على اختلاف توجهات الحكومات الأربع في مناطق النزاع السوري، استمر إصدار مراسيم “العفو العام” عن المساجين السوريين في مراكز الاعتقال والسجون داخل سوريا، منذ آذار الماضي وحتى أيار الحالي.
وبدأت سلسلة مراسيم “العفو” من دمشق، إذ أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا تشريعيًا يقضي بمنح “عفو عام” عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدور المرسوم في 22 من آذار الماضي.
وختمت “حكومة الإنقاذ السورية” سلسلة المراسيم يوم الأربعاء الماضي، 20 من أيار، إذ أصدرت وزارة العدل في الحكومة العاملة في إدلب، قرارًا بمنح “عفو عام” عن السجناء المحكومين بجرائم جزائية وجنائية، بمناسبة عيد الفطر.
وقال وزير العدل في “حكومة الإنقاذ”، أنس سليمان، في كلمة مصورة إن القرار دخل حيز التنفيذ، ويتم العمل على إخلاء سبيل السجناء المستفيدين من العفو، بعد المصادقة عليه من قبل “مجلس الشورى” ومجلس الوزراء التابع لـ”الإنقاذ”.
https://www.youtube.com/watch?v=jeT8_7FjLUs&feature=emb_title
ويشير قرار المرسوم إلى استثناء السجناء المحكومين بجرائم الخطف والسطو وترويج وتجارة المخدرات وجرائم “الحدود والقصاص” من العفو، إلى جانب العفو عن الغرامات المالية للمشمولين، شرط ألا تتجاوز قيمتها 500 دولار أو ما يعادلها بالليرة السورية.
وفي مناطق “الحكومة المؤقتة” السورية تم إصدار قرار بمنح “عفو عام” عن الجرائم المرتكبة قبل 1 من نيسان الماضي، وشمل المحكومين بارتكاب الجنح والمخالفات، بالإضافة إلى من تجاوزت أعمارهم 70 عامًا والمصابين بمرض عضال غير قابل للشفاء، كما نص القرار على تخفيف العقوبة إلى النصف للمحكومين بجرائم جنائية.
ويشمل “العفو” جميع المناطق الخاضعة لسيطرة قوات فصائل المعارضة السورية.
وفي 17 من أيار الحالي أصدرت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا “عفوًا عامًا” عن الجرائم المرتكبة، تعفي بموجبه المحكومين عن كامل العقوبة في المخالفات وعن ثلثي العقوبة في الجنج.
أما في الجنايات فتستبدل عقوبة السجن لمدة 20 سنة بالسجن المؤبد، بينما يعفى عن نصف عقوبة السجن المؤقت، وعن كامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمحكوم المصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء.
ولا يستفيد المحكوم من العفو إلا بعد إسقاط الحق الشخصي أو المصالحة.
كثافة في “العفو”.. كثافة في الاعتقال
إن المسوغ الرئيسي لإصدار معظم قرارات “العفو العام” تلك، هو التخفيف من الاكتظاظ في السجون السورية، كإجراء احترازي لمنع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) بين المعتقلين السوريين.
وبحسب ما وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فإن حصيلة عمليات الاعتقال التعسفي من قبل أطراف النزاع لا تزال مستمرة، ففي نيسان الماضي اعتقل ما لا يقل عن 138 شخصًا، إذ استمرت قوات النظام السوري بملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا “تسوية” لأوضاعهم الأمنية.
ورغم عفو الأسد فإن مراكز الاعتقال الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا تزال مكتظة بالمعتقلين المعارضين له، واعتقلت قواته “أكثر من الذين أفرج عنهم”، وفق الشبكة السورية، إذ تركزت حالات الاعتقال في محافظة دمشق ودرعا، وحصل معظمها ضمن حملات دهم واعتقالات جماعية، ووثق تقرير الشبكة أيضًا اعتقال النظام العائدين من لبنان بشكل غير قانوني إلى بلداتهم.
كما سجل التقرير اعتقالات استهدفت أشخاصًا خارج مناطق سيطرة النظام السوري، لم تستثن منها النساء، كما في مناطق “الإدارة الذاتية” في محافظة دير الزور شرقي سوريا، وشهد نيسان الماضي عمليات اعتقال قامت بها “هيئة تحرير الشام” في مدينة إدلب شملت نشطاء مدنيين بسبب منشورات تنتقد سياسة الهيئة.
ونفذت “فصائل معارضة” عمليات خطف، وفق تقرير الشبكة، استهدفت عدة أفراد من عائلة واحدة بينهم سيدات، دون تراجع في الاعتقالات التي تحدث بسبب الخلفية العرقية وتركزت هذه الاعتقالات في محافظتي الرقة والحسكة، وذلك دون توجيه تهم واضحة ضمن إطار القضاء، وفقًا لتقرير الشبكة.
اقرأ ملف: معتقلو سوريا خارج حسابات المشرّع
مراسيم عفو “غير حقيقية”
إن المشكلة في مراسيم العفو داخل سوريا تكمن بمضمونها الذي يحتوي على باب واسع من الاستثناءات، بحسب ما يرى مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد.
وأوضح الأحمد في حديث لعنب بلدي، أن معظم قرارات العفو يستثنى منها المحكومون بجرائم إرهاب، ومعظم المعتقلين تعسفيًا في مختلف مناطق النزاع السوري هم ضمن هذه الفئة.
وفكرة العفو العام بشكل عام تأتي بهدف الإعفاء عن جميع المحكومين وخاصة أولئك المعتقلين بسبب رأيهم السياسي، أما في سوريا فالعفو العام يأتي للأشخاص المحكومين بجرائم جنحية أو مخالفات، وفقًا للأحمد، وهذه المراسيم “غير حقيقة” طالما لا تشمل كل المعتقلين في السجون السورية.
أصدر عفوًا كي تكتسب شرعية قانونية!
الموقوفون والمحكومون في المناطق خارج سيطرة النظام السوري، لا أحد يعلم لماذا تم اعتقالهم أو ما هي المسؤولية الجرمية التي بموجبها تم إدخالهم السجن، ومتى أدخلوا المعتقل ومتى أخرجوا منه، بحسب الحقوقي بسام الأحمد.
ويبرهن عدم وضوح آلية العفو العام الذي تصدره الحكومات في شمال شرقي سوريا وشمال غربيها، وفقًا للأحمد، على أن هذه القرارات هدفها سياسي أكثر من كونه حقوقي، لتحسين صورة تلك الحكومات أمام المجتمع الدولي ولإضفاء الشرعية القانونية على عملها، وإبراز وجودها كطرف في النزاع السوري المستمر منذ تسع سنوات.
والعفو العام إجراء قانوني لصالح الفرد بالدرجة الأولى، لكن إذا مورست قراراته بالطريقة التي تعمل بها قوى النزاع السوري، فهي تبقى قرارات “منقوصة”، وفقًا للأحمد، إلى أن تشمل مراسيم العفو العام هذه، جميع المعتقلين السوريين في السجون السورية وعلى رأسهم المعتقلين بسبب رأيهم السياسي المعارض للسلطة.