عنب بلدي- زينب مصري
يثير تحديد قيمة الكشف الطبي في محافظة إدلب جدلًا، وسط محاولات من الجهات النقابية لضبط التسعيرة، تقابلها مواقف رافضة لأسباب عدة.
أصدر مجلس “نقابة أطباء إدلب الحرة”، في 3 من حزيران الحالي، قرارًا يقضي بتحديد تسعيرة الكشف الطبي في محافظة إدلب، إلا أن المجلس سحب بيان القرار بعد ساعات من نشره.
وحدد القرار تسعيرة الكشف لدى الطبيب العام بدولارين كحد أدنى، وستة دولارات أمريكية كحد أعلى، أو ما يعادلها من العملات النقدية، والتسعيرة لدى الطبيب الاختصاصي بثلاثة دولارات كحد أدنى، وثمانية دولارات أمريكية كحد أعلى، أو ما يعادلها من العملات النقدية.
وأعطى البيان الحق للطبيب بتحديد قيمة الكشف الطبي “بحسب ما يراه مناسبًا”، ضمن الحدود الدنيا والعليا، مبيّنًا أنه تضاف إلى التسعيرة قيمة الإجراءات التشخيصية، حسب كل اختصاص، ويُترك للطبيب تقدير القيمة ضمن الحدود المتعارف عليها لكل اختصاص.
مسؤولية فردية أم جماعية
أثار القرار جدلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتداول ناشطون تفاصيله معتبرين أن زيادة أجور المعاينات الطبية قرار “غير إنساني” في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المواطنون في سوريا.
نقيب أطباء الشمال، محمد وليد تامر، قال لعنب بلدي، إن نقيب أطباء إدلب هو من أصدر التعرفة الجديدة ثم سحب القرار، مشيرًا إلى أنهم في النقابة المركزية لم يكونوا موافقين عليه، و”ضغطوا” لسحبه.
وللوقوف على تفاصيل القرار، تواصلت عنب بلدي مع نقيب أطباء إدلب، عبد الحميد دباك، ولم تحصل على رد.
إلا أن طبيبًا يعمل في مدينة إدلب (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه) قال إن القرار لم يصدر عن نقيب فرع إدلب، عبد الحميد دباك، وإنما أصدرت النقابة القرار بناء على تشاورات بين الأطباء الأعضاء، ولم يكن قرارًا شخصيًا.
وأضاف أن بعض الأطباء ممن اعترضوا على القرار، استغلوه “لأغراض ومكاسب شخصية” معتبرين أن القرار “لا إنساني” في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي (تجاوز سعر صرف الدولار 2000 ليرة سورية)، وارتفاع الأسعار، بينما يعملون في القطاع العام، بعقود مسجلة تصل إلى ثلاثة عقود مع ثلاث جهات برواتب تصل إلى 3500 دولار أمريكي (ما يعادل تقريبًا سبعة ملايين ليرة سورية)، ولا يتقاضون أجورًا من المرضى في عياداتهم الشخصية.
نقابة “دون شرعية”
بحسب الطبيب، شُكلت “نقابة أطباء إدلب” منذ سنتين تقريبًا “في ظروف صعبة” وقبل وصول قوات النظام إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي، لمدة ستة أشهر فقط، مشيرًا إلى أن مدة ترؤّس النقيب الحالي للنقابة انتهت بعد ستة أشهر من تأسيسها، وبسبب الأحداث اللاحقة من معارك ونزوح، لم تحصل إعادة انتخاب لنقيب جديد واختيار أعضاء للنقابة.
وقال إن معظم الأطباء العاملين في مدينة إدلب لا يعترفون بالمجمل بالنقابة كممثل عنهم، مع وجود الحاجة إليها، إلا أن قسمًا كبيرًا منهم يعتبرها “فاقدة للشرعية” لعدم إعادة الانتخابات، لذلك فإن أي قرار صادر عنها، بغض النظر عن قرار التسعيرة الجديد، لن يُعترف به، بحسب تعبيره.
نقيب أطباء الشمال، محمد تامر وليد، قال إن النقابة تجمع عدة نقابات فرعية، وهي نقابة حلب وحماة والساحل ونقابة أطباء إدلب، وهي الجسم الطبي “الوحيد” الممتد على كامل الشمال السوري.
وأضاف وليد أن عدد الأطباء العاملين في الشمال السوري والمسجلين في النقابة يقارب 700 طبيب، بالإضافة إلى أطباء غير مسجلين يصل عددهم إلى 150 طبيبًا، مشيرًا إلى أن النقابة أنشأت لجنة قانونية مؤلفة من قاضٍ وطبيبين، تهدف إلى حماية الأطباء في حال تعرض أي منهم لمساءلة قانونية، وفي حال فصلهم “بشكل تعسفي” من قبل المنظمات أو جهات العمل.
وعن عقود الأطباء، قال تامر إنها تختلف بحسب اختصاص الطبيب، إلا أن أطباء التخصصات “النادرة” يمتلكون أكثر من عقد، ونُوقش هذا الأمر مع الأطباء في الشمال، لعدم امتلاك أطباء عقودًا على الإطلاق.
كيف تحدد أجور المعاينات الطبية؟
في ظل معاناة القطاع الطبي في إدلب من نقص بأعداد الأطباء العاملين فيه، لا يعمل جميع الأطباء في القطاع العام، المدعوم من المنظمات والذي يمنح رواتب تعتبر قياسًا مع الظروف الاقتصادية الحالية “جيدة”، وتعمل نسبة “لا بأس بها” من الأطباء في القطاع الخاص والعيادات الطبية، التي تعتمد بشكل أساسي على “الكشفية”، أبزرهم الأطباء الاختصاصيون الذين لا يجرون عمليات جراحية، مثل أطباء الهضمية، والأطفال، والقلبية الذين لا يجرون عمليات قسطرة، وأطباء الغدة والجلدية، بالإضافة إلى أطباء النسائية، بحسب الطبيب الذي التقته عنب بلدي.
أيّد الطبيب قرار النقابة الملغى بتحديد الأسعار، لأنه يرى أن الأطباء بحاجة لتحديد سقف للمعاينات، تمنعهم من الحصول على أجور مرتفعة تثقل كاهل المرضى، وفي نفس الوقت تضمن لهم حقوقهم، وتساعدهم على تحمل التكاليف المترتبة على عياداتهم.
وقال إن الأطباء في مناطق الشمال السوري يتأثرون بالأوضاع الاقتصادية الصعبة كبقية الأفراد في المجتمع، مشيرًا إلى أن المريض يدفع ألف ليرة فقط كأجرة معاينة طبية (تعادل نصف دولار)، الأمر الذي يزيد الأعباء المادية على طبيب القطاع الخاص، ليدفع تكاليف العيادة من إيجار واشتراك كهرباء وإنترنت ورواتب للممرضين العاملين معه.
وبناء على الأجرة التي تبلغ ألف ليرة، يجب أن يعاين الطبيب يوميًا 50 مريضًا ليحصل على أجرة قدرها 25 دولارًا يوميًا، وهذا “أمر مستحيل”.
ويرى الطبيب أن “الخطأ” في إصدار القرار كان بتحديد الحد الأعلى للأجرة (ستة وثمانية دولارات)، الأمر الذي أربك الناس، وأدى إلى سوء فهمه، بحسب تعبيره، كما يرى أنه لم يكن على النقابة نشر القرار للعلن، وإنما مشاركته مع غرف الأطباء.
عمليات جراحية مكلفة
تحدث الطبيب من تجربته الشخصية عن الأجور، موضحًا أنه كطبيب عام يجري عمليات نوعية للمرضى، تحتاج إلى إجراءات “مكلفة”، متسائلًا، “هل من المنطقي إجراء عملية جراحية بأجرة ألفين أو ثلاثة آلاف ليرة سورية فقط (دولار ودولار ونصف)”.
وأشار إلى أن الهدف من قرار تحديد أجور المعاينات الطبية، الذي لم يُناقش، كان ضبط أسعار الإجراءات (العمليات) الطبية في المشافي الخاصة، كالقسطرة القلبية.
ووفقًا للطبيب، تبلغ تكلفة إجراء العملية في المشفى الخاص بين 50 و75 دولارًا أمريكيًا، تغطي تكاليف الدواء والإقامة وإيجار غرفة عمليات، ما عدا أجرة الطبيب.