الحوار الكردي– الكردي في سوريا.. البحث عن مربعات وطنية

  • 2020/06/07
  • 12:54 ص

أسامة آغي

لم تأتِ الدعوة للحوار الكردي– الكردي التي أطلقها حزب “PYD” بعد بسط “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) نفوذها على كامل منطقة شرق الفرات (الضفة اليسرى لنهر الفرات) سوى كنتيجة لتغير قواعد الصراع في سوريا، وتحديدًا بعد خسارة هذه القوات لعفرين وتل أبيض ورأس العين، واحتمال تحريك ملف الحل السياسي عبر مفاوضات “جنيف”، التي ترتكز على قاعدة القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254.

حزب “PYD”، لم يستطع بعد إجراء فكاك حقيقي عن جسد الحزب الأم، الذي أسسه عبد الله أوجلان نزيل سجن “مرمرة” التركي، ومؤسس حزب “العمال الكردستاني” في تركيا، الذي يُرمز له اختصارًا بحزب “PKK”.

إن قاعدة الحوار التي يريدها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، تستند عمومًا إلى مفاهيمه بتحقيق حكم ذاتي كردي في شمال شرقي سوريا، حيث يدعو الحزب المذكور إلى ما يسميه “الحكم الذاتي الديمقراطي” فهو يرفض الفيدرالية، ويعتبر مسؤولًا عن الشقاق الكردي- الكردي، وهو عمليًا لم يقف إلى جانب قوى الثورة السورية وأحزاب المعارضة.

“المجلس الوطني الكردي” الذي أُسس في تشرين الأول من عام 2011 في أربيل العراقية، والذي يدعو إلى الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية، ويطالب بتحقيق اللامركزية السياسية في الحكم، لا يزال بينه وبين حزب “الاتحاد الديمقراطي” هوّة كبيرة، يريد بعض مسؤولي الأخير ردمها بتصريحات لا يخدمها التناقض بين رؤيتي الطرفين.

التناقضات بين الطرفين المتحاورين ليست محدودة القيمة، ومحدودة بتكتيك سياسي مرحلي، بل هي تناقضات جوهرية، تتعلق بالرؤية الأيديولوجية لكليهما.

مظلوم عبدي، وهو قائد “قسد” يقول: “يجب أن يعمل طرفا الحوار على أساس مستقبل وآمال الشعب الكردي وقضيته”.

مثل هذا الكلام لعبدي، يتجاهل بصورة صريحة طبيعة الصراع في سوريا، ويغمض العين عن ثورة السوريين ضد النظام الاستبدادي، ولا ينظر إلى أن الكرد في سوريا هم من مكونات الشعب السوري، وبالتالي فالحوار وقاعدته الحقيقية، تكون بين القوى السياسية الممثلة لأطياف هذا الشعب.

ويريد عبدي أن يذكّر الآخرين أنه نتيجة هيمنته على مناطق شمال شرقي سوريا (شرق الفرات)، يحقّ له فرض رؤيته السياسية، ليس على “المجلس الوطني الكردي” فحسب، بل على السوريين جميعًا.

موقف عبدي يستند فعليًا إلى واقع الحال في هذه المنطقة الغنية بالبترول، التي تؤّمن الولايات المتحدة الأمريكية حمايتها من أي تدخل لقوات أخرى. هذا الموقف دفع حزب “PYD” لمطالبة “المجلس الوطني” بالانسحاب من تحالفه مع المعارضة السورية المؤتلفة ضمن إطار “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، على أرضية تقديمه تنازلات تتعلق بتسهيلات عمل “المجلس الوطني الكردي”، والبحث في ملفات أخرى مثل ملف المعتقلين المحسوبين على “المجلس” وملف المنفيين والملف الإداري وغيرها من الملفات.

مثل هذا الحوار يحكمه تناقض الرؤية السياسية العميقة، ويحكمه عدم الكشف عن مجرياته، رغم أنه يخصّ كل السوريين، لا سيما الذين يعتقدون بسوريا دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

التناقض في الرؤية السياسية يبدأ من الموقف من طبيعة نظام الحكم، الذي يطالب به كل طرف وفق رؤيته، فـ”المجلس الوطني” الذي يقول باللامركزية السياسية في سوريا، يعني أنه مع نظام حكم فيدرالي أو اتحادي. أما موقف “PYD” فهو يذهب إلى “الحكم الذاتي الديمقراطي”، وهذان الموقفان بعيدان عن رؤية قوى الثورة والمعارضة السورية، التي تريد نظام حكم لامركزيًا إداريًا موسعًا.

إن الحوار الجاري بين طرفين كرديين سوريين هو أمر إيجابي ضمن شروطه الواقعية الممكنة، هذه الإيجابية تتعلق بوضع الأوراق على طاولة الحوار بين الطرفين، بحيث لا تكون متعلقة بالرغبات والآمال البعيدة غير الممكنة التحقيق في هذه المرحلة، فلا أحد ضد حقوق الأكراد في المنطقة بتقرير مصيرهم، ولكنّ هذا المفهوم ليس مفهومًا معلّقًا في فراغ، بل يرتبط بالضرورة بطبيعة الظروف السياسية التي تحكم دول المنطقة وطبيعتها.

إن الحوار الكردي– الكردي الجاري بين “المجلس الوطني الكردي” وحزب “PYD”، لن يكون لمصلحة كرد سوريا، كمكون من مكونات السوريين، إلاّ في حالة إيجاد هذا الحوار لمربعات التقاطع الوطنية مع بقية المكونات السورية، فليس الكرد كمكون من مصلحتهم استعداء بقية المكونات، أو استعداء دولة كتركيا عانت وتعاني كثيرًا من سياسة حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، ولهذا يجب الفصل بين رؤيتين سياسيتين، الأولى وهي الحاضرة، وتتعلق بتبعية حزب “الاتحاد الديمقراطي” للحزب الأم (حزب العمال الكردستاني).

هذا الفصل ينبغي العمل عليه سياسيًا وعسكريًا من قبل كوادر حزب “الاتحاد الديمقراطي”، فإذا عجزت هذه الكوادر فهذا يعني أن الحزب هو حزب عابر للوطنية السورية وعابر للقومية الكردية، ما يلحق الضرر الجسيم بحاضنته الحالية في شمال شرقي سوريا.

أما الرؤية الثانية فتتلخص بتحول هذا الحزب إلى حزب وطني سوري، مهامه السياسية تتعلق بالجغرافيا السياسية السورية، وضمن توافقات وطنية، تحقق وحدة سوريا، وطبيعة حكمها الوطني الديمقراطي اللامركزي الإداري.

إن بلورة رؤية سياسية كردية سورية، يعني بالضرورة الكفّ عن تسييل شعارات جاذبة عاطفيًا للمكون الشعبي الكردي، وهذا يتطلب من الفعاليات السياسية الكردية بشتى ألوان أيديولوجياتها، الانتقال إلى مربع وطنيتها السورية الخالصة، وهذا يحتاج الفكاك من أسر الفهم القومي، الذي ثبت أنه غير قابل للحياة في الشروط الموضوعية والذاتية، التي تحكم المنطقة والعلاقات بين دولها.

إن نجاحًا حقيقيًا للحوار الكردي– الكردي في سوريا هو مطلب وطني سوري عام، لأنه يساعد على تمتين قوة الموقف الوطني الديمقراطي في البلاد بمواجهة نظام استبدادي، لا يزال قائمًا، وهو ضرورة لمنع إعادة إنتاج التشدد القومي أو الطائفي أو الديني في سوريا القادمة.

نجاح الحوار الكردي بين قوتيه الأساسيتين، يتطلب بلورة رؤية وطنية ديمقراطية، تتقاطع بجوهرها السياسي مع بناء دولة وطنية ديمقراطية للجميع، أما إذا بقي الحوار مرتبطًا بتحقيق أهداف صغيرة ومحدودة سياسيًا، فهذا أمر لا يطمئن السوريين والمكون الكردي على سلامة هذا الحوار واتجاهاته الوطنية، وبالتالي سيشكل عائقًا إضافيًا يؤخر الانتقال السياسي في البلاد، ما يطيل عذابات السوريين جميعهم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي