ملفان يتبادلان التأثير..
روسيا تتراجع في ليبيا أمام تركيا وتستعد للرد في سوريا
عنب بلدي – تيم الحاج
يواصل قادة روسيا وتركيا الذين يتحكمون بخيوط اللعبة في الملفين السوري والليبي ربط تداعيات الأحداث في كلا البلدين، والاستفادة من الانعكاسات التي تبديها تحركات القوى المحلية على الأرض، لتبادل أوراق الضغط في أروقة المفاوضات.
منذ مطلع العام الحالي، صارت القرارات التي تتوصل إليها كل من أنقرة وموسكو فيما يخص سوريا وليبيا تسير بخطى واحدة، وتتعثر عندما يتراجع نفوذ إحدى الدولتين العسكري على الأرض.
تبادل التأثير
ليس جديدًا الحديث عن تبادل التأثير بين الملفين السوري والليبي الذي يدور في الأوساط الصحفية، فالمقاتلون السوريون صاروا يعتبرون قوة أساسية على الأرض الليبية، بعد أن زجت بهم كل من تركيا إلى جانب حكومة “الوفاق الوطني”، وروسيا ضمن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وكانت عنب بلدي سلطت الضوء على هذا الملف في تحقيق سابق حمل عنوان “خيوط اللعبة بيد موسكو وأنقرة.. سوريون على طرفي الصراع في ليبيا“.
الجديد في الأمر هو تلويح روسيا ومن خلفها النظام السوري بإنهاء الهدوء في إدلب، المستمر منذ 5 من آذار الماضي، كنوع من رد الفعل على التراجع الذي تبديه قوات حفتر المدعومة روسيًا أمام قوات “الوفاق” المدعومة تركيًا، وبمقاتلين سوريين.
وقال السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، إن “مدينة إدلب السورية ليست الملجأ الأخير للمعارضة المعتدلة كما يطلق عليها بعضهم”، معتبرًا أنها “معقل للإرهابيين الذين لا يجوز السماح بوجودهم فيها إلى الأبد”.
وأضاف، في حوار مع صحيفة “الوطن” المحلية، إن “اتفاقات وقف إطلاق النار في إدلب لا تلغي ضرورة الاستمرار في محاربة الإرهاب، وإعادة الأراضي لسيادة السلطات السورية الشرعية في أسرع وقت”.
وتبع تهديد المسؤول الروسي انتشار أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي عن حشود عسكرية للنظام السوري على جبهات ريف إدلب الجنوبي، لكن لم يتم التأكد من طبيعتها.
وخرقت قوات النظام السوري عدة مرات وقف إطلاق النار، خلال الشهرين الماضيين، عبر قصف صاروخي يستهدف بلدات ومدنًا عدة في ريف إدلب، تقابله الفصائل المقاتلة بالرد.
على حساب روسيا.. تركيا تتقدم
تنقسم ليبيا منذ عام 2014 بين مناطق خاضعة لسيطرة حكومة “الوفاق” في طرابلس وغربي البلاد، وأخرى تسيطر عليها قوات خليفة حفتر، هي بنغازي والمناطق الشرقية.
وتسارعت وتيرة الأحداث الميدانية في الملف، منذ منتصف أيار الماضي، إذ افتتحت قوات “الوفاق” سلسلة التقدم على حساب قوات حفتر بعد أن سيطرت الأولى على قاعدة “الوطية” الجوية، جنوب غرب طرابس بنحو 125 كيلومترًا، وهي واحدة من آخر نقطتين لقوات حفتر في الغرب الليبي.
وتكمن أهمية القاعدة العسكرية بأنها آخر تمركز عسكري مهم تحت سيطرة قوات حفتر في المنطقة الواقعة بين غرب العاصمة طرابلس والحدود التونسية، وبذلك أُنهي تهديد القاعدة للعاصمة ولمدن الساحل الغربي الواقعة تحت سيطرة “الوفاق”.
ومطلع حزيران الحالي، سيطرت قوات “الوفاق” على مدينة ترهونة جنوب شرق العاصمة طرابلس، التي تعد أبرز معاقل قوات حفتر.
وكانت “الوفاق” أطلقت عملية “عاصفة السلام”، نهاية آذار الماضي، واستهدفت عددًا من مواقع قوات حفتر، وعلى رأسها قاعدة “الوطية” الجوية، وقاعدة “ترهونة” العسكرية.
وأمام هذا المشهد، تسعى روسيا إلى وقف زحف قوات “الوفاق”، عبر عدة مسارات، منها زيادة وتيرة تجنيد المقاتلين السوريين واستقدامهم إلى ليبيا، وكانت آخر محاولاتها في المنطقة الشرقية من سوريا، إلى جانب إرسال مقاتلات حربية لقوات حفتر.
وقالت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، إن مقاتلات روسية وصلت إلى ليبيا عبر سوريا، في 26 من أيار الماضي، مشيرة إلى أن تلك الطائرات وصلت من قاعدة جوية في روسيا، بعد عبورها سوريا وإعادة طلائها لتمويه أصلها الروسي.
وعلّق الجنرال في الجيش الأمريكي، ستيفن تاونسند، على وصول الطائرات الروسية إلى ليبيا بقوله، إن موسكو تحاول قلب الميزان لمصلحتها في ليبيا، مثلما فعلت في سوريا، وأضاف “إنهم يوسعون وجودهم العسكري في إفريقيا باستخدام مجموعات المرتزقة المدعومة من الحكومة (فاغنر)”.
وأشار إلى أن روسيا نفت لفترة طويلة ضلوعها في الصراع الليبي المستمر، لكن الآن لا يمكن إنكار ذلك، مؤكدًا أن العمليات العسكرية التي قامت بها موسكو أطالت الصراع الليبي، وفاقمت الخسائر البشرية والمعاناة البشرية من الجانبين.
تأكيد على ارتباط الملفين
قابل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التحرك الروسي في ليبيا، وتهديد سفيرها في دمشق بالتحرك عسكريًا في إدلب، بتصريحات حملت طابعًا من التهديد، إذ ربط بين الوضع الليبي والسوري، عبر قوله، إن “التضامن الذي أظهرناه في سوريا وليبيا أظهر قوة تركيا”.
وأضاف معلقًا على تطورات الأحداث في ليبيا وسوريا، “أنا على ثقة أن وحدتنا وتضامننا سيجعلان العالم ينظر بإعجاب إلى تركيا، ويعززان وضعنا داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)”.
ليست تركيا وروسيا فقط من ترى أن الملفين السوري والليبي مرتبطان، فمن وجهة نظر أوروبية، ارتبط الملفان بشكل وثيق، ويتبادلان التأثير في مستويات عدة.
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، عن أسفه لما أسماه “سورنة” النزاع في ليبيا، في حين جددت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، دعوات بلادها لوقف إطلاق النار في المنطقة، وأبدت الأمم المتحدة قلقها حيال الأمر.
واعتبر لودريان أن روسيا وتركيا انخرطتا بالحرب الدائرة في ليبيا، مشيرًا إلى أن حكومة “الوفاق” تجلب إلى الأراضي الليبية مقاتلين سوريين بأعداد كبيرة، قدرها بآلاف عدّة، كما تفعل روسيا ذلك أيضًا، إذ تجلب مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب حفتر.
بدورها، جددت ميركل دعوتها لوقف إطلاق النار في ليبيا، واستئناف المحادثات السياسية من أجل التوصل إلى تسوية.
وقالت المستشارة الألمانية، في كلمة متعلقة بالسياسة الخارجية ألقتها في مؤسسة “كونراد أديناور” بالعاصمة برلين، إن التطورات في ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة تظهر أن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار في البلاد بشرط التزام الأطراف بخطة وقف إطلاق النار.
من جانبها، أبدت الأمم المتحدة “قلقها البالغ” إزاء تدفق هائل للأسلحة والمعدات والمرتزقة، على طرفي النزاع الدائر في ليبيا.
وناشدت المنظمة الدول باحترام الحظر الأممي المفروض على إرسال أسلحة إلى الدولة الغارقة في حرب أهلية طاحنة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :