بسام الأحمد
فتح القانون رقم 10، الصادر في العام 2018 والموسع لنطاق تطبيق المرسوم التشريعي رقم 66 للعام 2012، الباب على مصراعيه أمام قضايا الملكيات العقارية في سوريا، التي قفزت إلى الواجهة مجددًا لتصبح واحدة من أكثر القضايا المرتبطة بموضوع “إعادة الإعمار” وعودة اللاجئين والنازحين، ولتزاحم قضايا أخرى برزت مع النزاع السوري كقضية المعتقلين وغيرها.
وقد دفع صدور القانون مباشرة العديد من الدول إلى البدء بقيادة تحركات منظمة ضده، محذرة من نية “الحكومة السورية” مصادرة أملاك السوريين، وخاصة اللاجئين والنازحين منهم، وهو التخوف الأساسي المشترك بين جميع المعترضين على القانون الذي سوف يشكّل -في حال تطبيقه- عقبة أساسية أمام عودة النازحين واللاجئين إلى مكان سكنهم الأصلي على خلاف أنواع الملكيات التي يحوزونها.
إن “المشكلة العقارية” في سوريا قديمة قدم الدولة السورية نفسها، فقد شهدت سوريا العديد من المشاريع والمراسيم والقوانين التمييزية، على اختلاف الحكومات التي تعاقبت عليها، والتي أدت في مجملها إلى استملاك ومصادرة ملكيات من أصحابها الأصليين ونزعها بشكل تعسفي، وأحيانًا لإحداث تغييرات ديموغرافية عميقة في بنية المجتمع السوري، واستهداف فئات محددة منه.
الأرقام المرعبة لعدد النازحين داخليًا واللاجئين السوريين، شكلت دافعًا كبيرًا لدى حكومات الدول، وخاصة التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، لقيادة حملات مناصرة وشكاوى ضد النظام السوري في أروقة الأمم المتحدة، بسبب الأعداد الكبيرة من المتضررين التي قد تصل إلى الملايين.
إذ تشير الأرقام الصادرة من قبل “مفوضية اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة، إلى نزوح ما يزيد على 6.2 مليون شخص داخليًا في سوريا، أكثر من 1.8 مليون منهم نزحوا لمرة ثانية وثالثة بعد العام 2017، وإلى وجود 5.5 مليون لاجئ مسجل في بلدان الجوار السوري إضافة إلى مصر.
يبدو أن المخاوف ضمن صفوف النازحين واللاجئين السوريين فيما يتعلق بإثبات ملكياتهم تتفاوت بحسب نوع هذه الملكيات وموقفهم من النظام الحاكم، ففي مقابل وجود نوع من الاطمئنان النسبي لدى أصحاب أقوى أشكال الملكية العقارية في سوريا، المعروفة بفئة “طابو أخضر/ سجل عقاري”، يتجلى القلق بشكل أكبر لدى أصحاب الملكيات المدرجة تحت فئة “الملكية بعقد بيع قطعي فقط وساعة كهرباء”، التي تعد من أضعف أنواع الملكية، كون أن هذا النوع منتشر بشكل أساسي في مناطق المخالفات العشوائيات وأملاك الدولة.
استُهدف “النوع الأضعف” من الملكيات مبكرًا عبر المرسوم التشريعي رقم 66 في العام 2012، الذي بنى عمليًا الإطار القانوني لاستهداف أحياء معينة، رغم أن ما يقارب ثلث السكان في سوريا يعيشون في مساكن عشوائية، وهي الظاهرة الأوضح في العاصمة دمشق.
أدى النزاع السوري المدمر إلى خسائر وأضرار فادحة في المساكن، شملت الأماكن الحضرية والريفية على حد سواء لكن بنسب متفاوتة، وتجلت بشكل بارز في المناطق التي شهدت سنوات من المواجهات العسكرية، مثل مدن وبلدات الغوطة الشرقية وحمص وحلب وغيرها، وتلك التي طالتها عمليات القصف العشوائية بواسطة البراميل المتفجرة والأسلحة غير الموجهة، ما أدى إلى فقدان ملايين السوريين الأوراق الرسمية التي تثبت ملكياتهم، لا سيما بعد تعرض السجلات العقارية في عدة أماكن للضرر أو التدمير الجزئي أو الكامل.
كيف يمكن الحفاظ على المستندات العقارية؟
إن فقدان أي نوع من أنواع الوثائق الأساسية لأي شخص يؤثر بشكل مباشر على التمتع بحقوق أساسية أخرى مثل حقوق التمتع بالملكية، فعلى سبيل المثال، تعاني آلاف الأسر والعائلات من عدم القدرة على استصدار وثائق مصيرية تتعلق بوفاة أحد أفرادها في مناطق الجنوب السوري وخاصة بمحافظتي درعا والقنيطرة، وهو ما يمنع بقية أفراد الأسرة والعائلة من استخراج وثائق ومستندات أخرى كورقة “حصر الإرث”، إلى جانب عدم القدرة على نقل الملكية والتصرف بالأملاك ومنها العقارية.
وتصبح مشكلة فقدان الوثائق أكثر تعقيدًا عندما يصل الفقدان أو التلف إلى المستندات المتعلقة بالملكيات العقارية نفسها، سواء كانت تحت فئة “الطابو الأخضر”، مثل ورقة الطابو أو سند الملكية، أو “حكم المحكمة” الذي اكتسب درجة القطعية (في حال امتلاك عقار من خلال حكم محكمة)، أو “الوكالة غير القابلة للعزل” وغيرها.
قد تكون فكرة إنشاء مظلة وطنية سورية مستقلة جامعة للأفراد والمبادرات العاملة على توثيق وأرشفة الوثائق المتعلقة بالملكية بشكل عام والعقارية منها بشكل خاص في سوريا، خطوة أولى في طريق ضمان الحفاظ على حقوق السوريين، على أن تضمن هذه المظلة عدم الخضوع لرغبات الدول أو التجاذبات الإقليمية والدولية أو حتى أطراف النزاع السوري نفسها.
–