داء القطط.. ماذا تعرف عن مرض المقوسات
د. أكرم خولاني
معظمنا سمع بداء القطط، وهو مرض يصاب به ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، والأغلبية لا تظهر عليهم أعراض الإصابة، لذلك فإن هذا المرض لا يحظى بكثير من الاهتمام، لكنه قد يتسبب بإصابات شديدة لبعض الناس وبخاصة ممن يعانون من مناعة ضعيفة، كذلك فإن خطورته بالغة على الأجنة، وهذا يجعل تسليط الضوء عليه أمرًا مهمًا.
ما هو داء المقوسات؟
يسمى أيضًا داء القطط، والتوكسوبلاسموز (Toxoplasmose)، داء التوكسوبلازما (Toxoplasmosis)، المرض التوكسوبلازمي، يعرف بأنه مرض يسببه كائن حي طفيلي أحادي الخلية يدعى مُقوّسة قُنْدِيّة أو الغوندية (Toxoplasma gondii)، ويتسم بإصابة الجهاز العصبي، وتضخم في الغدد اللمفاوية، وإصابة العضلات كعضلات الهيكل والعين والعضل القلبي، ويمكن أن يكون مميتًا أو يسبب عيوبًا خلقية خطيرة للجنين إذا أصيبت الأم به خلال الحمل.
تحدث الإصابة نتيجة ابتلاع الطفيلي، الذي يخترق الغشاء المبطن للأمعاء، و يبدأ بالتكاثر في كرات الدم الحمراء، ويستمر في التكاثر حتى يصبح كتلة حرجة، ثم تنفجر الخلية وتبدأ بإصابة الخلايا المجاورة لها، وقد يبدأ ظهور المرض على الأعضاء المصابة، ففي هذه المرحلة إما أن يكون الجهاز المناعي في الجسم قويًا وسليمًا فلا يصيب الطفيلي أجزاء الجسم بالضرر، ويستمر الطفيلي في الجسم على شكل حويصلات كامنة في الأنسجة لعدة سنوات، ولكنه لا يتسبب بأي أعراض، وإما أن يكون الجهاز المناعي ضعيفًا، وهنا يستطيع الطفيلي التسبب بمشكلات صحية بعضها شديد.
كيف تحدث العدوى؟
تعتبر القطط المصدر الرئيس لانتقال الطفيلي، لكن القطط المنزلية نادرًا ما تحمل المرض، في حين تكون القطط البرية أو قطط الشوارع أكثر عرضة لداء القطط، وبإمكان القط الواحد من هذه القطط الحاملة للطفيلي نقل كميات هائلة منه، حيث يفرز طفيلي التوكسوبلازما مع اللعاب أو البول أو السائل المخاطي الأنفي أو مع الروث، وينتقل بطبيعته من القطط إلى التربة، ثم يبتلعها الإنسان أو الطيور والعصافير والفئران والحيوانات الأليفة الموجودة في نفس المكان كالخراف والغزلان والخنازير.
ويدخل الطفيلي إلى جسم الإنسان عن طريق الفم مباشرة أو عن طريق الجروح أو الأغشية المجروحة، كذلك يمكن أن ينتقل عن طريق الدم و الأعضاء في أثناء عمليات نقل الدم أو زرع الأعضاء ممن لديهم الوباء.
لذا فيمكن أن تنتقل العدوى للإنسان عن طريق:
- التعرض لفضلات قطة مصابة بالعدوى.
- تنظيف صندوق القمامة والفضلات دون غسل اليدين بعد ذلك.
- العمل بالبستنة.
- شرب ماء ملوث بالطفيلي.
- تناول اللحوم النيئة أو اللحوم التي لم تُطهَ بشكل جيد.
- تناول الفاكهة أو الخضار التي لم تغسل بشكل جيد أو دون تقشيرها، أو التي تكون مزروعة في تربة يوجد فيها الطفيلي.
- التعامل مع ألواح تقطيع استُخدمت في تقطيع اللحم النيء.
- نقل دم أو زرع عضو ملوث بالطفيلي.
ونادرًا ما تنتقل العدوى من شخص مصاب إلى آخر عن طريق رذاذ المريض، ولكن عادة تنتقل من الأم للجنين عن طريق المشيمة، ويسمى في تلك الحالة داء المقوسات الخلقي.
ما أعراض الإصابة؟
حوالي 90% من المصابين الذين يتمتعون بجهاز مناعة سليم ومعافى لا يظهر داء المقوسات عندهم أي أعراض أو علامات، وفي الحالات النادرة التي يكون فيها المرض عرضيًا، فإن الأعراض والعلامات الشائعة تشبه الإنفلونزا، وتشمل:
- حمى.
- صعوبة في البلع.
- تورم الغدد اللمفاوية، وخاصة الرقبية.
- صداع.
- آلام عضلية وإرهاق.
تستمر هذه الأعراض عدة أسابيع (شهرًا أو أكثر) ثم تزول من تلقاء نفسها، إلا أن الطفيلي يبقى كامنًا في الجسم، ويمكن أن ينشط مجددًا عند حدوث ضعف بالمناعة.
أما المرضى الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة، ويعانون من أمراض مثل الإيدز أو السرطان أو الذين يتعالجون بأدوية مثبطة لجهاز المناعة، فهم أكثر عرضة للإصابة بداء المقوسات بصورته الفعالة والخطيرة جراء التعرض لطفيلي المقوسة القندية حديثًا، أو جراء طفيليات هاجعة منذ عدوى سابقة، وتشمل الأعراض والعلامات:
· التهاب الدماغ: ما يؤدي لصداع، تغييرات سلوكية، صعوبات في تحديد المكان، اختلاجات وتشنجات، اختلال الأداء الوظائفي العصبي، حركات لا إرادية، صعوبات في المشي والكلام.
- التهاب الرئة: ما يؤدي إلى سعال، ضيق نفس، حمى.
- التهاب شبكية العين (داء المقوسات العيني): ما يؤدي إلى رؤية ضبابية وآلام في العين.
أما في حال إصابة الحوامل فتكون هناك خطورة على الجنين.
ما خطورة داء المقوسات على الحمل؟
إذا حدثت الإصابة بداء المقوسات قبل الحمل بأشهر (على الأقل ستة إلى تسعة أشهر قبل الحمل) فسيقوم الجسم بتطوير مناعة للمرض، وبالتالي لن تكون العدوى نشطة عند الحمل، ولن يكون هناك خطر على الجنين.
أما إذا حدثت الإصابة بداء المقوسات للمرة الأولى قبل الحمل مباشرة أو في أثناء الحمل، فمن الممكن انتقال العدوى للجنين، على الرغم من عدم ظهور الأعراض على الأم، وهنا نميز بين حالتين:
في حال حدثت الإصابة بالعدوى خلال الثلث الأول من الحمل، فإن نسبة خطورة انتقال المرض إلى الجنين تكون ضئيلة، ولكن معظم حالات العدوى تنتهي بموت الجنين والإجهاض، أما الجنين الذي يقاوم ويبقى فغالبًا يولد وهو يعاني من مشاكل صحية خطيرة مثل:
- الصرع.
- تضخم الكبد و الطحال.
- اليرقان (اصفرار الجلد و بياض العينين).
- التهابات عينية خطيرة.
لكن إذا حدثت العدوى في الثلث الأخير من الحمل فإن خطورة انتقالها إلى الجنين عالية، إلا أن كثيرًا من الأطفال الذين يولدون بتلك العدوى لا تظهر أعراض الإصابة لديهم إلا في سن المراهقة والبلوغ، ومن هذه الأعراض:
- فقدان السمع.
- ضعف القدرة العقلية.
- التهابات عينية خطيرة.
كيف تُشخّص الإصابة؟
يُحدد التشخيص على ضوء المعطيات السريرية، و نتائج التحليل المخبرية لكشف الأجسام المضادة لطفيلي المقوسة القندية في الدم، ولكن ولأن أعراض داء المقوسات تتداخل مع أعراض الإنفلونزا، لذا فلن تجرى الفحوص بحثًا عن داء المقوسات إلا إذا شك الطبيب بالإصابة نتيجة وجود علامات سريرية تثير الاشتباه، أو لاختبار الإصابة السابقة لدى المرأة الحامل، أو قبل الحمل من أجل منع انتقال الطفيلي إلى الجنين، أو عند التحري عن سبب الإجهاض، بالإضافة إلى ذلك، من المتبع فحص الإصابة بهذا المرض لدى المرضى ذوي جهاز المناعة الضعيف، مثل مرضى الإيدز، وبعد العلاج الكيميائي، أو غيره.
تفحص الأجسام المضادة لداء المقوسات بواسطة أخذ عينة من الدم، وتظهر نتائج الفحص عادة في غضون 2- 3 أيام، وتبين النتائج إذا ما كان يوجد في دم الشخص المفحوص نوعان من الأجسام المضادة (IgG – IgM) لطفيلي المقوسة القندية:
إذا كانت مضادات الغلوبولين المناعي (IgM) سلبية، ومضادات الغلوبولين المناعي (IgG) سلبية: لم تحدث الإصابة بالطفيلي أبدًا.
إذا كانت مضادات الغلوبولين المناعي (IgM) إيجابية، ومضادات الغلوبولين المناعي (IgG) سلبية: حدثت إصابة بالعدوى مؤخرًا وللمرة الأولى في الحياة، وهذه النتيجة إشكالية جدًا بالنسبة للنساء الحوامل، وتتطلب إجراء فحوص إضافية لاستيضاح ما إذا كان الجنين قد أُصيب بالعدوى أم لا، مثل بزل السائل الأمينوسي.
إذا كانت مضادات الغلوبولين المناعي (IgM) سلبية، ومضادات الغلوبولين المناعي (IgG) إيجابية: حدثت إصابة بالطفيلي في الماضي، لكن لا يوجد مرض نشط، لذلك لا خطر في أن تحمل المرأة أو في نقلة إلى الجنين.
إذا كانت مضادات الغلوبولين المناعي (IgM) إيجابية، ومضادات الغلوبولين المناعي (IgG) إيجابية: حدثت إصابة عدوى بالطفيلي خلال الفترة الأخيرة، ولكن قبل مدة حتى ثلاثة أشهر قبل الفحص.
كيف يتم علاج داء المقوسات؟
معظم الأشخاص الأصحاء الذين يصابون بالعدوى، وليست لديهم أي أعراض أو لديهم أعراض خفيفة ومحدودة لا يحتاجون للعلاج، ولكن إذا كان المرض شديدًا ومستمرًا ويؤثر على العينين أو على الأعضاء الداخلية، فإن الطبيب عادة ما يصف الأدوية: Pirimetamine, sulfadiazine, clindamycin, trimethoprime- sulphamethoxazol, azithromycin, atovaquone, tetracycline, minocycline.
كذلك يمكن إعطاء Spiramycinمع mezym أو mezym forte.
والدواء الأكثر استعمالًا هو: mexocine حيث يعالج الشكل المزمن للمرض.
وتتراوح مدة العلاج بين ثلاثة وستة أشهر، وعند مرضى الإيدز قد يستمر العلاج مدى الحياة.
وبالنسبة للحوامل فيوصى بالـSpiramycin بشكل عام في النصف الأول من الحمل، وفي النصف الثاني من الحمل يستخدم مزيج من Pirimetamine, sulfadiazine وحمض الفوليك، لأن البيريميتامين يقلل من مستويات حمض الفوليك.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :