كتب آرون لند في مركز كارنيغي للشرق الأوسط
هناك شيء تاريخي حدث للتو؛ في اتفاق أبرم في فيينا أقرت الحكومة الإيرانية بأنها “لن تسعى -تحت أي ظرفٍ- لتطوير أو إنتاج أسلحة نووية”، وفي المقابل سترفع تدريجيًا معظم العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما، قد يكون الأمر تتويجًا لإنجازات سياسته الخارجية خلال رئاسته. “اليوم وبعد سنتين من المفاوضات، حققت الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع شركائنا الدوليين شيئًا بعد عقود من العداء لم نتمكن خلالها من الوصول إلى اتفاق شامل وطويل الأمد يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي”، قال الرئيس أوباما في كلمته بعد توقيع الاتفاق.
البيت الأبيض أطلق على اتفاق فيينا عبارة “صفقة تاريخية”، ويبدو أن صفة “التاريخية” شملت كافة جوانب النقاش في هذا الأمر، فعلى سبيل المثال، وصفت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغرين، يوم الرابع عشر من تموز بأنه “يوم تاريخي”، بينما احتفل وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، على أنه “اتفاق تاريخي”، فيما فضل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مصطلح “لحظة تاريخية”.
وبأخذ وجهة النظر المقابلة، فقد اعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي (ووزير الخارجية)، بنيامين نتنياهو، بأنه “خطأ تاريخي”، كما أعلن السياسيون الاسرائيليون الآخرون استنكارهم وشجبهم للاتفاق، كنائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوفلي، التي اعتبرت الصفقة “استسلامًا تاريخيًا”.
ولكن وزير التعليم الإسرائيلي “المتعصب”، نفتالي بينيت، خلط بين الأحرف وكان رده هسيتيريًا، محذرًا من أن الخطوة الإيرانية المقبلة قد تكون للقضاء على لندن ونيويورك.
وفي الوقت نفسه، لم ير المقدم التلفزيوني والدبلوماسي الأمريكي السابق ورجل الفوارق المتعددة، آرون ديفيد ميلر، الصفقة “كارثةً تاريخية” ولا “تحولًا تاريخيًا”.
في سوريا، حيث تقدم الحكومة الإيرانية خدماتها كدعم لحكومة الرئيس بشار الأسد المنهكة، يتوقع أن تكون المعارضة غير راضية عن هذه الأخبار، لكن الرئيس نفسه كان مبتهجًا وأرسل بسرعة برقية تهنئة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وأشاد بهذا “الإنجاز التاريخي”.
هل سيحصل الأسد على مزيد من السلاح؟
تسعى كل من روسيا والصين في الوقت الحالي لخطف سوق الأسلحة الإيرانية، والتي من المؤكد أنها تنعش أموال النفط المتدفقة إلى خزائن الحكومة في طهران، فقد قدّر بعض المعلقين التلفزيونيين بأن روسيا يمكن أن توجه أنظارها إلى 13 مليار دولار من عائدات تصدير أسلحتها، ولن يكون أحد مصدومًا عندما يعلم أن الكرملين دفع نحو رفع العقوبات عن الأسلحة مباشرة بعد التوصل إلى الاتفاق.
وتعتبر تجارة الأسلحة الإيرانية صفقة كبيرة لسوريا، في الوقت الذي يعتبر تحسين الدفاعات الإيرانية أولوية قصوى لخامنئي.
وقد أثبتت السنوات الأخيرة أن إيران ترى أمنها مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بشبكة من الحلفاء والوكلاء الإقليميين والتي زرعتهم في سوريا والعراق ولبنان على مدى العقود الماضية، ويشمل هؤلاء الحلفاء الأسد وعدد من الميليشيات الموالية للحكومة السورية، فضلًا عن حزب الله، الفصيل الشيعي اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية التي تحارب في كل من العراق وسوريا.
إن المليارات التي تنفقها إيران على دعم حلفائها الإقليميين جعلت اقتصادها يعاني بعد أن سُحق جراء العقوبات الدولية، ولكن من غير المرجح أن تبخل إيران في الوقت الحالي.
وقد وردت الخلافات حول العقوبات على الأسلحة التقليدية كآخر قضية على طاولة المناقشات في فيينا، ووصلت إلى مراحلها الأخيرة، وسلّط حلفاء الأمريكيين كالمملكة العربية السعودية، الضوء على هذه المسألة كأمر أساسي كما فعل الجيش الأمريكي.
ففي توصية سياسية “لاذعة” على غير المعتاد، أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، بأنه و”تحت أي ظرف من الظروف”، لا يجب أن يسمح الاتفاق النووي بـ “تخفيف الضغط عن إيران فيما يخص القدرات الصاروخية وتهريب الأسلحة”.
ومن ناحية أخرى، فإن إيران حريصة على وصول فوائد الصفقة إلى حلفائها، كما قال مفاوضوها للإعلام مؤخرًا بأن الاتفاق من شأنه أن يسمح لطهران “باستمرار توريد الأسلحة الدفاعية لحلفائها في المنطقة لمكافحة الإرهاب والتطرف”، ومن غير المرجح أن يكون هذا رأي الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الكلمة المفتاح هنا هي “الاستمرار”.
لسنوات عديدة انتهكت الحكومة الإيرانية العقوبات عن طريق نقلها للأسلحة والخبرات العسكرية لجيش الأسد وحلفائها الإقليميين الآخرين؛ العقوبات دفعت إلى تقييدها بدرجة معينة من حرية التصرف ولكنها بالكاد أثرت على التجارة نفسها.
وقد يكون ما جرى هو جعل عمليات الشراء أكثر تكلفة ومنع إيران من كسب مؤكد من وراء “خط المنتجات الأغلى” لحلفائها.
هل سيتغير الأمر حاليًا؟
وفقًا لوصف الرئيس أوباما للصفقة، لن يتم رفع العقوبات عن الأسلحة بشكل فوري، وبدلًا من ذلك سيتم رفع الحظر عنها تدريجيًا فيما ستُراقب إيران لتحديد امتثالها للأمر على مدى عدة سنوات.
“يجب على إيران الالتزام بالاتفاق قبل أن ترفع عقوبات إضافية، قال الرئيس في خطابه داخل البيت الأبيض مضيفًا “بما في ذلك خمس سنوات للقيود المتعلقة بالأسلحة، وثماني سنوات للقيود التي تتعلق بالصواريخ الباليسيتة”.
شحنات الصواريخ التي تصنعها موسكو
ومع ذلك، سيستفيد الجيش الإيراني في بعض النواحي فعليًا من الصفقة، ففي نيسان أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إحراز تقدم في المحادثات النووية فيما يخص رفع الحظر على مبيعات S-300، وهو نظام دفاع جوي قوي يسعى إليه الإيرانيون منذ فترة طويلة لموازنة التفوق الجوي الإسرائيلي والأمريكي.
وادعت إيران مؤخرًا أنها صنعت نسختها الخاصة المنتجة محليًا من نظام S-300، ولكن هذا كان مجرد دعاية تتجلى بحقيقة أن وزارة الدفاع في طهران استمرت في السعي للحصول على الأصلي روسي الصنع.
وسوريا أيضًا كانت تسعى إلى الانتهاء من جزء من صفقة عام 2011 لشراء S-300، بعد أن أوقفت موسكو تسليمه في منتصف الاتفاق، و يبدو ظاهريًا أن الايقاف يعود لأسس اقتصادية.
ويبقى أن نرى فيما إذا كان الرفع التدريجي للعقوبات الدولية ضد إيران سيغير الأمور بالنسبة لجهود امتلاك الأسد لهذه الأسلحة.
إيران أقوى أسد أقوى
بالنسبة للأسد، فإن الصفقة في فيينا ستؤدي إلى تسليم فوري للمعدات العسكرية، ولكنها من المحتمل أن تكون ضمانًا للنفوذ المالي والسياسي المتنامي لحليفه الأكثر ثقة.
وتلعب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بالفعل دورًا رئيسيًا في تدعيم دفاعات الأسد في عدة مناطق من سوريا، ويلعب مقاتلو حزب الله دورًا بارزًا وكبيرًا في الهجوم الحالي على مدينة الزبداني.
ومنذ فترة طويلة يتواجد المستشارون العسكريون الإيرانيون في البلاد، ويقال أن إيران هي الممول الأساسي لشبكة ميليشيا قوات الدفاع الوطني، الأمر الذي ساعد على ملء الفجوة التي تقلص فيها حجم جيش الأسد منذ عام.
لكم مساهمات إيران الإقتصادية واللوجستية لجهود الأسد في الحرب قد تكون أكثر أهمية، إذ حفظت الاتصالات السياسية الإيرانية والكوادر والتزويد بناقلات النفط، قدرات الاقتصاد والبنية التحتية وسمحت للأسد بالاكتفاء الذاتي.
كما مكّن الدعم والمساعدات المالية الإيرانية، من شراء شحنات النفط من الواردات الرئيسية الأخرى؛ مؤخرًا وفي 19 أيار وقعت إيران وسوريا على صفقة جديدة للحصول على خط إئتماني بقيمة مليار دولار، ما أعطى اقتصاد الأسد جرعة أخرى للحياة.
وتدعم إيران الأسد وحزب الله والحكومة العراقية، والأكراد والفلسطينيين وحلفاء آخرين في وقت واحد، وهو مشروع مكلف للغاية بالنسبة لإيران.
وظهرت سوريا منذ عام 2011، كحفرة عميقة تضخ فيها إيران بالمليارات نفطها وأموال الضرائب التي تجنيها بشق الأنفس.
وخلال السنوات القليلة الماضية من محنة العقوبات الاقتصادية، يبدو أن الكثير من الإيرانيين بدؤوا يتذمرون من هذه التكاليف، وهذا هو السبب في أن العقوبات المالية والنفطية تعني الكثير بالنسبة للأسد، إذ يعني توفر المزيد من المال لإيران المزيد منه لسوريا، أو على الأقل التخفيف من الضغوط الداخلية الإيرانية ليتناسب مع المستوى الحالي من التمويل.
ومع الثروة يأتي الإطراء، الأسواق الإيرانية ستفتح الآن من جديد بعد سنوات عجاف من نظام العقوبات، وسوف يكون النقد في صندوق الحكومة أكبر لتقوم بمشاريع كبرى لترميم البنية التحتية.
العديد من الشركاء التجاريين الحاليين والسابقين (بمن فيهم بالتأكيد بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي)، يمكن الاعتماد عليهم لتليين اعتراضهم على السياسات الإقليمية الإيرانية إذا كان هذا ما يلزم للحصول على “قطعة من الكعكة”، ومن الممكن بل من المحتمل جدًا أن هذا يساعد إيران في تعزيز فهمها الخاص للحرب السورية.
يأمل الأسد بأن تكون صفقة فيينا “نقطة تحول رئيسية” في العلاقات الإيرانية مع بقية العالم.
هل ستتغير إيران بموجب الاتفاق؟
في العالم المتآمر حول السياسة السورية، هناك مضاربات شائعة حول سرية “بنود سوريا” في الصفقة. المعارضة تخشى صفقة من تحت الطاولة يستفيد منها إيران والأسد، في حين يخشى المؤيدون للحكومة من توجه إيران لتحسين علاقاتها مع الغرب والتضحية بالأسد.
ولا يبدو مرجحًا جدًا أن المفاوضين كانوا محقين عندما ادعوا أن عملية المفاوضات في فيينا ركزت بشكل خاص على القضية النووية، ولكن ليس سرًا بأن هؤلاء من كلا الطرفين يرغبون في تحقيق تقارب أكثر شمولية، أو على الأقل تحسين التنسيق في الصراع ضد المتطرفين من الذين نصبوا أنفسهم كـ “دولة إسلامية”.
ومع توقيع الاتفاق النووي الآن، وربما يكون آمنًا، هناك مساحة لمحادثات جديدة ستبدأ، أو ربما كانت تجري سرًا فعليًا، ويمكن تسريع هذه المحادثات الدبلوماسية دون خوف من التأثير سلبًا على المحادثات النووية.
أيًا كان ما سيحدث، ستكون العراق وسوريا في قمة المخاوف لجميع الأطراف المعنية، على الرغم من أن هناك محادثات مثمرة فيما يخص الأول أكثر من الأخير.
في الدفع بجد نحو الاتفاق النووي، راهن باراك أوباما على مايبدو أن الجمع بين التبادل التجاري والمحادثات سيكون أكثر نجاحًا في تحفيز السياسة الإيرانية الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية بدلًا من العزلة والتهديدات العسكرية خلال العقود الماضية.
وسواء كان هذا صحيحًا أم خاطئًا، فهو ليس افتراضًا غير معقول، بالنسبة للأسد أيضًا الاحتفال اليوم يجب أن يشوبه قلق هادئ حول كيفية التأثير الإيجابي على العلاقات الإيرانية الغربية وتحديد الأولويات السياسية لطهران في السنوات المقبلة.
حسنًا، الإنجاز التاريخي تمّ، ولكن التاريخ لديه وسائله لكشف ما سيجري بوتيرته وطرقه الخاصة.
نُشر في 14 تموز وترجمته عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.