عنب بلدي – زينب مصري
تتوالى الإجراءات التي تتخذها حكومة النظام السوري في محاولة للسيطرة على اقتصاد أثرت فيه عوامل عدة بشكل سلبي، أبرزها العقوبات الأمريكية والأوروبية وغياب الصادرات وآثار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) الاقتصادية، وقانون “قيصر” الذي سيدخل حيز التنفيذ قريبًا، بالإضافة إلى الصراع الأخير بين حكومة النظام ورامي مخلوف رجل الأعمال وابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وتسببت تلك العوامل مجتمعة بارتفاع متسارع لسعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، إذ لامس سعر صرف الدولار الواحد عتبة الألفي ليرة سورية، مسببًا بذلك ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المنتجات.
في محاولة “لتخفيض فاتورة القطع الأجنبي، وحماية الصناعة المحلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير فرص استثمارية”، تطرح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، بشكل دوري، برامج “إحلال بدائل المستوردات”، التي أعلنت مؤخرًا عن دعم القطاعات والمشاريع فيها بـ”مزايا وحوافز”، للتشجيع على الاستثمار في تلك القطاعات.
67 منتجًا وقطاعًا في خطة الدعم
يشمل برنامج “بدائل المستوردات” الأخير، الذي طرحته وزارة الاقتصاد مع المؤسسات المعنية الأخرى، في 17 من أيار الحالي، 67 مادة وقطاعًا ، وأبرز تلك المواد الأدوية النوعية والاستيرادية والمتممات الغذائية والصيدلانية، والحليب المجفف وحليب الأطفال، والذرة الصفراء العلفية، والسمسم والبذور الزراعية، بالإضافة إلى العديد من المنتجات الأخرى، وتتنوع القطاعات بين الطبية والصناعات النسيجية وقطاع الدواجن والورق بالإضافة إلى قطاعات أخرى شملها البرنامج.
مزايا وحوافز
في 21 من أيار الحالي، أعلنت الوزارة، عبر صفحتها في “فيس بوك”، الحوافز المتمثلة في تخفيض الرسوم الجمركية على بعض مدخلات الإنتاج، و”إجراءات حمائية” من منافسة البضائع والسلع المستوردة المماثلة، و”تسهيل” الحصول على الاحتياجات اللازمة للانطلاق بالعمل، مع إمكانية تشميل بعض القطاعات بحوافز التصدير مستقبلًا.
بالإضافة إلى “مزايا خاصة” لتخصيص الأراضي في المدن والمناطق الصناعية، تتضمن إعطاء الأولوية في تخصيص المقاسم في المدن الصناعية لمشاريع بدائل المستوردات وبالمساحات المطلوبة، مع تأمين الخدمات اللازمة، وبنفس اليوم الذي يراجع فيه المستثمر المدينة الصناعية، مزودًا بكتاب من وزارة الاقتصاد.
وتشمل “المزايا الخاصة”، عدم مطالبة المستثمر بتسديد قيمة الدفعة الأولى، مع إعطائه فترة “سماح” لحين البدء بالإنتاج، وزيادة مدة استيفاء الأقساط إلى 20 سنة، بالإضافة إلى تخفيض أعباء وتكاليف الحصول على التمويل، من خلال برنامج دعم أسعار الفائدة.
إلا أن الوزارة أشارت إلى عدم حصول جميع المنشآت على ميزات “تخصيص الأراضي”، وخضوع هذه الميزات لاعتبارات “تتعلق بمدى أهمية حاجة القطاع إلى المزيد من المنشآت الجديدة أو البديلة عن المنشآت المتضررة كليًا”.
كما أعلنت الوزارة عن دعم فوائد قروض 25 برنامجًا لـ”إحلال بدائل المستوردات”، بنسبة 7% من سعر الفائدة المحدد على القروض.
وتهدف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال هذا البرنامج للتوجّه نحو المزيد من “الاعتماد على الذات”، تحقيقًا لتخفيض الطلب على القطع الأجنبي الناجم عن الطلب على الاستيراد، وتأمين إنتاج عدد من المواد والسلع محليًا، وخلق فرص استثمارية جديدة بـ”حوافز حكومية مميزة”، وبالشكل الذي يؤدي إلى “استثمار الموارد المتاحة وإيجاد فرص عمل، وبالتالي خلق مصادر الدخل للمواطنين”.
توفير القطع الأجنبي حاجة أساسية
يرى الباحث الاقتصادي السوري معروف الخلف أن تلك الحوافز “غير مجدية على الإطلاق”، في ظل الوضع “الكارثي” الذي يعيشه الاقتصاد السوري على مدار السنوات العشر الأخيرة.
ويقول الباحث، في حديث إلى عنب بلدي، إنه بالقياس مع تجارب معظم الدول النامية التي طبقت هذه الاستراتيجية، فإن أشد مواقع الضعف وضوحًا في “إحلال المستوردات” كان عجزها عن توفير المزيد من العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الرأسمالية مثل الآلات والأجهزة، التي تبقى معظم البلدان النامية بحاجة ماسة لاستيرادها من الخارج لعدم قدرتها على إنتاجها محليًا.
ويضيف أن توفير القطع الأجنبي من أبرز العوامل التي أدت إلى فشل كثير من التجارب المعتمدة على “إحلال بدائل المستوردات” وخاصة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حتى في البلدان التي قطعت شوطًا أطول في هذه الاستراتيجية، مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين والهند.
ويوضح الباحث أن “إحلال المستوردات” بحاجة ماسة للاحتياطي من العملات الأجنبية، قائلًا، “خلافًا لما يتصوره كثيرون، فإن القسم الأعظم من الواردات هو من مدخلات الإنتاج وليس سلعًا نهائية استهلاكية”.
وتتمحور سلبية الاستراتيجية حول عدم قدرة الصناعات المحلية على تجاوز مرحلة إنتاج السلع الاستهلاكية إلى السلع الرأسمالية، فعند توقف الصناعات على السلع الاستهلاكية فقط، سينتج ارتفاع في السلع الرأسمالية (الأساسية) المستوردة، التي تُستخدم في إنتاج هذه السلع الاستهلاكية، ما يعني تدهورًا في ميزان الواردات بسبب تفاقم الطلب على السلع الأساسية المستخدمة في صناعة السلع الاستهلاكية، وفقًا للباحث.
كما يرى أن لجوء النظام إلى هذه الاستراتيجية سيؤدي إلى خلق صناعات غير قادرة على المنافسة، إضافة إلى تدني جودة المنتج، ما سيصب في مصلحة السلع المهربة التي ستجد طريقها “حكمًا” إلى الأسواق المحلية، وذلك لأن المستهلك سيطلب السلع ذات الجودة الأعلى وخاصة في حالة السلع المعمرة أو المرتفعة الثمن.
كما أنه لا يمكن بأي حال استبدال بعض المنتجات بشكل كامل، نظرًا لأن الأمر لا يرتبط فقط بتوفر المنتج، وإنما بسلوك المستهلك، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن يتوقف الطلب على صنف معين من ماركة معينة، وإن توفرت آلاف المصانع المحلية المنتجة لذلك الصنف.
كما أن فترة الإجراءات الحمائية تلعب دورًا مهمًا في نجاح هذه الاستراتيجية، فمن الممكن تحققها على المدى القصير، لكن استمرارها سيؤدي إلى فشل الأسواق على المدى المتوسط ونمو الممارسات الاحتكارية، التي تصبح حقًا للمنتجين لا يمكن الرجوع عنه بعد فترة من الزمن.
ويختم معروف حديثه لعنب بلدي، بأن هذه الإجراءات في ظل الوضع الراهن الذي يعيشه النظام تستغرق وقتًا طويلًا، ما سيوقعه في فخ فشل السوق وسيطرة المحتكرين، بحسب تعبيره.