موسى عليه السلام وفرعون الطاغية:
موسى عليه السلام ثائرًا.. ثائرًا ضد الظلم والاستبداد والطغيان ثائرًا على إحدى أكبر طواغيت عرفتها البشرية فرعون الطاغية الذي عثى وتجبر وبغى وقسم بين رعيته واستضعف طائفة منهم وهم شعب بني اسرائيل
يبدو أن الأنبياء والمرسلين هم المعلمون الأوائل للثوار والثائرين.. حيث كانوا صف المواجهة الأول في تغيير المعتقدات والواقع بشكل جذري نحو الأفضل كان أمرًا غاية في الصعوبة على كليم الله موسى عليه السلام أن يحمل رسالة إلى مجتمع ألف فيه أبناؤه عيشة ومعتقدات آبائهم، لكن صعوبة الموقف لم يمنعه من أن يصدح بما آمن واعتقد به.. لم يمنعه من أن يسعى في رفع الظلم والأذى الذي لقيه قومه على يد فرعون وملئه.
اندفع بإيمان حاملًا رسالة إلى إحدى أعتى طغاة العالم.. رسالة تؤكد على الحرية والعدالة والأخوة الإنسانية رسالة ترفض استبداد الإنسان لأخيه الإنسان.. لكن فرعون جحد بدعوة موسى واستمر في طغيانه وعناده لا بل جنح إلى استعمال سلطانه وسطوته مهددًا موسى (لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنك من المسجونين)..
كما وهبّ الملأ من قوم فرعون لطاغيتهم قائلين لفرعونهم (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض).. من المفسد؟! هل موسى عليه السلام الذي يدعو إلى توحيد الله عزوجل وإزالة الطواغيت وهل دعوته لنشر الفضيلة ومحاصرة الرذيلة يكون هو المفسد؟! أم فرعون الذي طغى وتجبر؟!
فرعون من رفض زرع هذه القيم النبيلة في المجتمع.. هو حال الطغاة لا يحبون ذلك لأنهم يرون زعزعة لسلطانهم ولذا أضمروا ما أضمروا من العداوة لموسى عليه السلام وقومه، لا بل صرح الطاغوت فرعون (سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم).. هنا تبدو الاستعدادية الكاملة لأن يقوم الطاغية فرعون بالقتل وسفك الدماء ذليهتك الأعراض- ليودع من يشاء في غياهب السجون (لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنك من المسجونين)..
المهم هو..!! وإن كلفه ذلك ما كلفه وإن ضحى بشعبه كله بل وبلده.. هذا هو المنطق الفرعوني على مر العصور والأزمنة.. لدى كل الطغاة!!
موسى وقومه قلة مؤمنة مقابل كثرة متحكمة تمتلك جيشًا وجندًا وإدارات وأعوان..!! هنا شعر قوم موسى بالخوف وبدأوا بشكواهم لموسى.. فكان رد موسى عليه السلام لقومه (استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) نعم العاقبة للمتقين.. المؤمنين بقضيتهم وبحقهم في العيش بسلام وتآخي بعيدًا عن الظلم والاستبداد، لكن طبيعة النفس البشرية وضعفها جعلت قوم موسى عليه السلام يردون عليه بأن (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) فالإيذاء مستمر والاستضعاف متواصل وكان الجواب: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) وبالفعل كانت نهاية هذا المتجبر الطاغية فرعون بصبر موسى وقومه وإصرارهم على نيل حقوقهم.
إذًا: الإيمان بقضية يحتاج إلى صبر ومتابعة وإصرار والإقبال على نصرة قضيتهم بقوة وإيمان وتوكل على الله.
كل انتهاكات فرعون وأعماله تستلزم حلًا سريعًا لزوال طغيانه وإنقاذ الناس من شرور أعماله لكن الله تعالى أراد أن يعلمهم قضية الأسباب والبذل والتدرج وغيرها من السنن الكونية.
وفي ضوء الاستفادة من سيرة موسى النبي الثائر على معتقدات ومفاهيم مجتمع سادت فترة من الزمن عقول وألباب الناس.. يجب على الشعوب الثائرة اليوم أن تعلم أين تضع قدمها فهي ليست ثورة ثم تنتهي المسيرة بل هي البداية إما تكون بداية تدشين لعهد جديد أو انتكاسة جماهيرية لأمة لم تستفد من الحركات الاجتماعية في التغيير ولم تفقه السنن الكونية.. لذلك لايمكن أن تعود إلى ما كانت عليه ولات ساعة مندم!