مشاركة
من المفاهيم الفقهية الغائبة عن كثير من الشباب الملتزم، كلمات ومفاهيم ومصطلحات ورد مضمونها في كتاب الله عزو جل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منها فقه الأولويات وفقه الموازنات وفقه المآلات، وفقه المقاصد، وهي مفاهيم ومصطلحات أقرها وحثنا عليها الدين الحنيف.
ففقه الموازنات يعني الموازنة بين المنافع بعضها مع بعض، وبين المفاسد بعضها مع بعض، وبين المنافع والمفاسد، فالمنافع ليست في رتبة واحدة فمنها الضروريات ومنها الحاجيات ومنها التحسينيات. والمفاسد كذلك على مراتب.
أما فقه الأولويات فهو وضع كل أمر في مرتبته، وتقديم الأهم على المهم، وهو مرتبط بفقه الموازنات الذي يحدد مراتب الأعمال ليأتي فقه الأولويات ويقدم الأولى منها. أما فقه المقاصد فهو الفقه الذي ينصرف من الظاهر الحرفي لكلمات النص الشرعي إلى المقصد العام بالنظر في السياق وضم الأدلة بعضها إلى بعض وتفسيرها وفق المقاصد الشرعية العامة. وفقه المآلات هو النظر إلى التأثير البعيد والنتيجة المترتبة على العمل للموازنة بين المفاسد والمصالح وفق فقه المقاصد ثم تقديم الأولى وفق فقه الأولويات.
وهذه الأنواع من الفقه موجودة في الشرع الإسلامي الحنيف، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول «الإيمان بِضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها لا اله الا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». وكثيرة هي الأحاديث التي قدم فيها بعض الأعمال الفاضلة على بعضها الأخر، فأحبُّ الأعمال الصلاة على وقتها، وذروة سنام الإسلام الجهاد، بل إن القرآن الكريم ذكر {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ؟؟… لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ}
ولعل المجال الأوسع، والمكان الأرحب، والباب الأحوج إلى هذا الفقه، هو فقه الجهاد، ففقه الأولويات هنا يعمل، وفقه المآلات هنا يلزم، وفقه المقاصد هنا يتحتم.
وهذه أمثلة عملية سريعة لا مجال لتفصيلها، إذا كان المسلمون في جهاد فتح، واعتدي على بلد مسلم آخر، فعليهم الموازنة ووضع كل عمل في منزلته. فجهاد الطلب فرض كفاية، أما جهاد الدفع فهو فرض عين، وهنا يُقدّم الدفاع عن البلد المسلم على جهاد الفتح، وذلك بعد الموازنة بين الإثنين.
إذا اُعتدي على بلد مسلم، والعدو مقبلٌ عليهم، فلا يجوز الفِرار فهذا هو التولي يوم الزحف والذي هو كبيرة من الكبائر، ولكن يجوز لولي الأمر أن يكون متحرفًا لقتالٍ أو متحيزًا إلى فئة، اعتمادًا على فقه المآلات، إذا رأى أن نتيجة ذلك أكثر نفعًا للمسلمين… بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ إقامة الحدود على المجرمين في المعركة نظرًا لمآل إقامة الحد وقطع اليد.
وفي فقه المقاصد المرتكز على فقه الموازنات والأولويات: حفظ النفس من مقاصد الشريعة، ولكن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس، لذلك تُبذلُ النفوس للدفاع عن الدين. ولكن قال العلماء إذا خشي المسلمون أن يصطلمهم (يستأصلهم على بكرة أبيهم) العدو فلهم أن يقعدوا عن الجهاد، لأن المطلوب حفظ الدين، ولكن الدين لا يقوم إلا بأبنائه. وفي فقه المقاصد أيضًا أنه إذا لم يخشَ المجاهد على المسلمين من الفناء، ولكنه أراد أن يجاهد، وعلم أنه سيُقتلُ دون أية نكاية بالعدو فعليه ألا يقدم على ذلك…. لأن المقصد من بذل الأرواح هو الدفاع عن الدين وإيلام العدو والنكاية به، فإذا لم يؤد فعله الى شيء من ذلك فحرامٌ أن يقدم عليه.
هذه أمثلة، في عجالة، تُنبِهنا إلى أنه لا بد من تفقه في الدين قبل الإقدام على العمل أي عمل، وإلا (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).