عروة قنواتي
ضجت أغلب شوارع العالم منذ أيام بقضية مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد فرد من الشرطة الأمريكية، وأمام مرأى ومسمع الناس الذين شاهدوا الحادثة على الطبيعة والتقطوا الصور، ليتحول المقطع المصور إلى وثيقة تابعها مئات الملايين من البشر بمختلف دياناتهم وأعراقهم وألوانهم، ولتأخذ القضية شكل “مناهضة جديدة ومتجددة للعنصرية”، ومظاهرات في شوارع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول العالم للدفاع عن حقوق أصحاب البشرة السمراء.
التضامن وصل أيضًا إلى ملاعب وصالات العالم، ومنازل ومنتزهات نجوم كرة القدم وكثير من اللاعبين وسط حجرهم الصحي من جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، أو في التدريبات الفردية والجماعية لفرق كرة القدم، التي تستعد لعودة بعض المسابقات المحلية في أوروبا، بالإضافة إلى الملاعب الألمانية التي تشهد هذه الأيام آخر جولات “البوندسليغا”.
تضامن استدعى في بعض الأحيان الخروج عن نص القوانين الكروية والرياضية، بحسب لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وبرز في عناوينه العريضة كانتصار للإنسانية ومحاربة ورفض للعنصرية، كما ظهر هذا الأمر بالعبارات التي كتبها المغربي الدولي أشرف حكيمي، وجادون سانشو، وويستون ماكيني، وماركوس ثورام.
وأوضح الاتحاد الألماني لكرة القدم، في بيان صدر في 3 من حزيران الحالي، أنه لن يفتح أي تحقيق مع اللاعبين السابق ذكرهم ولن يعاقب أي لاعب يفعل الأمر ذاته، عبر عرض القمصان أو الأساور تكريمًا للراحل فلويد.
كما اتخذ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قرارًا مشابها لنظيره الألماني، إذ أكد ببيان صريح، في 2 من حزيران الحالي، أنه لن يعاقب اللاعبين الذين يظهرون رسائل مناهضة للعنصرية أو التضامن عندما يسجلون، إذ ستخفف القواعد الحالية لأول مرة.
وذكر أيضًا أن هذا القرار يأتي تماشيًا مع توصية من “فيفا” لتبني “نهج الحس السليم” وعامل “السياق” في أي قرارات، ما يعني أنه من غير المحتمل أن يجد لاعب في كرة القدم الإنجليزي نفسه معرضًا للعقاب.
وتطول قائمة المتضامنين من نجوم الرياضة في العالم، يتقدمهم مايكل جوردان أسطورة كرة السلة الأمريكية، والنجم ليبرون جيمس أيضًا من أسرة السلة العالمية، والنجم البرازيلي الظاهرة رونالدو، الذي انضم إلى حملة أساطير الاتحاد الدولي لكرة القدم لمحاربة العنصرية والتمييز والعنف.
وأيضًا كانت هناك تصريحات ومواقف لفرق عريقة أوروبية في التمارين الجماعية، كان أبرزها نادي ليفربول.
عدا الأثر المحزن والمستفز الذي تركته دقائق عملية القتل العمد للراحل جورج فلويد، عبر الفيديو، نشعر وأشعر كل يوم بخذلان شديد لأثر مشابه في قضايانا، حيث الفقر دائمًا في الترويج ونقل الحقيقة، وإن تجاوزنا هذه العوائق نجد أنفسنا رهائن الشك الدولي وعزوف المؤسسات الرياضية الدولية عن الحديث والإشارة حتى إلى خنق شعب بأكمله، كما يحصل في سوريا، أو قضية محقة عادلة كما حصل في العقوبة التي تلقاها النجم المصري محمد أبو تريكة على خلفية تضامنه مع مدينة غزة الفلسطينية التي كانت يومها (وما زالت حتى الآن) تذبح وتخنق بالآلة العسكرية الصهيونية. هنا لا يسمح الاتحاد الدولي بتداخل السياسة مع الرياضة، ويعاقب ويشدد ويكرر التنبيه والتحذير من تجاوز الخطوط الحمراء.
هذا العزوف عن التضامن والإشارة إلى مقتل رياضيين سوريين في داخل سوريا، منذ عشر سنوات حتى اليوم، يثير الشفقة على هذه المؤسسات الدولية الرياضية، التي لا تهتم بالتحرك والتدخل إلا عندما يأتي التوجيه الأكبر أو عند فوات الأوان، فاللاعب أو المدرب أو المدير الإداري أو الجماهير تريد التضامن رغمًا عن خطوط الاتحادات الدولية الرياضية الحمراء التي تظهر في قضايا وتختفي في أخرى.
مع الأمل دائمًا بتحقيق العدالة في قضية الراحل جورج فلويد، وكل المظلومين والمخنوقين، والذين يموتون قتلًا وبدم بارد في العالم.