عنب بلدي – مراد عبد الجليل
لم تكن تعيينات المسؤولين السوريين في درعا على مدار السنوات الماضية اعتيادية، بل دفع إليها تغير السياقات في المحافظة، وخريطة النفوذ والسيطرة للأطراف المتنازعة، والقضايا الإشكالية التي تشهدها.
ومرت درعا منذ عام 2011 بعدة مراحل، بدأت باحتجاجات واسعة تعامل معها النظام السوري بعقلية أمنية، قبل أن تتحول إلى معارك بين “الجيش الحر” وفصائل مسلحة وبين قوات النظام المدعومة بميليشيات إيرانية وطيران روسي، وصولًا إلى “تسوية” عام 2018 بإشراف روسي.
في مطلع نيسان 2011، وبعد اندلاع الثورة السورية بقرابة أسبوعين، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا عيّن بموجبه، محمد خالد الهنوس، محافظًا لدرعا خلفًا لفيصل كلثوم، الذي أُقيل من منصبه مع عدد من القيادات الأمنية.
تعيين الهنوس، الذي ينحدر من ريف حماة وكان ضابطًا برتبة لواء، جاء في مرحلة فاصلة في المحافظة التي كانت تشهد غليانًا شعبيًا يطالب بمحاسبة الضالعين في قتل الأطفال، وخاصة رئيس الأمن السياسي، عاطف نجيب، المقرب من الأسد.
وكان الهدف من تعيين الهنوس تهدئة نفوس المحتجين آنذاك، كونه قضى معظم خدمته العسكرية في محافظة درعا، وكانت لديه علاقات واسعة مع أهالي ووجهاء المدينة، لكن مع استمرار التعامل مع المتظاهرين بالعقلية الأمنية، لم يغير الهنوس من الأمر شيئًا.
واستمر الهنوس في منصبه مع تطورات المشهد في المحافظة وتوسيع الفصائل سيطرتها على المحافظة، لكن دون ظهور، حتى توقيع اتفاق “التسوية” في 2018، ليبدأ تحركاته وتصريحاته الإعلامية حول تحسين الواقع الخدمي، عبر لقاءاته مع الأهالي وفعاليات مدنية.
لكن بعد الاتفاقية، تطورت الأحداث في درعا سلبًا، من ناحية الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية وعجز الحكومة عن تأمين أبسط المواد الأساسية من المحروقات والتيار الكهربائي، ما دفع الأهالي إلى لقاء المحافظ عدة مرات، لكن عبارة وجهها لهم المحافظ، مطلع عام 2019، تلخص عقلية التعامل مع مطالب المحافظة، إذ قال “هذا الموجود واللي مو عاجبو الحدود بتفوّت جمل”، بحسب ما نقله “تجمع أحرار حوران” حينها.
كما شهدت درعا حالة من الفلتان الأمني تمثلت بتصاعد الاغتيالات وعمليات الخطف، إلى جانب عدم تنفيذ النظام السوري مطالب “التسوية”، ما أدى إلى عودة الاحتجاجات في بعض المناطق.
وبشكل مفاجئ، أصدر الأسد مرسومًا، في 30 من أيار الحالي، ينص على تعيين اللواء الركن مروان إبراهيم شربك محافظًا بدلًا من الهنوس، وهو ينحدر من قرية المزيرعة في محافظة اللاذقية.
وكان شربك قائدًا في سلاح الإشارة، وهو من ضباط “الحرس الجمهوري”، قبل أن يتقاعد بعد خدمة عسكرية مدتها 43 عامًا.
ويأتي تعيين شربك في مرحلة مفصلية بمحافظة درعا وخاصة في الريف الغربي، إذ يحاول النظام السوري توسيع سيطرته على المنطقة وإحكام قبضته عليها، كونها خاضعة لـ”التسوية” تحت إشراف روسي، وما زال يوجد فيها سلاح بيد الفصائل السابقة.
كما يأتي في ظل اتفاق بين النظام السوري واللجنة المركزية، التي شُكلت بعد دخول النظام إلى المنطقة الجنوبية، من شخصيات مدنية وقادة في “الجيش الحر”، ومهمتها تمثيل الأهالي ونقل مطالبهم والحوار مع النظام والروس، على تعزيز حواجز “الفرقة الرابعة” في الريف الغربي.
وتبع ذلك اغتيال أعضاء بارزين في “اللجنة المركزية” بكمين بين بلدتي العجمي ومزيريب، هما عدنان الشمبور ورأفت البرازي وعدي الحشيش، كما أُصيب قياديان آخران، ليبدأ بعدها انتشار قوات “الفرقة الرابعة” في عدة مناطق لم تكن ضمن الاتفاق.
كل هذه التطورات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، دفعت النظام السوري إلى تغيير يواكب تطورات المشهد الحالي، بانتظار ما ستؤول إليه الأسابيع المقبلة من أحداث قد يكون عنوانها “القبضة الأمنية” لفرض وتثبيت نفوذ النظام في المحافظة.