بين المقومات والحرية والفرض
إلى أي مدى تعتبر الدراما السورية “صناعة حقيقية”
عنب بلدي – يامن المغربي
شهد موسم رمضان الحالي انتقادات حادة للدراما السورية من صنّاعها، على خلفية ما وصفوه بـ”الانحدار وتراجع المستوى”.
عشرات الفنانين السوريين خرجوا على الشاشات وحاولوا توصيف “أزمة الدراما السورية”، وتوضيح أسباب انخفاض عدد الأعمال المنتجة والمعروضة، الذي لم يتخطَّ عشرة مسلسلات.
هذه الانتقادات الحادة، التي تتزامن مع ما وصفه مخرجون سوريون التقتهم عنب بلدي في وقت سابق بـ”أعمق أزمة تواجهها الدراما السورية”، تطرح سؤالًا: هل كانت الدراما السورية صناعة حقيقية؟ أم أنها طفرة تسبب بها دخول رأس المال العربي منذ بداية تسعينيات القرن العشرين؟
ما مقومات الصناعة
في التعريف العام لدائرة الصناعة، الذي يشمل الاستثمار في المنتج وصناعته ثم بيعه واستثمار أموال الربح مرة أخرى، نجد أن الدراما السورية حققت هذه المعادلة عبر عشرات شركات الإنتاج، التي وصلت إلى صناعة ما لا يقل عن 35 عملًا تلفزيونيًا بشكل وسطي سنويًا بين عامي 2000 و2010.
المخرج السوري أيهم سلمان يقول لعنب بلدي، إن الدراما في سوريا نجحت بالتحول إلى صناعة، لكنه يستدرك بالتساؤل: هل استمرت هذه الصناعة؟ فمفهوم الصناعة هو “خلق منتج يعود بفوائد مالية يتم استثمارها ثانية ضمن الدورة الصناعية”، وسبق أن قدمت الدراما السورية أعمالًا ذات سويّة مرتفعة وما زالت صناعة موجودة.
ويرى المخرج أن هناك نقطتين يجب الفصل بينهما عند الحديث عن الصناعة: الدراما كصناعة التي ترفد الاقتصاد ماديًا، والدراما التي تدفع لتغيير المجتمع وتبنيه، وهذه النقطة الثانية التي يطلق عليها اسم “مشروع”.
ووفقًا لأيهم، فإن هذا المشروع “ثقافي أكثر من كونه صناعيًا أو تجاريًا”، مضيفًا أن هناك أعمالًا أثّرت في الشارع السوري، وكان لها دور كبير في حياته، وتعتبر توثيقًا ومرجعًا، وسلّطت الضوء على مشاكل وقصص مختلفة.
لكن صار من النادر وجود هذا النمط، لغياب السوق الذي يريد استيعاب هذا النوع من الأعمال أيضًا.
وأوضح المخرج السوري أنه للوصول إلى أفضل نسخة من هذه الصناعة يجب البداية من الأسس، مشيرًا إلى أنه عندما تمتلك أكاديميات حقيقية، تدرس عناصر العمل الفني، تفتح الباب للخروج من نطاق الدائرة الضيقة المرتبطة بخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، لافتًا إلى أهمية شركات الإنتاج واحترافية عملها.
دور المال
المخرج فارس الذهبي يحمل رأيًا مخالفًا لرأي أيهم سلمان، إذ أرجع سبب فشل الدراما بالتحول إلى صناعة حقيقية إلى اعتمادها على رؤوس أموال خارجية، وخضوعها بالتالي لشروط خارجية، منها من الخليج العربي، ومنها من الخليج الفارسي، ومنها روسي.
وقال فارس لعنب بلدي إن سوريا “لا تملك من كل ما يسمى دراما إلا اللهجة والممثلين والكوادر الفنية، وغير ذلك كله مستورد”، بحسب رأيه.
اليوم، لا يودّ مسلسل سوري واحد أن يتكلم عن حقيقة ما يجري في سوريا، بحسب فارس، لذلك لا توجد إلا صناعة ترفيه كي يقتل الإنسان الوقت، بدلًا من أن يفكر في السياسة.
الصناعة بين الحرية والفرض
بعكس المغرب العربي ومصر، لا تنتشر في سوريا استديوهات التصوير السينمائي، مع استثناءات قليلة كاستديوهات شركة “صورة” في ريف دمشق، فقوة الدراما السورية وانتشارها جاء من محاولة ملامستها للواقع المعيشي للمجتمع السوري، وهو ما يشابه الواقع في أغلب البلاد العربية، وبالتالي اعتمدت على التصوير في أماكن حقيقية من شوارع وبيوت ومقاهٍ.
ويعتبر وجود الاستديوهات المختصة المزودة بالتقنيات الحديثة، أحد عناصر الصناعة حول العالم.
ولكن في حالة الدراما السورية، لا يتعلق الأمر بالأمور التقنية فقط، إذ يرى فارس الذهبي أن الدراما لكي تتحول إلى صناعة، لا بد من أن يكون للجمهور رأيه فيما يريد أن يشاهده على الشاشة.
وأوضح بأنه يجب أن يكون للمستهلك الحق في رفض المنتج الذي لا يحبه، مثل أي سلعة استهلاكية أخرى.
لا يمكن لأضخم شركات في العالم فرض منتج رديء على مستهلك حر، وفقًا للمخرج السوري، لكن في سوريا تُفرض دراما تلفزيونية موجهة بالقوة على شعب بكامله.
وأشار فارس إلى دائرة مختلفة في الصناعة الفنية عن الدائرة الصناعية بمعناها المجرد، فلو كان للمشاهد رأي في رفض أو تغيير ما يشاهد، سيبدأ المنتجون في إنتاج أعمال تتبع ذائقة المشاهد السوري حصرًا، وتتكلم عن أزماته وهمومه، وبعدها فإن من يودّ الإعلان عن منتجاته سيسعى لعرضها في أكثر مسلسل يتابعه الجمهور الحر، وفي هذه الحالة تتحول الدراما إلى صناعة تستطيع تمويل نفسها بنفسها، دون انتظار أموال خارجية.
ما حلول الأزمة؟
دفعت الأزمة التي تعاني منها الدراما صنّاعها للتفكير في حلول “جدية” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومحاولة إعادة “صناعة الدراما السورية”، التي سبق أن أسهمت بملايين الدولارات عبر عقود في الاقتصاد السوري.
وسبق أن أنشأ المخرج زهير قنوع صفحة في “فيس بوك” سمّاها “ورشة عمل الدراما“، دعا من خلالها أصحاب الشأن لنشر اقتراحاتهم. كما خرج على قناة “العالم سوريا” (الإيرانية)، إلى جانب الممثل بشار إسماعيل، وقال إن الدراما السورية وقعت تحت سيطرة رأس المال الخارجي، مطالبًا بقنوات فضائية محلية لتصريف الأعمال المنتجة، وداعيًا رجال الأعمال السوريين إلى الاستثمار في هذا القطاع، مؤكدًا في مشاركته أن مقومات الصناعة تغيب عن الدراما.
وأغلب الاقتراحات للحلول طالبت بالاستثمار في قطاع الدراما من قبل رجال أعمال سوريين، وافتتاح قنوات محلية خاصة تعتبر “سوق تصريف للمنتج السوري أولًا”، وبالتالي تفادي شروط القنوات العربية.
بينما اعتبر المخرج ثائر موسى، عبر صفحته في “فيس بوك“، أن “الدراما السورية لن تقوم لها قائمة لفترة طويلة… للأسف”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :