عنب بلدي – تيم الحاج
بشكل مفاجئ، أعادت روسيا العمل بطريق “M4” من جهة شمال شرقي سوريا، ليصل بين مدينتي حلب والحسكة، بعد تفاهمات كشف عنها مسؤول في “الإدارة الذاتية” جرت بين موسكو وأنقرة، اللتين تمتلكان قوات عسكرية على جانبي هذا الطريق، إلى جانب الهيمنة البارزة لأمريكا عليه.
مشهد مرافقة موكب عسكري روسي لبعض الحافلات المدنية، في 25 من أيار الحالي، وهي منطلقة للمرة الأولى منذ سبعة أشهر مضت، من تل تمر بريف الحسكة إلى عين عيسى بريف الرقة، يشير إلى الرغبة الروسية في الوجود الدائم على هذا الطريق.
الخدمات التي تقدمها موسكو في سوريا لا تبدو أنها مجانية، وقد بحثت عنب بلدي مع مجموعة من المختصين في المكاسب التي من الممكن أن تطمح روسيا لتحقيقها من إعادة تشغيل الطريق.
وخلصت إلى أن موسكو تسعى لخلق واقع جديد في سوريا، يحقق لها أرباحًا اقتصادية ومكاسب سياسية، عبر صنع أرضية مشتركة للقوى المتصارعة، تؤدي بالضرورة من وجهة نظرها، إلى إيجاد تسوية في البلاد.
التشابك اقتصاديًا والتحرر السياسي
يرى الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث الأول في وزارة الخزانة النيوزيلندية، كرم شعار، أن إعادة تشغيل الطرقات تزيد من الإنتاجية لجميع الأطراف.
وعليه، فإن تشغيل “M4” سيزيد التواصل بين الأطراف المرتبطة بهذا الطريق، الذي ستكون فيه منفعة اقتصادية لهم، وفق رأيه.
وربط شعار بين فتح الطريق وتطبيق قانون “قيصر” الأمريكي، ويرى أن روسيا تحاول بأقصى جهدها أن تصل إلى تسويات ومقاربات في سوريا من شأنها أن تقلل التوتر قبل دخول القانون حيز التنفيذ.
ويعتقد شعار أن الدافع الأساسي لدى الروس من فتح طريق “M4” بين حلب والحسكة ليس التهرب من عقوبات “قيصر”، بل هي خطوة في مضمار بناء الثقة بين الأطراف، تمهد الطريق مستقبلًا لتسوية.
ومن مكاسب وصل مناطق “الإدارة الذاتية” بمناطق النظام المدعوم روسيًا عبر “M4” تسهيل التجارة وإزالة العقبات، وهذه البنود تفيد جميع الأطراف، بحسب شعار، الذي لفت إلى أن المستفيد الأكبر من هذه التجارة، إن حدثت، هو الطرف الأعلى إنتاجية، وهو من وجهة نظره، النظام السوري، الذي لا تزال لديه القدرة على إنتاج سلع في سوريا لا تنتجها الأطراف الأخرى، التي لا شك أنها ستأخذ منه هذه السلع.
وأضاف شعار أن فتح الطرقات عمومًا يساعد في تحسين الوضع الاقتصادي في كل المناطق التي سيمر منها “M4″، كما سيحسن أيضًا الوضع السياسي، مشيرًا إلى أن “التشابك ما بين الأطراف اقتصاديًا يؤدي إلى التحرر السياسي”.
ودلل على كلامه بالقول، إن التبادل التجاري الذي سيحدث عبر “M4” بين مناطق “الإدارة الذاتية” ومناطق النظام السوري سيخلق ترابطًا بين أفراد المنطقتين كالتجار مثلًا، ما يؤدي بالنهاية إلى دفاع هؤلاء الأفراد عن مصالحهم ببقاء هذه العلاقة، وهذا سيساعد في تحصين الوضع الاقتصادي.
ويرى شعار أن “الإدارة الذاتية” لديها ضعف في الجانب الاقتصادي، فهي عمليًا لا تنتج سوى نوعين من السلع، الأول نفطي والثاني زراعي، بينما في مناطق النظام فهناك سلع متنوعة بالرغم من تضرر العجلة الإنتاجية بشكل كبير، فما زالت هناك معامل تنتج مدافئ كهربائية، كما يحدث في حلب، وهذا المنتج، على سبيل المثال لا الحصر، غير موجود في المناطق الأخرى، ولذلك هي بحاجة لما ينتجه النظام، وفق قوله.
أطماع مستقبلية
لا توجد أرقام وإحصائيات ترشدنا إلى حجم التبادل التجاري على طريق “M4″، فالفترة التي عمل بها مؤخرًا لا تزال قصيرة، وفق المحلل الاقتصادي يونس الكريم، الذي يتوقع أن يكون له دور لاحقًا في التبادل التجاري بين سوريا والعراق وإيران وحتى الصين.
ويرى الكريم أن الأهمية الاقتصادية بالنسبة لروسيا من”M4” هي ربط المطاحن الموجودة في منطقة الجزيرة السورية، والوصول إليها عبر هذا الطريق.
كما أن لروسيا أطماعًا في نقل النفط من مناطق “الإدارة الذاتية” إلى ميناء اللاذقية، بحسب الكريم، الذي يتوقع أن ينقل من 100 ألف إلى 150 ألف برميل يوميًا عبر طرق الشحن البرية.
ولهذا الطريق دور في تشجيع مناطق جنوب تركيا في الدخول بعمليات التبادل التجاري، وهنا تكمن الفائدة التركية من السماح بفتح الطريق، وفق الكريم، الذي قال إن “M4” يتقاطع مع طريق “M5″ الذي وصفه بـ”شريان تركيا” الممتد في سوريا، والذي يلعب دورًا مهمًا في تصدير منتجاتها إلى البلدان العربية.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن لدى روسيا خططًا مستقبلية لتحويل طريق “M4” إلى طريق مدفوع الثمن، وبما أن “السلطة في دمشق غير موجودة، فستستفيد روسيا وحتى تركيا من عائدات هذا الطريق”، بحسب تعبيره.
ويتوقع الكريم أن الروس سيتبعون مبدأ “رسوم تقديم حماية” على هذا الطريق، ومع الانهيار الكبير الذي أصاب الليرة السورية، فإن الدفع الجمركي من الممكن أن يكون بالدولار.
أمريكا تراقب.. الأبعاد السياسية لفتح الطريق
الباحث في مركز “جسور للدراسات”، عبد الوهاب عاصي، يعتبر أن عملية إيقاف حركة التجارة والنقل بين مناطق الصراع في سوريا وخاصة ضمن الطرق الرئيسة مثل “M4″ و”M5” تحتاج إلى محارس ونقاط تفتيش، وليس مجرد دوريات.
وبناء عليه، يرى عاصي أن الاعتراض المتكرر من الولايات المتحدة لدوريات روسيا لا يعني إطلاقًا قدرتها على تعطيل الحركة على الطريق الدولي “M4″، ويردف بأنه “قد لا يكون هناك موقف أصلًا من قبل واشنطن من فتح الطريق”.
ويعزز رأيه بالقول، إن “فتح طريق M4 في شمال شرقي سوريا لا يساعد كثيرًا في حل مشكلة اقتصاد الحرب البنيوية التي يعاني منها النظام السوري، بقدر ما يسهم مؤقتًا في إدارة الانهيار الذي تتعرض له الليرة”.
وعن التقارب بين روسيا و”الإدارة الذاتية” في مسألة فتح الطريق، يرى عاصي أنه ليس الأول من نوعه، مشيرًا إلى أن أبرز حالات التقارب كانت في أثناء مفاوضات جمعت الطرفين، في 13 من تشرين الأول 2019، في قاعدة “حميميم” الروسية، على خلفية العملية العسكرية التركية في منطقة شرق الفرات.
ومن المكاسب السياسية التي تبحث عنها موسكو من هذه الخطوة، يرى عاصي أن روسيا تعوّل من التقارب مع “الإدارة الذاتية” على تهيئة الظروف لتعزيز وجودها شرق الفرات، وإتاحة المجال للتواصل مع المكونات العاملة في المنطقة لا سيما العشائر العربية.
ويضيف أن روسيا سبق أن عمدت إلى تعزيز وجودها العسكري على أجزاء من الطرق الدولية الرئيسة شرق وغرب الفرات، سواء عبر المفاوضات أو بالعمليات القتالية، وربما تقوم مقاربتها على تأكيد قدرتها في التأثير على مستقبل الحركة التجارية بالمنطقة وبالتالي عملية إعادة الإعمار.
يمتد الطريق من اللاذقية إلى الحسكة، وبهذا تكون روسيا قد شغلت الجزء الشرقي منه، بينما قطعت أشواطًا بتشغيل الجزء الغربي المتوقف في إدلب والخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، بتسيير دوريات مشتركة مع تركيا عليه، بموجب الاتفاق بين موسكو وأنقرة في 5 من آذار الماضي.