رامي مخلوف والقذافي وحافظ

  • 2020/05/24
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

كنا نظن أن انقضاء تسع سنوات على مقتل القائد الليبي المناضل معمر القذافي عند مدخل المجرور كافية لننساه، فلا نتذكر شيئًا من قصصه وحكاياته و”خَيلاته” ما حيينا، ولكن الليالي كده، على قولة ميادة الحناوي، وطبع الليالي كده، بتخلط العباسين بالدباسين، وبتنكت تراب الميتين.

في واحدة من تلك الليالي، وبينما السوريون صافنون يفكرون في بلاويهم المتلتلة، وكيف سيكون عيدهم هذه السنة، وفيروس “كورونا” يهاجم شملهم المشتت فيزيده تشتتًا.. طلع عليهم ابن خال بشار الأسد، المدعو رامي مخلوف، ببث مباشر جديد عرض فيه نظرية بيولوجية غاية في الروعة، ملخصها أن الرجل يستحيل أن يخلف بمفرده، والمرأة لا يمكن أن تخلف بمفردها، وإن الشرط الأساسي للخلفة هو أن يتزوجا.

هنا بدأ السوريون الذاهلون يخرجون من ذهولهم، وأخذت أذهانهم تعمل بطاقتها القصوى، تبحث عن تفسير أو أصل لهذه النظرية المدهشة، فتذكروا العم معمر القذافي الذي قال في إحدى نظرياته البيولوجية إن الرجل لا يحيض، بينما المرأة تحيض، وكان ذلك إرهاصًا مبكرًا بنظرية رامي مخلوف، فعلى ما يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين الحيض والخلفة.

لدى السوريين طبع أصيل، يتلخص في أنهم لا يقبلون أن يكون أحد في العالم أحسن منهم، وحتى الآن، بعد أن دُمّر ثلث وطنهم، وهُجّر ربع شعبهم، وأصبح الدولار الإمبريالي يساوي 1800 وحدة من عملتهم، ما زالوا يشعرون بالتميز والتفوق، ويقول الواحد منهم لنفسه إن الإخوة الليبيين معهم فلوس أكثر منا، صحيح، ولكن في مجال الصناعات والمهن الحرة وحتى في الموسيقا والغناء والأدب، لا يوجد مثل السوري، يعني القذافي نفسه، مثلًا، هل كان الذين يمدحونه بالشعر، ويكتبون له البحوث والدراسات ليبيين؟ أبدًا والله، معظمهم سوريون، فكيف إذن يتفوق القذافي علينا في مجال ابتكار النظريات البيولوجية أو غيرها؟

في البحث عن جواب عن سؤال التفوق هذا، راح السوريون المحجورون في منافيهم بسبب “كورونا” يفكرون، ويتذكرون، حتى وجدوا الجواب في أن الشعوب العربية كلها تعاني منذ 100 سنة على الأقل من مشكلة الفساد، ولكن مَن هو أول من ابتكر طريقة عبقرية لمكافحة الفساد؟ إنه حافظ الأسد بالطبع.

كان ذلك، على ما يذكر كاتب هذه الأسطر، في أواخر الثمانينيات، وكانت حاشية حافظ قد تفوقت على حواشي رؤساء العالم كله في سرقة أموال الشعب، وتهريب خيرات الوطن إلى الدول المجاورة، وقد عم البلاء، وزاد الغلاء، والناس اقتربوا من حافة الجوع، وبدأ عناصر الأمن يشيعون أن حافظ الأسد سيلقي خطابًا، وسيزيد الرواتب بنسبة 50%.. ولأول مرة في التاريخ جلسنا ننتظر خطابه بلهفة، حتى بدأ، وراح حافظ يشرّق ويغرّب، ويحكي في السياسة الدولية، والشأن اللبناني، وتحرير فلسطين والجولان، ودعم صمود كوبا التي تحاصرها الإمبريالية، حتى وصل، أخيرًا، إلى الشأن الداخلي، وعرض نظريته القائلة إن مفتاح الحل بالنسبة لمعضلة الفساد في يد المواطن السوري، فعلى كل مواطن يرى حنفية تنقط أن يغلقها، وإذا كانت جلدتها مهترئة، عليه أن يفكها، ويركب لها جلدة ويعيدها إلى مكانها!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي