المجالس المحلية في المدن؛ ضمانة لاستقرار سوريا بعد الأسد
جريدة عنب بلدي – العدد 35 – الأحد – 21-10-2012
ظهر خلال شهور الثورة السورية الكثير من التشكيلات التي حاولت التعبير عن شكل الحراك الثوري ومكوناته، كان أهمها التنسيقيات كمعبر عن الحراك السلمي والمدني، والمجالس العسكرية كتعبير عن التشكيلات العسكرية التابعة للجيش الحر والثوار المسلحين. حيث عمل كلا الشكلين السابقين كقوتين ثوريتين منفصلتين غالبًا، وكان كلٌ منهما يعمل تحت قيادة خاصة، ولكلٍ أنصاره وداعموه، وفي أحسن الأحوال كان هناك تنسيق أو تشاور بينهما.
هذه التشكيلات السياسية والعسكرية كانت تعبّر عن مرحلة سياسية وظرف مرحلي تمر فيه الثورة. ولكن مع زيادة الخبرة والتجربة، والتعلم من الأخطاء المتكررة، أصبح لابد من وجود شكل مختلف عن هذه التشكيلات، يكون أساسه حاضنة شعبية كبيرة معبرة عن المدينة ككل، ويضم هذا الشكل كل الحراك الثوري السلمي والطبي والإغاثي، وأيضًا يشكل قيادةً عليا يخضع لها العسكريين، ويمثل «سلطة ظلٍّ» بديلة عن السلطة الحالية، إن كان على مستوى المدن أو المحافظات، إلى أن نصل إلى سلطة دولة كاملة بديلة عن سلطة النظام بعد سقوطه.
أحدث هذه التجارب؛ تتحدث عن مجلس محلي له مجلس رئاسي منتخب من أهالي المدينة، ومكاتب متخصصة تشمل كل مكونات وتشكيلات الثورة، إضافةً إلى مكاتب تعمل على سد النقص الذي ولّده تراجع دور الدولة في قطاعات الخدمات والصحة وغيرها. ويتراوح عدد المكاتب التابعة لمجلس بين ثمانية وأثني عشر مكتبًا، وتشمل الجوانب الإعلامي والسياسي والطبي والإغاثي والمالي والخدماتي والقانوني والحراك السلمي والعسكري… إلخ. ويشكّل مدراءُ المكاتب مع المجلس الرئاسي المكتبَ التنفيذي الذي يتخذ القرارات المصيرية التي تمس أمن المدينة وتحافظ على استقرارها. كما يكون عمل المكتب العسكري تابعًا تمامًا لسياسة المجلس المعلنة، ولايعمل بشكل منفرد. وبما أنّ هذا المجلس يمثل المدينة ككل وهي حاضنته الشعبية، فسوف يأخذ دورَ المحاسب دومًا لكل الأخطاء التي قد يتعرض إليها المواطنون أو غيرهم.
والمهم في هذا التشكيل الجديد هو تفعيل الآلية الديمقراطية، فلا رئاسة مدى الحياة. أي أن هناك انتخابات دورية لرئاسة المجلس وللمكاتب ولرؤسائها، وقد تُعيَّن مدة الرئيس بدورتين على الأكثر، كل دورة قد تستمر لعدة شهور. وهذا ينطبق أيضًا على المكتب العسكري الذي يحوي ضباطًا وقادة مجموعات ومدنيين. وتتولى الهيئة العامة (المكوِّنة للمجلس والمكاتب) المراقبة الدائمة ومحاسبة المجلس بشكل مستمر.
من المهم أيضًا أن هذه المجالس تستطيع استيعاب كل القدرات والطاقات والأعمار الموجودة، وتستطيع لملمة الفرقاء والتحزبات الناشئة التي تولِّد الكثير من التوتر والاحتقان الداخلي، في وقت لم تُولَد فيه الدولة الجديدة وقانون الأحزاب. كما يمكن من خلال هذا العمل توظيف كل القدارات الموجودة ضمنه (الإعلامية، الثورية والسياسية) في محاسبة كل من يخطئ، وبالذات المجموعات العسكرية التي تعمل بشكل منفرد وبدون أي تخطيط. فكل العمل يجب أن يصب في مصلحة المدينة. وإنّ علامة نجاح هذه التجربة (بشكل أساسي) هو وجود مجلس محلي واحد، وفي حال تعدده فهو دليل عدم النجاح في ذلك المكان، وعلى الأهالي الضغط بكل قوة حتى يتم توحيد كل العمل في مجلس يكون هو السلطة الوحيدة والبديلة للسلطة القائمة التي تتراجع يومًا بعد يوم.
ربما تعبّر هذه التجربة عن المرحلة الحرجة التي وصلت إليها البلاد من انفلات للأمن وتراجع دور الدولة في خدمة المواطنين، وتغذية النظام لكل أشكال الفتنة والاقتتال الداخلي، وعمله المستمر على تمزيق النسيج الاجتماعي للشعب السوري. أضف إلى ذلك، فإن هذا الشكل الثوري الجديد هو بمثابة سلطة بديلة جاهزة لتأخذ دورها عندما تصبح الفرصة مواتية، وأخيرًا هو ضمانة لاستقرار سوريا والانتقال لمرحلة مابعد الأسد بأقل الأثمان.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :