هربًا من الواقع في سوريا.. الضغوط النفسية تبلغ ذروتها بـ”الانتحار”

  • 2020/05/31
  • 11:52 ص

رجل يجلس حائرًا في الشارع بدمشق - 3 شباط 2020 (عدسة شاب دمشقي)

عنب بلدي – صالح ملص

“حالة الانتحار الثانية اليوم”.. بهذه العبارة ذيّلت إحدى الصفحات المحلية على “فيس بوك” في مدينة حلب خبرها عن انتحار شاب بحيّ بستان القصر، في 21 من أيار الحالي، بعد حادثة مشابهة لرجل أطلق النار على رأسه في حي الفرقان.

أثار الخبر صدمة لدى متابعي الصفحة، رغم صعوبة التحقق منه مع عدم الإعلان عن الحادثتين رسميًا، لكنه انضم إلى قائمة من الأخبار التي تنشرها الصفحات المحلية بشكل شبه يومي، ويترك عليها المتابعون في التعليقات ملامح تشاؤم عام، وإشارات إلى الوضع المعيشي والاجتماعي والاقتصادي السيئ الذي أوصد أبواب الرغبة بالحياة، وشكل مبررًا جاهزًا للانتحار.

الهيئة العامة للطبابة الشرعية السورية لم تتحدث عن تلك الحوادث بشكل مفصّل رسميًا، لكنها أعلنت، في 19 من أيار الحالي، تسجيلها أكثر من 50 حالة انتحار منذ بداية العام الحالي.

وقال مدير الهيئة العامة للطبابة الشرعية، زاهر حجو، لإذاعة “المدينة” المحلية، إن حالات الانتحار التي سُجلت منذ بداية العام الحالي في سوريا بلغت 51 حالة حتى الآن.

وبلغت نسبة الذكور المنتحرين ضعفي الإناث، بحسب حجو، وضمن حالات الانتحار 13 حالة لأشخاص أعمارهم تحت سن الـ18، ثمانٍ منهم إناث، مع الميل للعدوانية في طرق الانتحار عند النساء.

وسجلت محافظة حلب أعلى نسبة انتحار، وتُستثنى من الإحصاء محافظات إدلب والرقة ودير الزور والحسكة، كونها خارج سيطرة النظام السوري.

“لوم الذات” ينفجر على شكل انتحار

معدلات الانتحار التي كشفتها المصادر الحكومية “تأتي نتيجة انهيار قدرة الفرد على التعامل مع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة”، من وجهة نظر الاختصاصية النفسية السورية سلوى عرابي، “فبمجرد شعور الإنسان بفقدان الاستقرار المادي، يولد لديه عدم استقرار نفسي”، كنتيجة لتردي الوضع المعيشي لديه.

وهبطت الليرة السورية، منذ مطلع أيار الحالي، إلى مستوى لم تشهده في تاريخها من قبل، لتتأثر الأسواق السورية بتلك الانتكاسات المتتالية لعملتها، ما أدى إلى ارتفاع جديد بالأسعار، وتردي الوضع المعيشي المتأزم أصلًا في مختلف مناطق سوريا.

فبلوغ الإنسان مرحلة الإقدام على الانتحار لا يكون بشكل مفاجئ، وفق ما أكدته الاختصاصية سلوى عرابي في حديث إلى عنب بلدي، إنما تدريجيًا على شكل تراكمات وضغوط يفرزها الواقع، لتؤدي إلى فقدان الشعور بالكرامة وتقدير النفس، و”يختلف الأفراد من حيث تحملهم الضغط النفسي وقدرتهم على التعامل معه لمواجهة تلك التراكمات”.

وحين يفشل الفرد في تحمل تلك الضغوط أو إيجاد حل للمشكلات والعوامل المسببة لها، مثل عدم قدرة الفرد على تأمين متطلباته أو متطلبات أسرته في ظل ارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق السورية، يدخل الإنسان “حالات اكتئاب غالبًا ما تؤدي إلى انعزاله عن المجتمع”، ولا يحصد في انعزاله هذا غير “البؤس والإحباط ولوم الذات”، ليتطور إلى محاولة انتحار “في سعي للبحث عن الخلاص”، بحسب الاختصاصية النفسية.

العنف المنزلي

يُرجع الاستشاري في الصحة النفسية وائل الراس، في حديثه إلى عنب بلدي، سبب انتحار بعض السيدات المعلن عنه في إحصائيات هيئة الطبابة الشرعية، إلى العنف المنزلي الذي ارتفع خلال فترة الحجر الصحي في ظل انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

والعنف المنزلي، بحسب الراس، يولّد آثارًا نفسية لدى المرأة، نتيجة الضرب أو الشتم أو الحبس في المنزل أو حتى التهديد بالعنف وإذلالها، تلك السلوكيات تدفع المرأة للشعور بالدونية تجاه ذاتها وخيبة الأمل، ويكون هذا الشعور مصاحبًا للضغوط النفسية فيصبح الدافع للانتحار كاملًا.

“المرونة النفسية” كحيلة للتغلب على ضغوط الواقع

انعدام القدرة على تجاوز ضغوط الواقع لدى الفرد يعود إلى ما أطلق عليه الطبيب النفسي عمار بيطار “المرونة النفسية” لدى كل شخص، في حديث سابق إلى عنب بلدي، وذلك يرتبط بالقدرة على تقبل الظروف الطارئة أو عدم تقبلها، الأمر الذي تؤثر فيه البيئة التي تربى فيها الشخص والمنظومة القيمية التي يملكها.

عكس “المرونة النفسية” هو “الهشاشة النفسية” التي تودي بالفرد إلى الانتحار تحت ضغط الظروف، بحسب بيطار، مشيرًا إلى أن الانتحار يكون رسالة من المنتحر إلى المحيطين به مفادها “أنا خائف، أنا حزين، أريدكم أن تفهموني”.

حالات جديدة ما لم يتم العلاج

قد تظهر الضغوط المحيطة على شكل اضطرابات مختلفة مثل القلق المزمن أو الذهان، الذي يؤدي إلى فقدان الإدراك الحسي لدى الإنسان، ويحتاج الفرد بهذه الحالة إلى علاج متخصص وإلا يمكن أن يشهد المجتمع السوري حالات انتحار أخرى، بحسب الاختصاصية النفسية سلوى عرابي.

أول طريق العلاج لمرضى الاضطرابات النفسية، بحسب الاستشاري النفسي وائل الراس، هو التحدث عن المشكلة مع المحيط المجتمعي، وبالتالي فإن الروابط الأسرية والتماسك المجتمعي يحدان من انتشار حالات الانتحار.

ويواجه المجتمع السوري بسبب النزوح والتهجير تفكك تلك الروابط الأسرية في أغلب الأحيان، بحسب الراس، ما يعني ضرورة تحمل المنظمات الصحية، والعيادات النفسية العاملة، والمراكز الطبية المتخصصة، مسؤولية كبيرة لمعالجة مشكلة أسباب الانتحار، كي لا تتفاقم الظاهرة القائمة، وتتحول إلى أزمة كبيرة في المجتمع السوري.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع