نبيل محمد
لم يكن منتظرًا أن تطالب أي مؤسسة رسمية سورية بمنح الحرية للدراما السورية في تناول موضوعاتها، إيمانًا من تلك المؤسسات بأن خضوع هذه الدراما لمقاسات الرقابة السورية هو ما يؤدي إلى نجاحها، وهو ما تبدى جليًا في نقاش “مجلس الشعب السوري” لقضايا متعلقة بالدراما السورية لعام 2020. الدراما التي لا ينقصها شيء وفق برلمانيي دمشق سوى الرقابة عليها.
مستوى متدنٍّ تقدمه الدراما السورية في العام الحالي، ليس فقط من وجهة نظر جمهورها، إنما أيضًا من وجهة نظر “مجلس الشعب”، الذي خصص إحدى جلساته للجدل حول ما قدمته الشاشة الرمضانية من أعمال درامية، ملخصًا المشكلة الأساسية فيها، بعدم الرقابة عليها، ومهاجمًا وزير الإعلام الذي حضر الجلسة، محاولًا تبرئة المؤسسات التابعة له من ضعف الرقابة تلك.
الضعف الذي أدى إلى أن “يرقص” جمهور مسلسل “الساحر” الذي قُدِّم على شاشة تلفزيون “سما” شبه الرسمي على أنغام أغنية للمطربة الإسرائيلية زهافة كوهين، ويصبح حضور تلك الأغنية في الحلقة الأولى من المسلسل مؤامرة تستهدف سوريا وفق أحد البرلمانيين. نعم هي إسرائيل تستهدف الصمود السوري من خلال خلق ثغرة في الجسم الرقابي، لتمر أغنية إسرائيلية إلى مسامع الجمهور. كما أن الألفاظ “النابية” التي مرّت في مسلسل “بوشينكي” جزء من هذه المؤامرة التي تستهدف أخلاق الناشئة وفق المعترضين في المجلس.
لجنة اسمها “لجنة الإعلام والاتصال” في “مجلس الشعب”، تصدّرت الانتقادات لمؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ولوزارة الإعلام، يرأس هذه اللجنة إلياس مراد، اسم ليس غريبًا عن مسامع الوسط الإعلامي السوري، فمراد ذو تاريخ طويل في الدفاع عن الرقابة من مختلف المواقع، النقابية منها والإدارية. اتهمت تلك اللجنة وزارة الإعلام بالتغاضي أو التواطؤ على ما يمر في الدراما من محظورات، وبالفساد أيضًا.
أما وزير الإعلام فدافع عن نفسه بالقول، إن ما مر على شاشة تلفزيون “سما” لا يخضع لرقابته الرسمية، فالتلفزيون يعمل من المنطقة الحرة، وبالتالي لا رقابة للوزارة عليه.
حوار لا يمكن أن يوصف إلا بشطحة من شطحات السوريالية غير المقصودة على خشبة وسط دمشق، فيها 250 ممثلًا يقاضون مستضعفًا بصفة وزير، لم يؤدِّ مهامه الكاملة الموكلة إليه والتي لخصوها بالرقابة، ما أدى إلى خروج المنتج القومي العام من الفن المتمثل في الدراما “مضروبًا”، وهو ما قد يؤدي إلى تسمم الشارع.
ولا يخلو العرض بأكمله من شطحات كوميدية، تلعب أدوارًا منفردة، ومنولوجات على هامش الخشبة، كالمنتج محمد قبنض الذي فضّل السكوت، وعبّر عن تفضيله ذلك بأنه إن تكلم فإن الوزير سيحارب شركته، مستشهدًا برفض الوزير لقاءه عندما عقد العزم على زيارته، مرسلًا إياه إلى المعاون ليلتقيه.
ليس خافيًا أن الرقابة هي عماد أساسي تقوم عليه الدراما السورية، لدرجة تحولها إلى جزء متماهٍ ضمن المنتج، لذا قد يؤدي غيابها بقصد أو من دونه في بعض الأماكن إلى خلل بالمنتج، خاصة عندما يكون تجاريًا بحتًا، أو مصنوعًا بأيدي مبتدئين، غير قادرين على بناء رقابتهم بأنفسهم كي لا يتهتّك العمل.
رداءة ما قدمته الدراما مؤخرًا ليست وليدة 2020، بل إن السنوات السابقة عجّت بالرديء أيضًا، الرديء الذي تقابله مبادرات الإنقاذ الأكثر رداءة، فينبري صنّاع الدراما ونجومها إلى النداء بإصلاح مؤسسات ما انفكت تكون جزءًا من المشهد العام الرديء، مثل نقابة الفنانين التي كانت الشغل الشاغل لوسط كبير من الفنانين خلال عام 2019 ومطلع العام الحالي، ومن ثم اللجان التي تسعى لطرح مشكلات الدراما الحالية، مثل “ورشة عمل الدراما السورية” التي استقبلت مبادرات صنّاع الدراما لتخليصها من راهنها، وإعادتها من “أيدي مختطفيها”.
وكأن ظاهرة الاختطاف جديدة، قامت بها حواجز ميليشيات “زينبيون”، وليست قديمة قدم إمكانية إعادة إنتاج أي عمل فني سوري في أقبية أصغر فرع يحكم شارعًا في دمشق.