عنب بلدي – خاص
تندر مقابلات الضابط السوري المنشق “قيصر” على وسائل الإعلام، ولم تعرف هويته حتى الآن، وفي أول مقابلة مع صحيفة عربية هي صحيفة “عكاظ” السعودية، في 16 من أيار الحالي، وجه اتهامات إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية” بـ”الابتزاز إلى حد الخطر الأمني”، كما اتهم شخصيات معارضة بالتسلق ومحاولة تجميد الملف وتحويله إلى أداة للتفاوض مع النظام السوري.
لم تمرر اتهامات “قيصر” مرور الكرام، فسرعان ما رد “الائتلاف” بنفي الاتهامات الموجهة إليه، مؤكدًا بذله “كل الجهود لدعم فرض القانون”، معتبرًا أن “قيصر لم يقم سوى بواجبه دون أن يحصل على توكيل حصري عن الضحايا”.
يعد “قيصر” أحد أبرز الضباط المنشقين عن النظام السوري، بعد انطلاق الثورة السورية في عام 2011، لما حمله انشقاقه من تهديد جدي للنظام، بتسريبه آلافًا من صور جثث المعتقلين الذين فارقوا الحياة تحت التعذيب في المعتقلات.
وصل “قيصر” إلى الكونجرس الأمريكي، وأدلى بشهادته في خطوة “حقيقية” لمحاسبة النظام على الجرائم المتهم بها، وهو ما أدى لاحقًا لتوقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قانون “قيصر”، في 20 من كانون الأول 2019، ومن المقرر دخوله حيز التنفيذ مطلع حزيران المقبل.
ماذا قال “قيصر”؟
اللقاء مع صحيفة “عكاظ” جمع “سامي” و”قيصر”، وهما المسؤولان عن تسريب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل قُتلوا تحت التعذيب.
وقال “سامي” إن المعارضة السورية، بما فيها “الائتلاف”، “لم تقدم أي مساعدة سياسية أو مالية أو على سبيل الدعم الدولي”.
وأوضح كل من “سامي” و”قيصر” أنهما تعرضا لابتزاز كبير من شخصيات تدّعي أنها تمثل جزءًا من المعارضة السورية، وصلت إلى حد الخطر الأمني على حياتهما، وأشارا إلى أنهما سيكشفان عن الأسماء والجهات في يوم ما.
كما اتهما مجموعة داخل “الائتلاف” بـ”التسلق والسيطرة عليه”، وأنها “تحاول حاليًا التسلق على القانون (قيصر) وتجميده، كما جمدت المؤسسة (الائتلاف) نفسها”.
وشرح “سامي” و”قيصر” مخاوفهما من تحول ملف وقانون “قيصر” إلى ورقة تفاوض بيد مجموعة “غير مؤتمنة على ثورة الشعب السوري”.
وقال “قيصر”، إن هناك أكثر من 20 منظمة ومؤسسة تعمل تحت اسمه، وتتقاضى آلاف الدولارات، مستغلة وضعه الأمني، وعدم قدرته على الظهور.
“الائتلاف” يتجاهل الرد المباشر
حاولت عنب بلدي التواصل مع أعضاء في “الائتلاف الوطني” للحصول على توضيح بشأن اتهامات “قيصر” وأسباب شنه هذا الهجوم، بالإضافة إلى كيفية تأثيرها على عملية سير الملف، والخطوات التي سيتخذها في حال كانت الاتهامات الموجهة إليه صحيحة.
ولم تتلقَّ عنب بلدي ردًا من الشخصيات التي حاولت التواصل معها، وهي السيد هشام مروة والسيد عبد المجيد بركات، بينما اشترط عضو الهيئة السياسية ياسر الفرحان، أن يجيب عن أسئلة الصحيفة ضمن “لقاء خاص” به.
وسبق أن رد “الائتلاف” على اتهامات “قيصر” عبر بيان نشره، في 17 من أيار الحالي، قال فيه إن “الائتلاف سيبذل كل ما هو ممكن لدعم تنفيذ الحكومة الأمريكية قانون قيصر”.
وأضاف “الائتلاف” أنه “بذل كل ما هو ممكن من جهود في كواليس ودوائر صنع القرار الأمريكي لدعم فرض القانون”.
واعتبر البيان أن واجب “الائتلاف” كمؤسسة “يفرض عليه أن يستثمر أي قانون يخدم مصالح الشعب السوري، وأن يتحرك انطلاقًا من هذا الواجب”، كما أن “أي شخص يوثّق الجرائم إنما يقوم بواجبه، دون أن يصبح وكيلًا حصريًا عن الضحايا”.
مخاوف من “بازار سياسي”
رئيس منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، قال لعنب بلدي إن هذه الاتهامات تؤثر بشكل مباشر على سير ملف العقوبات “شئنا أم أبينا”، إذ إنها “تُخرج الملف من سياقه القانوني والحقوقي، وتضعه في سياق سياسي بحت، فيخضع لمعايير مختلفة”.
وأوضح أن تسييس الملف يعني استخدامه في “البازار السياسي” والدفع به كورقة تفاوض على مستقبل سوريا، بمعزل عن العدالة والمحاسبة.
وأضاف الأحمد أن هناك جهات عدة، من بينها “الائتلاف”، “حاولت استخدام قضايا المعتقلين لمصالحها، تبرزها وتخفيها بحسب المصلحة”.
تأثير الاتهامات على الملف سيكون سلبيًا، وسيدّعي مناهضوه أنه ملف سياسي ولا علاقة له بحقوق الإنسان، بحسب الأحمد، الذي قال إن الأيام ستكشف مدى التأثير، خاصة مع نقل هدف الملف من العدالة إلى ميدان “البازار السياسي” بين الأطراف المتصارعة.
وأشار إلى أن عدة جهات حقوقية حذرت في السابق من نقل الملف إلى يدي “هيئة التفاوض” و”الائتلاف”.
المنظمات الدولية التي تسعى لمحاسبة النظام السوري عبر قانون “قيصر” ستتساءل بعد هذه الاتهامات، وربما تراجع قراراتها، وتنظر إلى أي مدى هذه المعلومات المتوفرة في ملف “قيصر” حقيقية.
وضرب الأحمد مثالًا بما جرى في محاكمة ضابط الأمن السياسي السابق أنور رسلان، الذي اعتمد محامو الدفاع عنه على ثغرة مفادها أن أحد مصادر المعلومات التي وردت في نص الاتهام جاءت من منظمة متهمة بالاختلاس.
استياء حقوقي
وأبدى عدد من الحقوقيين السوريين استغرابهم من توقيت ومكان نشر هذه الاتهامات، مع الأخذ بالاعتبار الخلافات الإقليمية بين محوري تركيا وقطر من جهة والسعودية ومصر والإمارات من جهة أخرى، وتأثير هذه الخلافات على الملف السوري بشكل مباشر.
وقال الصحفي والحقوقي منصور العمري، عبر صفحته في “فيس بوك”، في 17 من أيار الحالي، إنه “من المعيب أن يتحول قيصر وسامي (الذي ساعد قيصر في تسريب صور الضحايا) وملف التعذيب السوري إلى أدوات في حرب بروباغندا سعودية- تركية”.
وأضاف العمري أنه “من المؤسف أن يكون أول حوار صحفي لقيصر مع صحيفة موالية لنظام يقتل ويعذب المعارضين والصحفيين”.
رأي العمري يتوافق مع رأي بسام الأحمد الذي أشار إلى أن خطوة “قيصر” دعت متابعين للقول، إنها تأتي في سياق “انتقام السعودية” من قطر وتركيا بسبب الخلافات بينهما، مؤكدًا أن الأجسام السياسية والعسكرية تهمها مصالحها الشخصية فقط.
قانون “قيصر”
– يفرض الرئيس الأمريكي عقوباته خلال 180 يومًا من إقراره.
– يدوم خمسة أعوام.
– يدرس فرض العقوبات على البنك المركزي السوري.
– يعاقب الأجانب الداعمين للنظام السوري من أشخاص وشركات ودول اقتصاديًا وعسكريًا ومعلوماتيًا.
– يعاقب منتهكي حقوق الإنسان والمتواطئين معهم.
– يساعد الشعب السوري، ويبحث في سبل حمايته، ويدعم جمع الأدلة والتحقيق لمحاسبة مجرمي الحرب.
– يربط رفع العقوبات بالتزام الحكومة السورية بحقوق الإنسان وإيقاف الانتهاكات والإفراج عن المعتقلين.