عنب بلدي – خولة حفظي
شكلت منصة “يوتيوب” منبرًا لكثير من السوريين، الذين وجدوا فيها متنفسًا وفسحة للتعبيرعن أفكارهم وعرضها على الجمهور دون أي قيود، فحقق بعضهم نجاحًا وشهرة، واستطاع الدخول إلى بيوت كثير من السوريين عبر نوافذ هواتفهم المحمولة.
لا يمكن حصر أسباب دخول الشباب فضاء “يوتيوب”، وبينما تبدو في أبرزها سعيًا وراء الشهرة والنجومية أو وراء المال، يهدف بعضهم إلى تقديم الفائدة، وتبعًا لذلك فإن المحتوى الذي قدمه السوريون كان متنوعًا إلى درجة كبيرة، إلا أن تقديم المقاطع الكوميدية كان السمة الغالبة، التي يلحظها أي باحث عن القنوات السورية في المنصة.
وفي وقت تجاوز فيه متابعو بعض “اليوتيوبرز” السوريين عدد متابعي مواقع وشبكات إعلامية سورية، تبرز أهمية معرفة مدى حضور قضايا تهم السوريين وتلامس حياتهم اليومية في المحتوى المعروض.
تحظى قناة “ابن سوريا” التي تقدم محتوى عن الألعاب الإلكترونية بأكثر من 5.3 مليون متابع، وبلغ عدد متابعي قناة “سيماند وشهد” التي يعرض من خلالها زوجان سوريان يومياتهما أكثر من 4.1 مليون متابع، بينما لا يتجاوز عدد متابعي قناة “أورينت” الإخبارية على “يوتيوب” مليونًا ونصف مليون متصدرة أعداد متابعي وسائل الإعلام السورية الأخرى على المنصة.
ووصل عدد متابعي قناة “عمرو مسكون” الكوميدية إلى نحو 3.4 مليون متابع، إضافة إلى عشرات القنوات الأخرى التي تخطت حاجز مليون متابع، وتقدم أغلب هذه القنوات محتوى يتنوع بين شرح الألعاب والمقاطع الكوميدية وتصوير اليوميات وغيره.
ماذا يتابع السوريون؟
استطلعت عنب بلدي آراء عدد من السوريين بالمحتوى السوري على “يوتيوب”، وإذا ما كان “اليوتيوبرز” السوريون يمثلون واقع سوريا، أو يقدمون محتوى مفيدًا.
يرى بعض المغتربين السوريين أن القنوات السورية التي تبث من الداخل تروي فضولهم لمعرفة ما يجري داخل سوريا، ومنهم سلوى المبيض، وهي ربة منزل سورية مقيمة في اسطنبول.
وقالت لعنب بلدي، إنها تتابع قناة “محمود الحمش” ذات الطابع الكوميدي، وهو شاب يبث من دمشق ويتحدث عن مواضيع يومية بطريقة ساخرة، مشيرة إلى أنها تعرف من خلاله “ما يحدث في البلد من هموم المواطنين والحياة اليومية”.
ويتفق محمد حسن، وهو طالب سوري في السويد، مع رأي سلوى المبيض، وتحدث عن متابعته لقناة “نيودوس”، وهي قناة ناشئة على منصة “يوتيوب” وتبث من سوريا.
ويقول الطالب السوري، لعنب بلدي، “كمغترب، أحببت أن أرى الناس داخل سوريا وأسمع أفكارهم عبر القناة، وكيف تغير تفكيرهم بالأشياء، وما الألفاظ الدارجة عند جيل الشباب، وكيف يتوجه هذا الجيل”.
إلا أنه يرى أن المحتوى السوري لا يرقى لمحتوى تقدمه قنوات عربية أو عالمية، خاصة التعليمية منها، والمضمون الذي يقدمه السوريون “ضعيف وناقص”.
المحتوى الجاد غائب
في جولة سريعة على القنوات السورية في منصة “يوتيوب”، يُلاحظ أن معظم القنوات السورية، لا سيما تلك التي تحظى بنسب مشاهدة عالية، تقدم محتوى بعيدًا عن الجدية.
وأكدت الصحفية المختصة بالصحافة الرقمية في راديو “روزنة” ميس قات، أن المحتوى المناسب للفئة التي يستهدفها “اليوتيوبر” هو أساس الوصول الكبير.
وقالت في حديث لعنب بلدي، إن المحتوى هو أهم عنصر في نجاح أي شخص مؤثر، وأشارت إلى وجود محتويات مختلفة جدًا من حيث القيمة والمستوى على “يوتيوب” أو على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام.
وتبدو التجارب السورية في معظمها منسوخة عن تجارب “يوتيوبرز” عالميين، من وجهة نظر أحمد الياسين، وهو طالب سوري يدرس في الهند، إذ قال إن الساحة السورية إلى الآن “تفتقر لصناع المحتوى الحقيقيين”.
وأضاف في حديثه لعنب بلدي، “لم يقدم أي يوتيوبر سوري حتى اليوم محتوى ذا قيمة مضافة، أقلها ليجذب الفئة العمرية من 28 عامًا فما فوق، وهي الفئة التي تهتم بالمحتوى أكثر من المقدم نفسه”، معتبرًا أن “القضية أصبحت مؤخرًا مادية بحتة، دون مراعاة اهتمامات المتابعين وهو ما انعكس سلبًا على المحتوى”.
الانتشار السريع والذاتية.. وتران لـ”اليوتيوبرز”
يعتبر الانتشار السريع للمحتوى والذاتية في الطرح، الخاصيتين الأساسيتين اللتين يقوم عليهما “يوتيوب” كمنصة إعلام اجتماعي، وفقًا لما ذكره باحث الدكتوراه في الإعلام بجامعة “بروكسل”، يزن بدران.
ويرى الباحث السوري أن منطق الانتشار السريع والواسع يعني أن قيمة المادة تكمن في قدرتها على تحقيق مشاهدات ومشاركات عالية، وفي كثافة المواد المنتجة، معتبرًا أن هذا يشجع على تقديم المواد التي تحقق صدمة للمشاهد، ومنها طرح مواضيع حساسة من منطق صدامي، أو مشاهد ذات شحنة عاطفية عالية، مقارنة بمحتوى أكثر تمايزًا أو تعقيدًا.
وأشار إلى أن عددًا من الأبحاث أثبتت أن خوارزمية الاقتراحات التلقائية للمنصة، تتجه بشكل تدريجي نحو محتوى أكثر تطرفًا خلال الاستعمال اليومي.
الخاصية الأخرى للانتشار، تتلخص في وجود تركيز من قبل صانعي المحتوى على بناء علاقة شبه شخصية مع الجمهور كمصدر لنوع من المصداقية، على الأقل على مستوى المحتوى.
ولفت بدران إلى أن ذلك يدفع بشكل عام إلى شخصنة المواد والأفكار على حساب المحتوى، وإلى بناء علاقات ولاء على مستويات شخصية بدلًا من مستويات فكرية أو أيديولوجية بين الجمهور وصانع المحتوى.
وأكد أن هاتين الخاصيتين، بالتكامل مع خوارزمية التخصيص، تؤديان إلى تحويل الجمهور إلى كانتونات متمايزة، وغالبًا مبنية على مستويات ثقة عالية تجاه صانع المحتوى المفضل ومستويات منخفضة من الثقة تجاه الآخرين.
تجارب حديثة
لا توجد قاعدة محددة لنجاح “اليوتيوبر”، فالإنترنت عالم واسع ويتسع للجميع، كما أكدت الصحفية الرقمية ميس قات، لعنب بلدي.
وترى قات، أن تجربة المؤثرين السوريين ما زالت ببدايتها وتعتبر ضعيفة، وأغلبية “اليوتيوبرز” السوريين يتجهون لتقديم المحتوى المبني على نموذج تلفزيون الواقع، حيث يسمح للمتابعين باختراق حياته الشخصية بأدق تفاصيلها.
ولفتت إلى أن نموذج “تلفزيون الواقع” من أكثر النماذج شعبوية وانتشارًا، وترجّح أنه “سيظهر مع الوقت عدد أكبر من المؤثرين الذين يقدمون محتوى بقيمة عالية للمجتمع السوري على الإنترنت”.
وتعتقد أن أغلبية “اليوتيوبرز” السوريين، “مع بعض الاستثناءات، يتوجهون لطرح موضوعات خفيفة متعلقة بالحياة اليومية وهم لا يتطرقون بالأصل لقضايا عميقة، لا لقضايا اللاجئين ولا لقضايا أخرى تتعلق بالسياسة أو الحريات العامة”.
وبالاستفادة من تجارب مؤسسات في دول غربية توجهت للتعاقد مع بعض “اليوتيوبرز” لبناء برامج ذات قيمة ورفع مستوى المحتوى المقدم للمراهقين والشباب بشكل خاص، تأمل الصحفية “أن تشهد سوريا نماذج مشابهة في المراحل المقبلة”.