مراد عبدالجليل | علي درويش | نور الدين رمضان
غاب مجدي مع عائلته عن منزلهم في عفرين لمدة عشرة أيام في زيارة إلى إدلب، ولم يكونوا حينها قد أتموا سوى عام على نزوحهم من منطقة القلمون بريف دمشق في آذار 2018، لكن الزيارة القصيرة كانت كفيلة بخسارتهم جميع أثاث منزلهم، حتى الطعام والشراب.
قال مجدي (طلب استخدام اسم مستعار خوفًا من الاعتقال) إن عناصر من أحد فصائل “الجيش الوطني” دخلوا المنزل في غيابه، بحسب ما روى له الجيران، ومكثوا فيه بضعة أيام ثم أخذوا جميع محتويات البيت.
“أخبرهم الجيران أننا مهجرون وفي زيارة إلى إدلب.. لكنهم لم يستمعوا إلى أحد”، يقول مجدي، مؤكدًا أن العائلة أصبحت مجددًا بلا أثاث ولا طعام، كأنها هُجّرت من جديد، “مع اختلاف بسيط.. هناك سقف يؤوينا”.
لم تفلح شكواه إلى الجهات الأمنية في عفرين، فألح بالطلب مجددًا، ليكون الرد بأن الجهات الأمنية استدعت المجموعة التي كانت في المنزل للتحقيق، إلا أنها ضمن مهمة عسكرية، وفور عودة عناصرها سيخضعون لتحقيق، ولم يتم استدعاؤه لمتابعة القضية من قبل الجهات الأمنية في عفرين، بعد عدة محاولات انتهت بفقدان الأمل.
تُلخص قصة مجدي شكلًا من أشكال الانتهاكات التي تقوم بها بعض فصائل “الجيش الوطني” في ريف حلب الشمالي والمناطق التي سيطر عليها مؤخرًا في ريف الرقة، إلى جانب الاعتقالات والاشتباكات التي تتسبب بوقوع ضحايا مدنيين.
رصدت عنب بلدي في هذا التحقيق أبرز الانتهاكات في المنطقة على يد عناصر “الجيش الوطني”، وحاولت مناقشة أسبابها، ودور القيادات و”الحكومة المؤقتة” في ضبطها، إلى جانب دور تركيا التي تدعم “الجيش”، ومدى توفر حلول لها.
انتهاكات الشمال تفتح باب السجالات..
من المسؤول.. “الجيش الوطني” أم فصائله؟
برزت الاشتباكات بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا في شمالي سوريا، كحدث متكرر يشي بأن وحدتهم تحت جسم عسكري واحد تشوبها كثير من العراقيل.
منذ آذار الماضي، رصدت عنب بلدي خمسة اشتباكات بين فصائل منضوية في “الجيش الوطني”، بعدة مناطق يسيطر عليها في ريف حلب، وأحدها في تل أبيض بريف الرقة الشمالي.
أول الاشتباكات كان بين فصيلي “أحرار الشرقية” و”الجبهة الشامية”، عند معبر بوابة تل أبيض الحدودية مع تركيا بريف الرقة الشمالي، ولم يصدر عن الفصيلين توضيحات حول الاشتباك.
وبعد عشرين يومًا دارت اشتباكات بين الشرطة الخاصة (الكوماندوز) التابعة لـ”الجيش الوطني” وعنصرين من “أحرار الشرقية”، في أحد أسواق مدينة الباب شرقي حلب، خلال إخلاء الشرطة الشوارع في مدينة الباب، بعد إصدار المؤسسات المحلية قرارًا بإغلاق الأسواق، ضمن عدة إجراءات لمنع تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ما أدى إلى مقتل عنصر من الشرطة.
وانتهت الاشتباكات بعملية صلح بحضور قيادات عسكرية ووجهاء عشائر ورجال دين في مدينة الباب، وقضت بإفراج الطرفين عن الموقوفين خلال الاشتباكات، وإعادة تسلم الشرطة الحواجز التي سيطر عليها عناصر “الشرقية”.
الاشتباك الثالث كان بين “أحرار الشرقية” و”الفرقة 20″ وبدأ عند معبر “عون الدادات” الفاصل مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في 30 من نيسان الماضي، واستمر حتى فجر 2 من أيار الماضي، ووصل إلى مدينة جرابلس، كما تدخلت فيه عدة فصائل ضمن “الجيش الوطني” إلى جانب “الفرقة 20″، وهدأت بعدها الأمور حتى عقد صلح في مدينة الباب أنهى التوتر في 14 من أيار الماضي.
وتوالت عقب ذلك الانتهاكات والاشتباكات بين الفصائل، أبرزها كان بين “فرقة الحمزات” و”الجبهة الشامية” في مدينة الباب بريف حلب، وقُتل على إثرها مدنيان بينهما امرأة وأُصيب آخرون، نتيجة الخلاف على عمليات التهريب، كما جرت اشتباكات بين عناصر من “فرقة الحمزات” وبعض المهجرين من الغوطة الشرقية بريف دمشق، نهاية أيار الماضي، بسبب رمي عناصر من الفرقة قنبلة يدوية على أحد المجال التجارية بعد رفض صاحب المحل بيعهم.
كما رصدت عنب بلدي خلال الفترة الماضية اعتقالات لمدنيين على يد “الجيش الوطني” بأرياف حلب، يضاف إليها السيطرة على الأملاك مقابل دفع “إتاوات” للمستأجرين الجدد، تركزت في منطقة عفرين شمال غربي حلب.
ووثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” اعتقال “الجيش الوطني” والأجهزة الأمنية في منطقة عفرين 43 شخصًا في نيسان الماضي، أُفرج عن 30 شخصًا منهم بعد دفع أقاربهم وذويهم مبالغ مالية كفدية أو كفالة، بينما نُقل بعضهم إلى مراكز أخرى وقيادات نواحٍ، ولا يزال مصير 13 منهم مجهولًا.
كما وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” اعتقال فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني) 405 مدنيين بينهم 20 طفلًا و19 امرأة خلال عام 2019.
كل هذه الانتهاكات والاشتباكات، وما رافقها من غضب شعبي وخروج متظاهرين ومطالبات بخروج بعض الفصائل من تلك القرى والبلدات، دفعت إلى البحث عن المسؤول عن عدم ضبط عمل الفصائل.
“الجيش الوطني”.. المأسسة غائبة
في 4 من تشرين الأول 2019، ظهرت في مدينة شانلي أورفة التركية على الحدود السورية مجموعة من القادة العسكريين في المعارضة السورية، ليعلنوا تشكيل “الجيش الوطني السوري” بقيادة وزير الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” ورئيس هيئة الأركان، سليم إدريس.
ولاقى التشكيل حينها ترحيبًا كبيرًا من قبل شريحة واسعة من المعارضين السوريين، كونه جاء بعد ثماني سنوات من دعوات متكررة للفصائل كافة، بنبذ الخلافات بينها والتوحد تحت كيان عسكري واحد، يكون في مواجهة التطورات العسكرية على الجغرافيا السورية في وجه قوات النظام السوري المدعومة من قبل روسيا والميليشيات الإيرانية.
وعلى الرغم من الترويج لـ”الجيش الوطني” على أنه “جسم عسكري واحد”، ما زال يعاني من ضعف القيادة المركزية ونقص قدرتها على ضبط الأمن والحد من التجاوزات، ويفتقد إلى حالة المؤسسة العسكرية التي تفرض وتنفذ قراراتها، وتفرض ذلك على الفصائل المنضوية ضمنها، بحسب محللين عسكريين ومسؤولين في “الجيش الوطني “التقتهم عنب بلدي للوقوف على الأسباب والمسؤول الأول والمباشر عن ضبط هذه الانتهاكات.
واتفق المحللون على أن الانتهاكات الأخيرة للفصائل تعود إلى عدة أسباب، منها ما هو متعلق بكيان “الجيش الوطني” وضعف الهيكلية والقيادة، وآخر متعلق بمنهجية وطبيعة الفصائل وغياب السلطة المركزية، إلى جانب الموقف الدولي الرافض لتحويل “الجيش الوطني” إلى مؤسسة عسكرية كبيرة.
يضم “الجيش الوطني السوري” الجديد كلًا من “الجيش الوطني” الذي شُكّل في كانون الأول 2017، إلى جانب “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي شُكّلت من 11 فصيلًا من “الجيش الحر” في محافظة إدلب، في أيار 2018.
وعقب عملية الاندماج الأخيرة قبل سبعة أشهر، أصبح “الجيش الوطني” يتألف من سبعة فيالق، ثلاثة لـ“الجيش الوطني” وأربعة ستُشكل من “الجبهة الوطنية”، بتعداد يصل إلى 80 ألف مقاتل، بحسب ما أعلنه “الائتلاف المعارض” التي تتبع له “الحكومة المؤقتة”، في وقت سابق.
محللون: “جيش بالاسم”
المحلل العسكري، العقيد المنشق زياد حاج عبيد، يرى أنه رغم اندماج فيالق “الجيش الوطني”، لم يتم التفاعل معه بشكل كبير، وما زال مشروعًا قيد العمل ولم يأخذ دوره، معتقدًا أن “الجيش الوطني مسمى فقط، وفاعليته أقل من 50%، ولم يأخذ دوره حتى الآن”.
وحمّل عبيد المقيم في تركيا “الحكومة السورية المؤقتة” ورئيسها والوزراء، وخاصة وزيري الدفاع والداخلية، إضافة إلى “الائتلاف المعارض” الذي يعتبر الواجهة السياسية، مسؤولية الفوضى التي تضرب بعض مناطق الشمال السوري وما يحدث من انتهاكات.
كما حمّل المحلل العسكري، اللواء المتقاعد محمود علي، المقيم في تركيا، المعارضة بشقيها السياسي والعسكري والداعمين مسؤولية منع قيام مؤسسات حقيقية لدى الثورة السورية، “من أجل منع انتصارها وسوقها باتجاهات مختلفة لحرفها عن الأهداف التي خرجت الثورة من أجلها، وهذا ما ثبت خلال السنوات السابقة”.
وأشار في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن “المعارضة دمرت المؤسستين العسكريتين، وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، ولم تستوعب الضباط المنشقين من الجيش والشرطة والأمن في تنظيم ومؤسسات حقيقية، ودمرت الأسس التي تقوم عليها المؤسسات العسكرية من التراتبية العسكرية والمهنية والاحترافية، واستخدمت أشخاصًا غير مهنيين، وهذا ما أدى إلى ما وصلنا إليه”.
وكان وزير الدفاع، اللواء سليم إدريس، أعلن عن وجود خطة لتنظيم “الجيش الوطني”، والانتقال به من الحالة الراهنة إلى “حالة عسكرية كاملة”، وقال في لقائه مع “التوجيه المعنوي”، في 5 من أيار الماضي، إن “الخطة ستنفَّذ بالتنسيق مع قادة التشكيلات وقيادات من جميع المستويات”، وإن الجهد والعمل الذي بذله القادة والمقاتلون في التشكيلات الحالية لـ”اـلجيش الوطني”، سيُبنى عليه في خطوات الانتقال إلى “الحالة العسكرية الكاملة”.
“الجيش” يرد.. ما مشكلاته
للحصول على رد حول دور “الجيش الوطني”، تواصلت عنب بلدي مع رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، سليم إدريس، الذي اعتذر عن عدم إعطاء أي تصريح في الوقت الحالي، كما حاولت التواصل مع قياديين عسكريين في الفيالق الثلاثة المشكّلة لـ”الجيش” دون تجاوب.
أما مدير إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري”، حسن الدغيم، وفي رد على سؤال حول إشكاليات “الجيش” وهيكليته، أكد عدم وجود السلطة المركزية، وضعف “الحكومة السورية المؤقتة”، وعدم هيكلة وزارتي الداخلية والدفاع والفصائل بشكل كامل، معتبرًا أن الفصائل تحولت إلى ألوية ثم إلى فيالق، ويجري الآن تحويل هذه الفيالق إلى جيش، وهذه مسألة تحتاج إلى سياق زمني له تحدياته ومطباته.
“لا نستطيع أن نقول إننا وصلنا في حالة المأسسة إلى درجة ممتازة في الجيش الوطني، كما أننا لا نستطيع أن نعتبر أنه اسم فقط”، بحسب قول الدغيم، مرجعًا ذلك إلى وجود إدارة القضاء العسكري، وإدارة الشرطة العسكرية، وإدارة هيئة الأركان، وإدارة “التوجيه المعنوي”، والمحاكم المدنية والعسكرية، إضافة إلى اجتماعات دورية لـ”الحكومة” وقيادة “الجيش” الذي يلتزم بالسياسات العامة لـ”الحكومة”.
وبحسب الدغيم، فإن “الجيش الوطني منذ تسعة أشهر لم يصدر أي بيان سياسي، وتتولى الحكومة والائتلاف إصدار البيانات السياسية، وهذا مؤشر مأسسة. أيضًا التوجيه المعنوي عندما يريد إصدار أي رأي حول قضية خارج اختصاصه يتصل بوزير الدفاع”.
كما أن “قضايا السلم والحرب، وفتح وإغلاق معركة، وإرسال مؤازرات للجبهات، كلها تتم عن طريق وإدارة قيادة الأركان الموحدة”، بحسب الدغيم، الذي أكد أن هدف القيادة في المستقبل القريب، والذي تعمل لأجله هو هيكلة الفرق، بحيث يكون قائد الفرقة هو قائد كل الألوية المنضوية تحته.
أيديولوجيات متعددة.. “الحق على الفصائل”؟
إلى جانب ضعف القيادة المركزية، تبرز عدة أسباب لتزايد الانتهاكات، بعضها يتعلق بالواقع المعيشي المتردي، وبعضها الآخر يتعلق بتعدد الأيديولوجيات المختلفة والولاءات المتعددة للفصائل.
وحدد مدير إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري”، حسن الدغيم، عدة أسباب إضافية لما يجري بين الفصائل، أولها التهجير القسري ووصول آلاف الأشخاص والمقاتلين من عدة مناطق في سوريا إلى الشمال السوري، الأمر الذي فرض واقعًا مغايرًا جراء تعدد المكونات، سواء عشائرية أم مناطقية، وصعوبة الاندماج بين المكونات الاجتماعية.
كما أسهم في ذلك، المستوى المعيشي وتدني مستوى دخل الفرد، والانقطاع عن التعليم، وغياب الحاضنة التربوية والأسر المتماسكة أو المدارس، والتحاق المقاتلين في الفصائل دون تعليم، وتعطل وسائل الإنتاج، واعتماد أغلبية الشعب على المساعدات الإنسانية، كل ذلك أدى إلى “زيادة البطالة التي تعتبر نصف الرذيلة”، بحسب الدغيم.
ومن الأسباب التي حددها مدير “التوجيه المعنوي” أيضًا، عدم فهم القانون من قبل المقاتلين، الذين يظن بعضهم أنهم السلطة، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت، بحسب الدغيم، الذي قال إن “الثائر الحامل للسلاح ويقف على حاجز للشرطة المدنية، يحتاج إلى بعض الوقت ليدرك أن الشرطة تمثل القانون”.
وأضاف أن تعريف القانون يتم عبر برامج التوعية والمحاضرات ومدوّنات السلوك التي تعمل على تعريف المقاتل بأن الشركة المدنية والعسكرية لها عليه ولاية شرطية، والقاضي له عليه ولاية قضائية، ويتبع لحكومة لديها معاهدات واتفاقيات سياسية، ويجب على المقاتل الانصياع لأوامرها، الأمر الذي يتطلب بعض الوقت من الانتقال من “عقلية الثورة إلى عقلية الدولة وهيكلة مؤسسات الأمن، وما يلزمها من قوة وحصانة قانونية”.
في حين أرجع العقيد زياد حاج عبيد أسباب الاشتباكات إلى “التنوع الفكري” في الريف الشمالي، الذي يضم جميع الشرائح السورية من المحافظات كافة، إضافة إلى أن “عدم ترابط وتجانس الفصائل مع قيادة عسكرية واحدة، وواجهة سياسية للثورة، خلق التنافس على مناطق معينة، والتناحر والصراع على المال والمكتسبات المادية”.
وأكد المحلل العسكري، اللواء محمود علي، على عدم انضباط الفصائل وممارستها أعمالًا سيئة، نتيجة قيادتها من قبل أشخاص غير مهنيين وليسوا ضباطًا محترفين، قائلًا “نحن نحترم ثوريتهم لكن لا يتمتعون بأي نوع من الانضباط، لا داخلي ولا خارجي على الإطلاق، ويتصرفون عبر منافع شخصية بحتة، وعبر ولاءات لا تمت للثورة بصلة، وهذا الموضوع ستكون له في المستقبل انعكاسات خطيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ثورة الحاضنة الشعبية ضدهم وطردهم”.
العقوبات لها حد.. ولكل فصيل قاض
من يحاسب من؟
يثير ﺣﺠﻢ اﻻﻧﺘﻬﺎﻛﺎت من قبل الفصائل ﺗﺴﺎؤﻻت ﺣﻮل وﺟﻮد ﺟﻬﺔ تحاسبهم، إذ إن غياب المساءلة والمحاسبة والمراقبة قد يدفع بعناصر الفصائل إلى ارتكاب مخالفات وانتهاكات، ووجودها قد يحسّن الوضع الأمني في المنطقة.
مدير إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري”، حسن الدغيم، أكد لعنب بلدي وجود “سلطة تحاسب” داخل “الجيش”، مدللًا على ذلك “بنحو 750 ادعاء وقضية مفتوحة في دائرة القضاء العسكري، ونحو 850 سجينًا من المجرمين وشبكات مخدرات داخل السجن، إضافة إلى وجود أكثر من 400 عنصر على مستوى المنطقة يتبعون للجيش الوطني، اعتُقلوا بجرائم جنائية أو جنح أو مخالفات”.
وتوجد ﺳﺖ دواﺋﺮ ﻟـ”قضاء اﻟﻔﺮد اﻟﻌﺴﻜﺮي” ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟـ”اﻠﺠﯿﺶ اﻟﻮﻃﻨﻲ”، وﺗﺘﻮزع ﻓﻲ ﻣﺪن اﻟﺒﺎب وﺟﺮاﺑﻠﺲ واﻋﺰاز وﻋﻔﺮﯾﻦ وﺟﻨﺪﯾﺮس وراﺟﻮ، بحسب الدغيم، وﺛﻼثة ﻗﻀﺎة ﺗﺤﻘﯿﻖ، وﻣﺤﻜﻤﺔ ﺟﻨﺎﯾﺎت ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ في اﻋﺰاز، ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف ﻧﺎﺋﺐ ﻋﺎم ﺑﺮﺗﺒﺔ ﻋﻤﯿﺪ، ورﺋﯿﺲ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﺑﺮﺗﺒﺔ ﻋﻘﯿﺪ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻣﺤﺪﺛﺔ ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ رأس اﻟﻌﯿﻦ ﻏﺮﺑﻲ اﻟﺤﺴﻜﺔ.
ما أقصى العقوبات؟
عنب بلدي تواصلت مع ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻔﺮد اﻟﻌﺴﻜﺮي في جنديرس، ﺻﻼح اﻟﺴﻠﯿﻤﺎن، وقال إن ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺤﺎﻛﻢ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﺷﻜﺎوى ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ أو اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ، وﺗﺤﯿﻞ الموقوفين إﻟﻰ اﻟﺸﺮﻃﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ﻟﻠﺘﺤﻘﯿﻖ ﻣﻌﻬﻢ، وﺗﻘدم المتهمين ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﻘﻀﺎء، وﺗﺠﺮي ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻬﻢ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻮﻗﻮﻓﯿﻦ أم طلقاء، ﺣﺴﺐ ﻃﺒﯿﻌﺔ اﻟﺠﺮم، وﻓﻖ أﺣﻜﺎم ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻟﺴﻮري وأﺻﻮل اﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺎت اﻟﺠﺰاﺋﯿﺔ.
وأكد أنه عقب صدور الأحكام ومشاهدتها من النائب العام العسكري أو تصديقها، تُرسل للشرطة العسكرية للتنفيذ وإلقاء القبض على المحكومين، مشيرًا إلى أنهم يعانون في الوقت الحالي من عدم تنفيذ أحكام الإعدام كعقوبة رادعة، لعدم الأحقية بتنفيذها، كون نص القانون يقتضي توقيعه من رئیس الجمهورية، وذلك غير ممكن، لذلك يبقى المحكومون بالإعدام قابعين في السجون ريثما يتحقق الأمر المطلوب، مبينًا أن نحو 50 حكم إعدام صادرًا عن نيابة اعزاز في انتظار التنفيذ.
الفصائل ولاة مقاتليها؟
يرى ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻔﺮد اﻟﻌﺴﻜﺮي في جنديرس، ﺻﻼح اﻟﺴﻠﯿﻤﺎن، أن هناك عدم تنظيم من الفصائل العسكرية، منتقدًا استجابة الفصائل لتنفيذ الأحكام وضعف المذكرات القضائية، لأن تنفيذ المذكرات القضائية والأحكام، بحسب ما شرحه لعنب بلدي، یكون عن طريق الشرطة العسكرية “التي تعاني من عرقلة الفصيل، وقلة الاستجابة، وعدم تسليم المطلوبين، والتي تتجنب أحیانًا الاصطدام مع الفصيل، لذلك تترك الشرطة العسكرية المطلوب دون اعتقال، وربما يسهل الفصيل فرار المطلوب، ويصرح بأنه فُصل من صفوفه، وفي هذه الحالة تضطر المحكمة لإجراء محاكمة غيابية، وتعميم الحكم على أمل إلقاء القبض على المتهم”.
كما أن الفصائل، بحسب السليمان، لديها قضاء داخلي تحاكم المخالفين وفق أعرافها، ويمتنع الفصيل بسبب ذلك أحيانًا عن تسليم المطلوبين، بحجة أنهم موقوفون لدواعٍ أمنية، ويمكن للفصيل إيقاف المتهم لعدة أشهر وربما سنوات دون محاكمة علنية عادلة تتيح له الدفاع عن نفسه وتوكيل محامٍ، كما يطلق أحیانًا سراح عناصر متهمين دون إكمال مدة العقوبة، إضافة إلى أن من يقضي ويحاكم في الفصائل غالبًا ليس لديه علم أو خبرة بالقضاء، وغير ملمّ بطرق التوثيق وحفظ الأمانات الجرمية والوثائق والأرشفة.
ويرى السليمان أن حل كل ذلك يكمن في دور فاعل لـ”الحكومة السورية المؤقتة” ووزارة الدفاع، يلزم جميع الفصائل بضرورة ضبط وتنظيم عناصرها بجيش موحد، والالتزام بالقوانين والأنظمة، والتعامل مع القضاء بإيجابية.
الانتهاكات كثيرة
أكد قائد الشرطة العسكرية في ناحية جنديرس التابعة لمدينة عفرين، الرائد إبراهيم الجاسم، أن حجم الانتهاكات والتعديات على السكان “كبير”، وقال لعنب بلدي، “تتابع الشرطة العسكرية أي شكوى سریة من الأهالي أو علنية من خلال المراقبة”.
وأضاف الجاسم أن الشرطة العسكرية تنفذ إجراءات كثیرة، من ضمنها حملات توعية للمقاتلين، وتسليم عناصر إلى القضاء العسكري، إذ لا يسمح لهم بترك أي موقوف لمدة أكثر من 48 ساعة، مشيرًا إلى أن 107حوادث مسجلة في جندیرس والقرى التابعة لها فقط منذ بداية عملهم.
كما علمت عنب بلدي من عسكري وقيادي سابق في أحد الفصائل (تتحفظ عنب بلدي على نشر اسمه)، أن مؤسسة أمنية تركية- سورية تنشط في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” شرق الفرات، لكنها لا تتبع له، تلاحق أصحاب الانتهاكات وتوثقها، ومهمتها القبض على المتهمين وتحویلهم إلى المحكمة العسكریة لتتابع قضیتهم.
ولم یذكر المصدر عدد الموقوفين، لكنه أكد أنه “كبیر”، مشیرًا إلى “استمرارهم في عملهم لوقف الانتهاكات والحفاظ على الأهداف الحقیقیة التي أُسست من أجلها تلك الفصائل.
تركيا.. الحاضرة الغائبة
لا يمكن، عند الحديث عن المعارضة عسكريًا، إغفال الحديث عن الدور التركي، كونها تعتبر الداعم الأول لفصائل “الجيش الوطني”، والمسؤولة عن المنطقة وأمنها أمام المجتمع الدولي، فهي من الدول الضامنة في محادثات “أستانة” إلى جانب روسيا وإيران الداعمتين للنظام السوري.
ووُجهت اتهامات كثيرة إلى تركيا من قبل مواطنين وناشطين لعدم جديتها في هيكلة “الجيش الوطني”، إضافة إلى أن اختيار القيادات العسكرية لم يكن فاعلًا بشكل جيد، وحتى اليوم هناك ثغرات لم تُحل، بحسب المحلل العسكري زياد حاج عبيد، الذي يعتبر أن تعدد الذين يعملون في الملف السوري من قبل الأتراك، وعدم تطابق وجهات نظرهم في رؤية صحيحة موحدة أدى إلى خلق مشاكل.
لكن مدير إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري”، حسن الدغيم، يعتبر أن الموقف التركي داعم للفصائل، إذ “أسهمت تركيا في توحيد الفصائل تحت جسم الجيش الوطني، وجمعت أكثر من 45 قائد فصيل، كما تعطي تمويلًا وأحيانًا تحاسب وتعاقب الفصائل ماليًا، وتلقي القبض على المفسدين”.
لكن “تركيا ليست سيدة العالم”، بحسب قوله، و”هناك خطوط حمراء وحدود قاسية رُسمت لها من قبل الروس، الذين يهددون بنسف اتفاقات أستانة وسوتشي، والسماح للإيرانيين باستباحة المنطقة، في حال دعم الحكومة المؤقتة أو الجيش الوطني أو أي مكوّن وطني للثورة السورية، لذلك ربما يكون هناك بعض التنازل من قبل تركيا”.
استطلاع الرأي
ويعتبر الدغيم أن من “مصلحة تركيا والمعارضة أن يكون هناك جيش وطني وحكومة واحدة، لكن هناك محاولة عرقلة الجهود التركية في المنطقة، من أجل تأهيل النظام السوري”.
ما الحلول؟
في زحمة المشاكل والخلافات بين الفصائل، وما نتج عنها من بدء فقدان تأييد الحاضنة الشعبية لها، لا بد من سرعة إيجاد الحلول الجذرية لهذه المشاكل التي إن تُركت قد تؤدي إلى زيادة حالة التشرذم والتفكك، وأول هذه الحلول، بحسب العقيد زياد حاج عبيد، إصلاح رأس الهرم وهو “الائتلاف المعارض”، ثم إصلاح “الحكومة السورية المؤقتة” وأخذ دورها بشكل كبير، إضافة إلى تشكيل جسم عسكري موحد يقود الفصائل ويعمل بآلية واضحة”.
كما أكد عبيد على أهمية إعطاء دور للمؤسسات المدنية وللشرطة والقضاء العسكري، وجلب أصحاب الخبرات السابقين من ضباط وقادة ومفكرين وسياسيين وعسكرين من كل الشعب للتعاون من أجل القيام بهذه المرحلة الصعبة، مشددًا على أنه يجب خلال الأيام المقبلة العمل على استقلالية عمل المؤسسات.
أما مدير إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري”، حسن الدغيم، فأشار إلى دور “الحكومة” والإعلام والمحاضرات التثقيفية لمدونة السلوك التي وضعها “الجيش”، و”طُبعت ألف نسخة ورقية منها، ووُزعت على الحواجز المنتشرة، إضافة إلى القيام بـ150 جولة و30 دورة تدريبية على يد 100 موجه في التوجيه المعنوي، لشرح ما مدونة السلوك، وكيفية تطبيقها”.
لكن أول خطوة، بحسب الدغيم، هي اتباع سياسة “ملء الفراغ” والإصلاح في هيكلية الجيش، بوضع خريطته من قيادة الأركان والشرطة العسكرية و”التوجيه المعنوي” وأنظمة الخدمة والفرز والتعيين والرواتب، ثم البدء بإصلاح كل قسم، لأنه “طالما لم تنتصب الخريطة لن يتم الإصلاح”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :