تداعيات “مليارات” الاتفاق النووي على أعنف حروب المنطقة
كتب آري هيستين في هآرتس
مع إعلان الشروط النهائية للاتفاق النووي الإيراني، هناك الكثير من التكهنات حول ما ستفعله إيران مع ثروتها المتكشفة حديثًا، وكجزء من الاتفاق أقرت دول الست بفك الحظر عن عشرات المليارات من الدولارات في الأصول الإيرانية، التي تشير بعض التقديرات لوصولها إلى نحو 140 مليار دولار.
أيقنت إدارة أوباما بأن التدخل الإقليمي الإيراني أمر لا مفر منه، بعقوبات أو من دون عقوبات.
الغرب عاجز عن إيقاف إيران
في نيسان، قلل وزير الخزانة الأمريكية جاك لو من إنفاق إيران إقليميًا، وقال “لسوء الحظ، إن تكلفة دعم إيران للإرهاب والتدخل الإقليمي صغيرة نسبيًا” (ما يعني أن الاتفاق لن يؤثر كثيرًا على دعمها)، واستمرت الأنشطة الإيرانية على مدى السنوات القليلة الماضية حتى في الوقت الذي عانى منه الاقتصاد الإيراني المحلي بشكل سيئ”.
ولمّح إلى أنه لا يمكن لكثير من دول الغرب أن تقوم بشيء لمنع التدخل الإيراني لأن إيران تمكنت من تمويل عملياتها في المنطقة حتى بعد عقوبات الغرب عليها وتجميد مليارات الدولارات من أصولها؛ ولكن هذا ليس صحيحًا بالضرورة، فقد لاحظ مايك سينغ من معهد واشنطن، بأن تكلفة التدخل الإيراني في سوريا مهملةٌ مقارنة بالترليونات التي أنفقتها الولايات المتحدة على الحروب التي شهدتها المنطقة مؤخرًا.
ويُقدر المبلغ السنوي الذي تمد طهران به الأسد بـ 6 مليار دولار وهو يبدو مبلغًا تافهًا، يعادل نفقات 12 يومًا من الحروب الأمريكية السابقة في العراق، ولكن ليس من المعقول أن نحكم على النفقات الإيرانية على أساس المقياس الأمريكي، إذ إن الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا يعادل حوال 50 ضعفًا من حجم اقتصاد إيران.
انخفاض مستويات الدخل في إيران
ورغم تحقيق إيران مكاسب استراتيجية “هائلة” في سوريا، لكن ليس هناك شك في أن الإبقاء على الأسد واقفًا على قدميه يشكل ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد الإيراني.
المليارات الست ضرورية لأنها تعادل 20 – 40% من مجموع ميزانية الدفاع الإيرانية، وأكثر من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2014، وفي الوقت نفسه فإن مواطني الجمهورية الإسلامية يشعرون بتقلص اقتصاد بلادهم في ظل انخفاض مستويات الدخل وغلاء تكاليف المعيشة.
وشهدت إيران انخفاض ناتجها الإجمالي المحلي الفردي أكثر من 44% بين عامي 2011 و 2014، في حين ارتفع سعر الحاجات الأساسية مثل الحليب والبيض والدجاج إلى أكثر من 15% خلال عام 2014.
وليس من المستغرب انخفاض دعم الإيرانيين لحكومتهم فيما يخص تدخلها في سوريا، وذلك لمواجهة تزايد الضغوط الاقتصادية.
ويعتقد بعض الخبراء أنه لن يكون لإيران خيار سوى توجيه الأموال المُتكشف عنها من الصفقة النووية لتحسين رفاهية مواطنيها في الداخل.
فقد شرح ريتشارد نيفيو في مقالته بالفورين بوليسي “100 مليار دولار المفرج عنها لن تكون لأصدقاء إيران الإرهابيين“، أنه “من المستحيل بعد انتخاب المرشد الأعلى روحاني في 2013 على منصة تعهده بالانعاش الاقتصادي –في جزء من وعوه لتخفيف العقوبات-، أن يدعم المبادرات التي تترك الشعب الإيراني في البرد من أجل حماية الجماعات الأجنبية و الزعماء كالأسد”؛ فهل كان نيفيو نائمًا خلال السنتين الماضيتين من حكم روحاني؟
وعلاوة على ذلك فقد أثبت التاريخ بأن الأزمات الداخلية تعزز تمامًا منحى أن فكرة عدم التدخل في المنطقة هي بمثابة “تفكير بناءً على الرغبات والأماني”.
في كتابها “رهان عبد الناصر”، الذي يسلط الضوء على حقبة الحرب الباردة في الشرق الأوسط، وضحت جيسي فيريس أن انعدام الأمن الداخلي بما في ذلك المشاكل الاقتصادية تولد السلوك العدواني في الخارج.
ويعيش الطغاة في كتاب فيريس في بيت زجاجي ويقذفون بعضهم بالحجارة، وهناك سبب للاعتقاد أن هذا قد يكون النموذج الإيراني المقبل، إذ على الرغم من تدهور اقتصادها منذ عام 2011، إلا أن الوجود الإيراني يزداد في سوريا.
وفي حين أن معظم الأصول غير المجمدة من الممكن أن تكون موجهة بشكل مباشر لتخفيف الضغط الاقتصادي المحلي على النظام، إلا أن محللين كمايكل سينغ وكريم صادق بور لاحظوا أن أي صفقة نووية مع الغرب من المرجح أن تليها امتيازات للمتشددين في إيران والمرتبطين بفيلق الحرس الثوري الإيراني، وهذا يعني زيادة القمع في الداخل وإنفاق المزيد من الموارد على توسيع التدخل السياسي – العسكري الإقليمي والهيمنة في الخارج.
سوريا مهمة استراتيجيًا
ويعتبر إحكام القبضة على سوريا واحدة من مصالح السياسة الخارجية الإيرانية الرئيسية، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يسمح لها أن تكون ممرًا للأسلحة الإيرانية إلى حزب الله بوصفها جبهة ثانية ضد اسرائيل.
وحتى لو وضعت إيران 70% من أصولها في تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، فإنه يمكنها الاستمرار بدعم نظام الأسد من خلال تزويده بـ6 مليار دولار سنويًا لمدة خمس سنوات أخرى والاستفادة من المكاسب الاستراتيجية التي حققتها في البلاد.
وبعبارة أخرى فإن رفع الحظر عن 100 مليار دولار في الأصول الإيرانية سوف يسمح لطهران بتحقيق أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية على المدى القصير، في حين سيسمح رفع العقوبات بتنمية اقتصادية على المدى الطويل والتي يمكن أن تمول طموحاتها الإقليمية.
وعلى فرض أن فك الحظر عن الأصول يساوي عشرات مليارات الدولارات فقط، إلا أن لهذا الأمر تأثيرًا ضئيلًا على التدخل الإيراني في المنطقة بسبب تكلفته “الصغيرة نسبيًا”، مع تجاهل حقيقة أن تدخل طهران مكلف بالنسبة لميزانية إيران، و للوضع السياسي في الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد والتأييد للحرب.
ومن الممكن أن تنأى إيران بنفسها بعيدًا عن سوريا من قبل القوى السياسية الداخلية، في ظل استمرار القتال وفشل القدرة على تحسين الاقتصاد الإيراني.
إذا وقعت على الاتفاق النووي، من المرجح أن تتجنب إيران الضغوط الدولية والمحلية على حد سواء لكبح جماح استراتيجيتها الإقليمية العدوانية بسبب الطبيعة الهشة للاتفاق وبسبب الفوائد الاقتصادية التي ستحصل عليها.
وهكذا وضمن جميع الاحتمالات، سيسمح التوقيع على الاتفاق النووي بشكل غير مباشر لإيران بالحفاظ أو حتى تعزيز سيطرتها على سوريا في المستقبل المنظور.
آري هيستين هو باحث مشارك في برنامج الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية.
نُشر في 14 تموز وترجمته عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :