“يفيموف” ممثلًا لبوتين.. خطوة باتجاه ضبط التحول السياسي في سوريا

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

قراءة المشهد الواقعي للوضع الميداني في سوريا لا يحتاج إلى مجهر، بل إلى معرفة القوى الموجودة على الأرض بعديدها وعتادها، ومعرفة قدرتها على التكيّف مع انزلاق الصراع السوري إلى مربع الحل السياسي، الذي يتمّ التفاوض الدولي حول تفاصيله الأخيرة.

مع التأكيد على هذه الحالة الواقعية، يمكن فهم قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتعيين سفيره في دمشق، ألكسندر يفيموف، بمرتبة ممثل رئاسة.

الخطوة لا يمكن أن تُقرأ على أنها ترتيب لوضع سوريا تحت سلطة الانتداب الروسي، فمثل هذا الترتيب يحتاج إلى شروط ذاتية وموضوعية تتوفر لدى الجانب الروسي، ومثل هذه الشروط، لا يمكن القول إنها متوفرة لديهم، في ظروف الواقع السياسي الدولي الحالي.

إن إعلان روسيا من جانب واحد أنها سلطة انتداب على سوريا، سيضعها بمواجهة سياسية ودبلوماسية، وربما عسكرية مع قوى المجتمع الدولي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وحلفها الغربي، الذين لن يقبلوا بوجود إطلالة روسية مهدّدة لأوروبا من النافذة السورية المطلة على البحر المتوسط. ولذلك من المستبعد أن يذهب بوتين إلى مثل هذه الحماقة.

خطوة تعيين يفيموف ممثلًا رئاسيًا لروسيا في سوريا، يعني تفويضًا من الكرملين له، للإمساك بملف الحل السياسي القادم، وهذا يتطلب سلطة قرار روسية مركزية اجتمعت لدى يفيموف. ولذلك لا يمكن اعتبار خطوة زيادة صلاحيات يفيموف دليلًا سياسيًا على اقتراب روسيا من إعلان انتدابها لسوريا، وهذا يتطلب قرارًا دوليًا لا يستطيع الروس تمريره عبر مجلس الأمن، وكذلك لا يستطيعون فرضه كواقع بلا تبعات سيئة عليهم.

إن خطوة تعيين يفيموف ممثلًا لبوتين في سوريا، يمكن فهمها بصورة أكثر واقعية مما يروّج لها إعلاميًا، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الفهم الواقعي ينطلق من محددات موجودة ويمكن تلمسها.

أولى هذه الخطوات، هو قناعة قيادة الكرملين بعجز النظام السوري عن تجاوز بنيته التي تجاوزها الزمن، وهذه الستاتيكية التي يعيشها النظام السوري، تجعل منه عبئًا سياسيًا واقتصاديًا وغير ذلك على روسيا، التي هي الأخرى ترزح تحت ثقل عقوبات غربية، تشلّ بنسبة كبيرة قدرات روسيا.

وثانية هذه الخطوات، التلاقي مع قرار الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت مرارًا أنّ النظام السوري بقيادة الأسد هو نظام ارتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأن قانون “سيزر” سيطبق على هذا النظام، وعلى من يتعاون معه، لذلك، سيذهب الروس لتجنب تطبيق هذا القانون عبر الحل الأقرب إليهم، والأكثر قدرة على تجنيب سوريا آثار ما سيترتب عليه من تدهور سريع، بسبب عقوبات القانون المذكور، وهذا يتمثّل بالتقاطع مع القرار الدولي 2254، أي بمعنى آخر القبول بتغيير سياسي وفق اتفاق دولي.

الاتفاق الدولي لن يغفل مصالح الأطراف المنخرطة في الصراع السوري باستثناء إيران التي ستخرج بموجب تفاهمات أمريكية- روسية- إسرائيلية وإقليمية.

وباعتبار أن التفاهمات على ضرورة تغيير سياسي في البلاد هي ضرورة للجميع، وأن المعارضة لم تستطع عبر حربها مع النظام أن تكون مستقلة بقرارها الوطني، ولم تستطع أن تكون بديلًا ممكنًا عن النظام، لأسباب كثيرة، منها الطبيعة الأيديولوجية لهذه المعارضة، المتعارضة مع الفهم الشرقي والغربي لنظام حكم ممكن في سوريا، ومنها تشظي هذه المعارضة، وعدم وجود تيار ثالث قوي قادر على إدارة الملف.

لهذه الأسباب وغيرها يكون أمام المجتمع الدولي المتوافق على حل للصراع السوري فرض توافقه مبدئيًا على سوريا، هذا التوافق وكما تمّ تسريب بعض بنوده، مثل تشكيل مجلس عسكري/ أمني، مهمته ضبط الجيش والأجهزة الأمنية في مرحلة إبعاد الأسد عن السلطة، وكذلك تشكيل حكومة انتقالية من كل الطيف السوري، ووفق قاعدة الحل الدولي ورقابة الدول الكبرى على تنفيذه.

إذًا، لا يمكن القول إن تعيين يفيموف ممثلًا رئاسيًا لبوتين على أنه تعيين لمندوب سامي على شاكلة بريمر الأمريكي في العراق، فالروس لا يحكمون الجغرافيا السورية، ولا يستطيعون إخراج الأمريكيين من شمال شرقي البلاد، ولن يتمكنوا من إخراج تركيا، التي تحظى بتأييد واسع من السكان، وتأييد من “الجيش الوطني”، الذي تُشرف على تدريبه وتسليحه ودعمه في عملياته العسكرية.

إن وجود قرابة أربعين ألف جندي تركي مع عتادهم المتطور، وكذلك وجود الأمريكيين العسكري في شمال شرقي البلاد، لن يسمح للروس بفرض انتدابهم عليها. ولذلك يمكن فهم تعيين يفيموف، على أنه إدارة روسية مباشرة لمصالح روسيا في سوريا، التي لا يعترض عليها الغرب أو الدول الإقليمية، وكذلك فإن تعيين يفيموف في هذا المنصب، يعني أن الإدارة الروسية ستلعب دورًا سلسًا في تسهيل انتقال السلطة دون تبعات مؤلمة للسوريين من جديد.

الروس هم أقدر اللاعبين الدوليين في الصراع السوري على ترتيب وضع الجيش والأمن في بيت النظام، فعقيدة هذا الجيش روسية، وعلاقات ضباطه بالروس قديمة قدم علاقة النظام السوري معهم، ولهذا سيلعب يفيموف أكثر من دور، منه سياسي ومنه إداري ومنه اقتصادي.

إن الجملة التي وردت في قرار الرئاسة الروسية بتعيين يفيموف ممثلًا لها في سوريا، “تطوير العلاقات مع سوريا” هي جملة تحمل دلالات متعددة وربما مختلفة، ولكنها في النهاية تدلّ على أمر رئيس واضح للعيان، هذا الأمر يدلّ على البدء بخطوات مادية على الأرض تمهّد للحل السياسي الدولي في سوريا.

والسؤال الأهم هو، هل سيكون هناك متضررون سوريون من تعيين يفيموف؟ وهل يستطيع يفيموف فرض إرادة سيد الكرملين على النظام السوري بصيغته الحالية؟ وما الوسائل والأدوات التي يمتلكها هذا النظام الرافض لمقاومة الإرادة الروسية في تمرير الحل السياسي الدولي؟

في الجواب عن هذه الأسئلة، سيكون هناك متضررون لدى النظام، وهؤلاء هم من أثروا واستفادوا من فوضى الحرب على حساب مصالح الشعب السوري، وسيكون أمامهم إما افتعال تفجيرات أو أعمال عسكرية لتغيير مسار هذا الحل الدولي، ولكن هل سينجحون في تدبيرهم هذا؟

إن الجواب صريح وواضح وتقرره إرادة الأقوياء الكبار في ملف الصراع السوري، الجواب بسيط وملموس وهو موت مرحلة النظام السوري بنسخه المتعددة منذ عام 1963.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة