روسيا ترسم خريطة طرق جديدة لإنقاذ النظام السوري اقتصاديًا

  • 2020/06/07
  • 12:00 ص

افتتاح الطريق بين الحسكة وعين عيسى في 25 من أيار 2020 (روسيا اليوم)

عنب بلدي – تيم الحاج

انصب اهتمام روسيا، خلال شهري أيار الماضي وحزيران الحالي، على إيجاد متنفس اقتصادي وتجاري للنظام السوري عبر الطرق التجارية في شمال شرقي سوريا.

تراقب موسكو من كثب اقتراب موعد تطبيق قانون “قيصر” الأمريكي. ويأتي هذا الضيف، “غير المرغوب به” من قبل من سيلاحقهم، في حين يعيش اقتصاد النظام صراعًا لإبقاء الليرة السورية على قيد الحياة، بعد الانتكاسات الكبيرة التي تعرضت لها، على ضوء الخلاف الداخلي مع ابن خال بشار الأسد ورجل الأعمال رامي مخلوف، الذي مهد له توبيخ وانتقاد شنته وسائل إعلام روسية على طريقة إدارة الأسد للصراع في بلاده.

وتمكنت روسيا من فتح ثغرة على الطريق الدولي “M4″، في 25 من أيار الماضي، ساعدت في وصول الشاحنات التجارية والحافلات المدنية من مدينة عين عيسى بريف الرقة إلى محافظة الحسكة، بعد اتفاق مع القوات التركية التي تشرف على هذا الطريق من جهته الشمالية.

بالتوازي مع هذه الخطوة، أعلنت الشرطة العسكرية الروسية عن فتح الطريق بين محافظتي حلب والرقة، في 30 من أيار الماضي، تخلله افتتاح معبر نهري (البو عاصي- شعيب الذكر) بين مناطق النظام جنوبي الرقة ومناطق “الإدارة الذاتية” شمالًا، ويقع المعبر غرب مدينة الطبقة، وسيعبر منه سكان الرقة ومنطقة شمال نهر “الفرات” عمومًا للوصول إلى الطريق المتجه نحو حلب.

الفائدة المرجوة

يرى الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله، في تنشيط الطريق الدولي “M4” مجموعة من الأهداف الاقتصادية والسياسية التي تسعى موسكو لتحقيقها، منها تمهيد الوضع لعودة الحياة الاقتصادية لهذه المنطقة، التي يعاني أبناؤها من ضائقة اقتصادية كبيرة، ومستويات مرتفعة من الفقر والبطالة، إضافة إلى سعيها لبناء صورة إيجابية لنفسها أمام أبناء المنطقة، وبشكل خاص أبناء العشائر، ما يتيح لها ترسيخ أقدامها بشكل أكبر مع وجود دعم كبير من هذه الشريحة المجتمعية.

كما ترغب موسكو باستثمار خطوة فتح هذا الطريق لتسهيل استقطاب عناصر من المنطقة، إذ تسعى منذ أشهر لتشكيل ميليشيات عسكرية تحت إشرافها لمزاحمة “الإدارة الذتية” المدعومة أمريكيًا، لتقليل سطوتها قدر الإمكان على هذه المناطق.

اقتصاديًا وضمن الرؤية المستقبلية، يعتقد العبد الله أن موسكو تريد من طريق “M4” توسيع نطاق سيطرتها والاقتراب أكثر من حقول النفط، من خلال الدوريات التي تقوم بتسييرها على هذا الطريق، والاعتماد كذلك على توظيف ميليشياتها المحلية لخدمة هذا الهدف. وشهدت الفترة الماضية محاولات عدة من قبل الدوريات الروسية للاقتراب أكثر من حقول النفط، قابلها رفض من قبل القوات الأمريكية، لذا تحاول موسكو الاعتماد على وجود دعم محلي لها من أبناء المنطقة لتحقيق هذا الهدف، وكذلك من خلال تحريضها السكان المحليين على رفض وجود القوات الأمريكية.

ووفق تحليل بياني أعدّه موقع “COAR “، الذي تشرف عليه مجموعة من المختصين والخبراء الذين يقدمون دراسات وتحليلات حول سوريا، بشكل أسبوعي، فإن فتح طريق “M4” بين الحسكة وعين عيسى يعتبر الحدث الأبرز للتعاون السياسي “البراغماتي” بين “الإدارة الذاتية” والنظام السوري في الآونة الأخيرة.

ويعتبر التحليل أن التعاون يشكل تطورًا على الصعيد التجاري أيضًا، باعتبار “M4” هو الشريان الرئيس للتجارة والتنقل ووصول المساعدات الإنسانية في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تعتبر من المناطق الغنية بالموارد والقليلة بالسكان.

ومن الجوانب اللافتة في التعاون بين “الإدارة الذاتية” والنظام، أنه يأتي في ظل انهيار الاقتصاد السوري بسبب الانخفاض الشديد لقيمة الليرة السورية، ما يجعل للحركة التجارية أهمية كبيرة الآن، وفق التحليل.

النشاط التجاري بين الحسكة وعين عيسى

وفق تأكيدات من مسؤولي “الإدارة الذاتية” وأمام صمت تركي، فإن طريق “M4” لم يُستأنف العمل به، بعد توقف دام سبعة أشهر، دون وجود ضوء أخضر من الجيش التركي المشرف عليه.

ويرى الباحث الاقتصادي محمد العبد الله، أن وراء التوافق التركي- الروسي لفتح هذا الطريق، تكمن مصلحة مشتركة بين أنقرة وموسكو لتنشيط العمل التجاري، الذي ستكون عوائده كبيرة للولايات التركية الجنوبية، عبر السماح لها بتصدير منتجاتها لأسواق هذه المنطقة تحت الإشراف الروسي، وصولًا إلى المناطق العراقية.

ولفت إلى أن أسواق هذه المناطق هي أسواق استهلاكية متعطشة للسلع، مع انخفاض قدراتها الإنتاجية بشكل كبير لجميع أصناف السلع والمواد الغذائية والدوائية، تزامنًا مع الارتفاع في أسعارها.

وأوضح أن هذه الحالة ستؤدي إلى تلبية متطلبات السكان من السلع وانخفاض أسعارها، مع الأخذ بعين الاعتبار استثناء مناطق “الإدارة الذاتية” من قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”.

ووفق تحليل موقع “COAR “، فإن النشاط التجاري عبر “M4” في شمال شرقي سوريا يركز هذه الأيام على مبدأ قانون العرض والطلب، وعلى العلاقات بين الأطراف المؤثرة في المنطقة.

وأضاف الموقع أن مناطق سيطرة النظام تستورد من مناطق “الإدارة الذاتية” النفط الخام، بشرط إعادة جزء منه على شكل مواد مكررة مثل المازوت.

كما يصدّر معظم القمح من “الإدارة” الى مناطق النظام مقابل إعادة الطحين، إضافة إلى وجود حركة تهريب بعض القمح إلى إقليم كردستان العراق، وفق الموقع.

ولفت إلى أن فترات التفتيش الطويلة على طريق “M4” أدت إلى فساد البضائع الحساسة السريعة العطب مثل الفاكهة والخضراوات، حيث تخضع هذه البضائع للتفريغ وإعادة التحميل على الشاحنات ما يؤدي إلى فسادها، إذ يقوم كلا الطرفين المشرفين على الطريق (النظام والإدارة الذاتية) بفرض رسوم شحن، ما سينعكس على المستهلك من خلال رفع سعر المنتجات.

 قانون “قيصر” يسرع خطوات موسكو

ينتظر كل من النظام السوري وروسيا وإيران تشريعًا أمريكيًا، يدخل حيز التنفيذ منتصف حزيران الحالي، ويفرض عقوبات إضافية على النظام وداعميه والمتعاملين معه.

التشريع الجديد الذي يسعى لتقديم كل المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، يسمى بـ”قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، وأُدرج في موازنة الدفاع الأمريكية لعام 2020، لتفادي أي عرقلة جديدة في الكونغرس بعد أكثر من خمس سنوات على كتابته وصياغته.

وبحسب الباحث الاقتصادي محمد العبد الله، فإن موسكو تعمل جاهدة خلال الفترة الحالية على تسريع جميع الإجراءات المتعلقة بفتح النشاط التجاري، قبل البدء بسريان قانون “قيصر”، آملة أن يسهم ذلك في تخفيف آثار العقوبات على النظام السوري.

ولفت العبد الله إلى أن استثناء مناطق “الإدارة الذاتية” من القانون أدى إلى منح كل من موسكو وحلفائها في المنطقة، والشبكات الاقتصادية المحلية المتعاونة معها ومع النظام في هذه المناطق، إمكانية أكبر للالتفاف على هذه العقوبات، بدءًا من الحدود العراقية وصولًا إلى مناطق النظام.

وقال العبد الله إن موسكو والنظام يعوّلان بشكل كبير على هذه الشبكات التي استطاعت خلال السنوات الماضية اكتساب خبرة كبيرة في عمليات التهريب، سواء للمشتقات النفطية والقمح وغيرها من السلع الاستراتيجية، التي يمكن أن تساعد في التخفيف من الاختناق الاقتصادي للنظام، مشيرًا إلى وجود تنسيق وتعاون مستتر بين النظام و”الإدارة الذاتية” لتوريد النفط إلى مناطقه عبر هذه الشبكات سابقًا.

وستعوّل موسكو بشكل كبير على هذا الطريق مقارنة بالطريق الدولي “M5″، الذي يمكن ألا يؤدي الغرض المطلوب في حال سريان قانون “قيصر”، في ضوء حظر التعامل الرسمي للشركات الخارجية والمصارف مع مؤسسات النظام، لذا فإن هذا التعويل يستند بشكل أساسي إلى المساعدة في التخفيف من الآثار المستقبلية المتوقعة من قانون العقوبات، وفق العبد الله.

هل ستنجح روسيا

يعتقد الباحث الاقتصادي محمد العبد الله، أن نجاح موسكو في فتح طرق حلب- الرقة والحسكة- عين عيسى، مرتبط بعاملين أساسيين، أولهما مدى تمكنها من تأسيس حاضنة شعبية لها في هذه المناطق، وقدرتها على كسب ثقة المجتمع المحلي، من خلال عودة الحياة الاقتصادية وتأمين الخدمات العامة الأساسية، في ظل وضع معيشي متدهور.

وثاني هذه العوامل مدى جدية الطرف الأمريكي بتنفيذ قانون “قيصر”، ومدى قدرة واشنطن كذلك على إحداث الأثر المرغوب فيه جراء تطبيق القانون، ورضوخ النظام السوري سياسيًا، وهنا تعوّل موسكو والنظام، بحسب العبد الله، على عامل الزمن ودعم الحلفاء والشبكات الاقتصادية غير الرسمية لإفشال أثر هذا القانون، وبالتالي ستواصل موسكو سعيها للحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية في سوريا في ظل وجود ضوء أخضر أمريكي لها، سواء تعلّق الأمر بالسماح لها بفتح الطرق الدولية في جزئيتها الصغيرة، أو السيطرة الاقتصادية الكاملة مستقبلًا على المفاصل الحيوية لاقتصاد سوريا في جزئيتها الكبيرة.

مقالات متعلقة

  1. عام على قانون "قيصر".. أثرياء يزدادون ثراء في سوريا
  2. "أموال القصر".. وثائقي يرسم شبكة النظام السوري الاقتصادية بمواجهة العقوبات
  3. من بينها توقيع الاتفاقية مع إيران.. شعبان تحدد خيارات مواجهة قيصر
  4. بعد رسالته إلى الأسد.. هل تتصاعد أزمة رامي مخلوف في سوريا

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية