعلامي في مدن الريف الدمشقي المحاصرة عنه في تلك المحررة شمالًا والمفتوحة باتجاه تركيا، إذ بالكاد تستطيع مدينة مثل داريا تأمين حاجياتها من الغذاء والوقود قبل أن تسعى إلى إدخال جرائد ومجلات، قد لا تجد من يقرؤها في ظل وضع غير طبيعي شغل الناس بأمنهم ولقمة عيشهم.
في بداية عام 2012 أصدر نشطاء داريا جريدة «عنب بلدي» الأسبوعية، التي استمرت في الصدور من داخل المدينة عامًا كاملًا قبل أن تفقد أبرز مؤسسيها (محمد أنور قريطم) ثم مدير تحريرها (أحمد شحادة) جراء الحرب التي اشتعلت مع بداية الحملة العسكرية الثانية، فتشتت فريقها وانتقلت نشاطاته تدريجيًا إلى خارج المدينة لتستأنف الطباعة والتوزيع في الشمال المحرر.
في نفس العام، وتحديدًا في تشرين 2012، أصدرت مجموعة أخرى من نشطاء المدينة وطلاب المساجد جريدة «الصحوة» الأسبوعية، ولم يكتب لها الاستمرار لأكثر من شهر، فتوقفت لظروف مشابهة مسجلة إصدار 4 أعداد. ومع ارتفاع وتيرة الحرب في المدينة توقفت المبادرات الصحفية وتراجعت الحركة الثقافية، وانشغل النشطاء والإعلاميون بعدّ الضحايا وتوثيق مجريات المعارك.
لا يبدو أن الحرب ستنتهي قريبًا في داريا، فقد أفشل النظام كل الجهود لإعادة السلم إليها. شباب المدينة المحاصرون منذ أكثر من سنتين فتحوا على النظام جبهة جديدة للمقاومة تمثلت بحركات توعية فكرية، بدأها شباب «فجر الأمة الإسلامية» ببرامجهم التثقيفية والتعليمية، ثم شباب المكتب الإعلامي بإطلاق مجلة «كركبة» التي تعنى بزيادة الوعي والمعرفة لدى المحاصرين.
لماذا الـ «كركبة»؟
كلمة اصطلحها شباب داريا للدلالة إلى الأشياء التي لا يمكن التعبير عنها أو وصفها، وهي تعكس واقعهم «المكركب» المليء بالمتناقضات والأشياء غير المفهومة، يستخدمونها للإجابة على أي سؤال لا جواب محدد له.
لوين رايح؟ لعند الكركبة!… شو عم تشتغل؟ بالكركبة!
كما ترمز الكلمة إلى مجموعة «الكراكيب» التي تملأ الخارطة السورية، والتي جسدت بشعار المجلة، (خريطة سوريا محشوة بأدوات من الحرب والواقع السوري)، كما يقول حسام عياش، مصمم اللوغو والهوية البصرية للمجلة.
ليست لنقل أخبار داريا الميدانية، ولا لرواية قصص الناس وهمومهم، لقد سئم المحاصرون كل ذلك، فهم يريدون أن يعرفوا ماذا يجري خارج مدينتهم. من هنا جاءت فكرة المجلة، وهو ما يميزها عن التجارب الصحفية الثورية الأخرى من وجهة نظر عياش، فـ «كركبة» تستهدف المحاصرين بشكل أساسي، مدنيين وعسكريين، وتنقل لهم أخبار العالم وتطوراته، في ظل غياب الكهرباء وعدم قدرتهم على الوصول إلى الإنترنت. هي أشبه بنافذة إلى العالم يفتحها أعضاء الفريق لأهالي داريا، يقول عياش، وهو أيضًا إداري ومحرر في المجلة.
هوية ملتبسة وروح نكتة ظاهرة
لم تتضح بعد هوية المجلة، أو عدد صفحاتها ودورية صدورها، كما لم يستقر الفريق بعد على تسميات واضحة لأبوابها، فتغيرت وتبدل ترتيبها بين عدد وآخر، لكنها اتجهت في العدد الأخير (الصادر في تموز) إلى تبويب أكثر وضوحًا ودلالة على محتوى الصفحات، كما نسبت بعض المواد والتقارير إلى كتابها ومعديها.
وتميزت المجلة بتصميمها البسيط وألوانها الهادئة، وبروز عناوينها ومقروئية نصوصها، ودُعمت معظم موادها بالصور التوضيحية. يؤكد عياش أن المجلة تسير في عملية تطويرية مستمرة، وشهدت تحسنًا ملحوظًا في الأعداد الأخيرة قياسًا مع الأعداد التجريبية.
هدف المجلة في إيصال المعرفة واضح في شموليتها وتنوع محتواها، فبالإضافة إلى أبواب الأخبار التي تنقل المستجدات في داريا وعموم المدن السورية، لا تغيب عن المجلة الأخبار العالمية والمقالات السياسية والترجمات، كما تحوي زوايا ثابتة للأخبار العلمية والتقنية وصفحات عسكرية وأدبية وإسلامية، وأخيرًا هناك صفحات للكاريكاتير والتسالي.
أما الصفحة الرياضية فهي أكثر ما يلفت في «كركبة»، فعدا عن تغطيتها للمتفرقات الرياضية، تهتم المجلة بشكل خاص بأخبار الدوريات الأوروبية، وتنشر مواعيد المباريات ونتائجها، فهل يهتم المحاصرون حقًا بأخبار الرياضة الأوروبية؟
نعم، يقول فادي دباس، محرر الصفحة، «وبالأخص كرة القدم… فالكثيرون في داريا يعودون الآن إلى هواياتهم السابقة نتيجة طول أمد الحصار»، كما أن استطلاع رأي أجراه الفريق أظهر رغبة القراء بإبقاء الصفحة الرياضية.
لا تخلو «كركبة» من النكتة وخفة الدم التي بدأت باختيار اسمها، ظهر ذلك في ترقيم أعدادها على سبيل المثال، وفي أسماء بعض أبوابها وكتابها في الأعداد التجريبية.
فالعدد صفر «تجريبي»، والعدد صفران «كمان تجريبي»، وثلاثة أصفار «لسا تجريبي»، أما أربعة أصفار فقد كان «آخر مرة تجريبي!» بحسب ما دون على أغلفة الأعداد. وبالنسبة لكتّاب المجلة فحملوا أسماء من قبيل: كركبجي ئبلاوي، كركبجي مو منتبه، كركبجي مستعجل، كركبجي عنيد، كركبجي مني وجر…
العدد 0000
لا يبدو أن المجلة تعبأ بسباق الإصدارات، الذي يدفع عددًا من الصحف السورية إلى إصدار أعداد بأرقام مزدوجة لتغطية انقطاعاتها المستمرة في الصدور.
«كركبة» أصدرت أربعة أعداد تجريبية قبل أن تصدر عددها الأول في 16 نيسان 2015. يقول عياش إن الأعداد التجريبية لا تعكس ترددًا لدى الفريق، «لقد تعمدنا عدم إصدار العدد الأول قبل إنهاء استطلاعات رأي شملت مختلف الفئات داخل المدينة، جرى إثرها تقييم المحتوى وإعادة رسم خريطة المجلة».
ويشير استطلاع الرأي، الذي أجراه فريق المجلة على 75 عينة في داريا و 25 خارجها، إلى رضا 70٪ من القراء عن محتواها، بحسب دباس، بينما اعتبرها 20٪ مقبولة، واقترح الـ 10٪ الباقون إضافة تعديلات عليها.
من يصدر «كركبة»
ثمانية من الناشطين إعلاميًا في داريا قرروا خوض هذه التجربة دون خبرة صحفية سابقة، بحسب عياش، يتقاسمون المهام فيما بينهم لإنتاج مواد المجلة، ويعدون صفحاتها بالاستعانة بكتاب وناشطين داخل المدينة وخارجها. أعضاء الفريق يتخذون من المكتب الإعلامي التابع للمجلس المحلي بداريا مقرًا لعملهم، يخرجونها، يطبعونها، يجمعون صفحاتها، ثم ينطلقون لتوزيعها.
هل المجلة تابعة للمجلس المحلي إذن؟
لا! يقول حسام عياش، رغم إقراره بأن القائمين عليها يعملون في المكتب الإعلامي أو ممن يرتبطون به بشكل أو بآخر، فهو حريص على عدم توريط المجلة بأي تبعية، ويسعى فريقه لإبقائها بعيدة عن أي حسابات، ورغم ذلك، وجه عياش عبر عنب بلدي الشكر للمكتب الإعلامي الذي وضع أمام فريقه كل الموارد اللازمة لإصدار المجلة، بما فيها طباعة ما يزيد عن 100 عدد من كل إصدار.
يضيف فادي الدباس، عضو الفريق، «ليس لدينا أي توجه فكري… لا نريد للمجلة أن تحسب على أحد، غايتنا إيصال المعرفة لكل الناس».
كركبة هي المطبوعة الثالثة التي تصدر من داريا بعد عنب بلدي والصحوة، وهي تحمل الترتيب 275 من حيث تاريخ الإصدار، بحسب أرشيف المطبوعات السورية الذي يحصي حتى الآن 277 صحيفة سورية جديدة.
فهل تضيف جديدًا إلى الخارطة الإعلامية؟
.
.
.
جريدة الصحوة
الصحوة هي المطبوعة الثانية التي تصدر من مدينة داريا، وهي جريدة أسبوعية حملت شعار «صحوة أمة في زمن الظلمة»، أطلقها مجموعة من شباب المدينة في تشرين الأول 2012،قالوا إنها لتعويض نقص التوعية الدينية ولإحداث صحوة فكرية لدى المجتمع المحلي، كما جاء في افتتاحية العدد صفر، لكن الجريدة توقفت بعد عددها الثالث بالتزامن مع بدء الحملة العسكرية الثانية داريا.
ودّعت الصحوة في السادس والعشرين من آذار 2013 الشهيد حامد البسرك، رئيس تحرير الصحيفة وأحد مؤسسيها، الذي وقّع افتتاحياتها باسم «نقيب الثوار»، وكان البسرك حينها يشغل وظيفة مدير المكتب الخدمي في المجلس المحلي لداريا.
تعرضت صفحات الصحوة على فيسبوك للقرصنة أكثر من مرة طيلة فترة توقفها، ما استدعى إنشاء صفحات بديلة في كل مرة، دون أي تحديث في منشوراتها أو إضافة لمحتواها، إلى أن أعلنت إنهاء تجربتها بشكل كامل، في بيان نشرته بتاريخ 20 كانون الثاني 2014 قالت فيه إن اسمها أضحى «محلاً للشكّ»، وإن جريدة الصحوة «ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأي صحوات أو غيرها من القوى العسكرية في أي دولة أو أيّ مكان في العالم».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :