نظام الأسد وتوظيف النكتة في السياسة

  • 2020/05/29
  • 1:01 م
رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق- 7 من كانون الثاني 2020 (رئاسة الجمهورية)

رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق- 7 من كانون الثاني 2020 (رئاسة الجمهورية)

فاضل الحمصي

في حديث مع أحد الأصدقاء إثر الظهور الأخير لرامي مخلوف على “فيس بوك”، ذكرني بنكتة انتشرت في صفوف السوريين بعد انطلاق الثورة السورية، وتقول إن أحدهم سأل رامي عن أحلامه، فأجاب أن كل ما يريده هو أن يشتري بيتين، واحدًا في دمشق وآخر في حلب، وأن يفتحهما على بعضهما! (أي أن يمتلك المسافة بينهما كاملة)، وهنا سألني صديقي: ترى من كان وراء هذه النكتة ومثيلاتها؟ هل صدرت من الشعب الحانق على النظام؟ أم أنها من عمل المخابرات، التي بدأت الآن حملة ضد أركان النظام وأعوانه الذين يتوقع أن يسببوا المشاكل مستقبلًا، لاتهامهم بممارسة الفساد وتحميلهم تبعاته؟

سؤال صديقي أعاد بي الذاكرة إلى نهاية التسعينيات، والنكات التي انتشرت في نهاية عهد الأسد الأب، وتمحورت حول مسؤولي النظام السوري حينها، وبدأتُ بالبحث عن رابط يجمع السخرية من مسؤولي النظام في مراحل زمنية مختلفة.

 

توظيف النكتة في السياسة

تختلف مصادر النكات السياسية في المجتمعات، فتارة يكون مصدرها الشعب، وتأتي لنقد الواقع الصعب الذي تعيشه البلاد، وتارة أخرى يكون مصدرها الأجهزة الأمنية، وتأتي لأسباب مختلفة، منها جس النبض حول قضية ما، أو اكتشاف ما يدور في الخفاء بين أفراد الشعب، أو للنيل من خصوم النظام، أو أعدائه المحتملين.

ومع نهاية التسعينيات، وشعور حافظ الأسد باقتراب ساعته، ورغبته بتوريث ابنه مقاليد السلطة في البلاد، انتشرت في سوريا بشكل كبير نكات طالت مسؤولين بارزين في النظام، وأسهمت بطريقة غير مباشرة بهز صورتهم في صفوف العامة، وعلى الرغم من محدودية تأثيرها، يبدو أنها كانت خطة ممنهجة لتهيئة الجو لتوريث بشار وإزاحة الخصوم من طريقه.

وعلى الرغم من عدم وجود دليل يؤكد وقوف الأجهزة الأمنية خلف تلك النكات، يوحي سياق الأحداث ومجرياتها بأن تلك الفرضية قد تكون صحيحة.

بعض من تلك النكات

ركزت النكات التي انتشرت، أو عمل الأمن على نشرها، على إظهار بعض المسؤولين الكبار في النظام بمظهر الأغبياء، وعديمي الفهم أحيانًا، وأوحت بأنهم لا يتقنون فعل شيء من دون توجيهات من حافظ الأسد، وتقول إحداها إن عبد الله الأحمر ذهب مرة إلى مكتب حافظ الأسد وأراد الدخول، فأخبره السكرتير أن حافظ منع الدخول بشكل تام، فقال له، قل إنني الأمين القطري المساعد لحزب “البعث” وأريد مقابلته لأمر ضروري، فيذهب السكرتير ويخبر حافظ الأسد بذلك، فيسأله حافظ وما الذي يؤكد أنه عبد الله؟ اذهب واسأله ما هو تعريف حزب “البعث”، فيذهب السكرتير ويسأل الأحمر، فيجيبه أنه لا يعرف، فيعود ويخبر حافظ بالجواب، فيقول حافظ هذا هو عبد الله بالتأكيد، اسمح له بالدخول.

وتقول نكتة أخرى، إن حافظ ومعه وزيرا الاقتصاد والتجارة الداخلية كانوا في جولة بالمروحية فوق إحدى المحافظات، فقال حافظ لهما أرغب أن أرمي 100 ليرة سورية ليفرح واحد من الشعب بها، فقال وزير الاقتصاد برأيي أن ترمي قطعتين من فئة 50 ليرة ويفرح اثنان، ليقول وزير التجارة برأيي أن ترمي أربع قطع من فئة 25 ليفرح أربعة مواطنين، فنظر حافظ إليهما وقال ما رأيكما أن أرميكما ويفرح 20 مليون سوري! (هذه النكتة تحمل صيغة أخرى مفادها أن الطيار أراد رمي حافظ والوزيرين ليفرح الشعب السوري بأكمله).

كذلك نالت بعض النكات من مظهر بعض المسؤولين، منهم وزير الدفاع مصطفى طلاس، ورئيس الأركان حكمت الشهابي، وتقول إحدى النكات، إن طلاس ذهب مرة للصيد في الغابة، فأكله النمر، فقال حافظ لمعاونيه أريد القبض على ذلك النمر، فغاب المساعدون ليومين وأتوا بالنمر، فسألهم كيف تعرفون أنه ذاته النمر؟ فأجابوه: منذ يومين تخرج من بطنه أوسمة ونياشين! (الملاحظ في هذه النكتة أن من أكله كان نمرًا وليس أسدًا، ما يوحي بيد للمخابرات بطريقة أو بأخرى في صياغة تلك النكتة).

هذه النكات، وغيرها الكثير، انتشرت في صفوف الناس بشكل كبير نهاية التسعينيات، وجميعها مجهولة المصدر، لكن بعد انتشارها بسنوات، وبعد تسلّم بشار الأسد مقاليد السلطة، بان الهدف منها، وبات من الممكن التكهن بالجهة التي تقف وراءها.

 

توظيف السخرية من المسؤولين بأساليب أخرى

في بداية العام الحالي، ظهرت صور لوزير الدفاع في النظام السوري، في أثناء زيارة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع وفد رفيع المستوى إلى دمشق، وظهر الوزير المرافق لرئيس النظام، بشار الأسد، بصور كانت مادة للسخرية على مدى أسابيع، فمرة يجلس في أحد الاجتماعات على كرسي أقل ارتفاعًا من بقية المجتمعين، ليظهر قزمًا بين الحاضرين، ومرة يظهر بكيس بلاستيكي يغطي حذاءه الأيمن ولا يغطي الأيسر، إضافة لغيرها من المشاهد التي جعلت من الوزير مادة للسخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

ويدرك المتابعون أن النظام السوري تعمد نشر تلك الصور، إذ ظهرت على الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) التابعة للنظام بشكل مباشر، ومن المؤكد أن من نشرها لاحظ ما فيها من إهانة لشخص وزير الدفاع، وكان بإمكانه قصها مثلًا، أو اختيار غيرها، لكن التعمد كان واضحًا، ولا يترك مجالًا للشك أن المقصود بها هو إظهار الوزير بتلك الصورة المهينة.

قبل الحادثة بأسابيع قليلة، انتشر خبر مجهول المصدر على صفحات “فيس بوك” (ولم أعثر له على مصدر، لكنه قد يفيد بتفسير الحادثة)، يفيد بأن روسيا ستجبر بشار الأسد على التنحي ومغادرة سوريا وتسليم السلطة لمجلس عسكري يرأسه أيوب، وعلى الرغم من ضعف تلك الرواية وشبه تأكيد عدم صحتها، فإصرار النظام على توجيه رسالة من صور أيوب المثيرة للسخرية، قد يوحي بأن أساس تلك القصة قد يكون صحيحًا، ووجّه بشار رسالة لروسيا من خلال الصور مفادها أن من ترغبون بتنصيبه بدلًا عني هو هذا الجنرال الذليل الذي لا يجرؤ على الاعتراض على أي أمر مني حتى لو تحول إلى أضحوكة.

نهاية، لا بد من التأكيد أن كثيرًا من النكات السياسية يكون مصدرها الشعب المسحوق، وتأتي كنوع من التعبير عن المعاناة التي يعيشها الناس والواقع الصعب الذي يقاسونه، لكن الأنظمة الدكتاتورية لم تترك حتى تلك المساحة للشعب ليسخر من واقعه، وتدخلت حتى في نكاته وقصصه ورواياته.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي