“حرام، عيب، ما بيصير، هيك ربينا…”، كلمات اعتاد الناس سماعها، ورسمت، على بساطتها، خطوطًا حمراء يُمنع تجاوزها ومواضيع يُحظر الاقتراب منها أو مناقشتها، دون التفكير حتى في إبداء السبب، بل ويتعدى ذلك إلى معاقبة من يخرقها، وهو ما يُعرف بـ”التابو”.
وللحديث عن “التابوهات” المنتشرة في المجتمع السوري، أطلق راديو “روزنة” برنامجًا خاصًا نهاية عام 2019، ناقش فيه مجموعة قضايا تتعلق بالنساء ويُعتبر الحديث عنها في المجتمع السوري من المحرمات، في محاولة لتفسيرها وتحليل أسبابها من الناحية الاجتماعية والدينية والسياسية.
وتقوم فكرة البرنامج على استضافة خبراء ومختصين وناشطين مجتمعيين في كل حلقة، إضافة إلى فتيات تم تدريبهن لمناقشة القضايا المتنوعة، كما تضمن استطلاعات للرأي.
وعرض البرنامج مجموعة من مقاطع الفيديو، تحدث خلالها عن قصص فتيات عانين من “تابوهات”، مستخدمًا أسلوب “الديكو دراما”، لخوف النساء من الظهور بالإعلام للحديث عن تلك المواضيع.
الهدف هو التغيير
“من المهم طرح التابوهات والخطوط الحمراء في أي وقت كان، لأن الهدف هو تحقيق التغيير والديمقراطية مستقبلًا في المجتمع السوري”، تقول مديرة المشروع، لينا الشواف، في حديث لعنب بلدي.
وعن بداية المشروع، تتحدث الشواف، وهي مديرة الإذاعة، “أعلنت روزنة عن ورشة العمل من خلال منصاتها، وتلقت 45 طلبًا للمشاركة، تم اختيار 16 فتاة سورية في الداخل والخارج وفق معايير معينة”.
واختيرت “التابوهات” الخمسة من المواضيع التي تعتبر خطوطًا حمراء وحساسة، وتم تدريب الفتيات على كيفية مناقشتها وطريقة عرضها في وسائل الإعلام، وفقًا لمديرة المشروع.
وأُسست ورشة العمل على فكرة تدريب فتيات راغبات بالدخول في الصحافة أو صحفيات، لذلك تم اختيار “التابوهات” التي تتعلق بالمرأة، وفقًا لميسّر المشروع، نورس يكن.
وناقش البرنامج في الحلقة الأولى سؤال “من يصنع التابو؟”، ثم عرض خمسة “تابوهات”، وهي التحرش الجنسي، والاغتصاب، وسفاح القربى، وغشاء البكارة، وأمهات الأطفال مجهولي النسب، وجرائم الابتزاز الإلكترونية.
ووصفت الشواف تفاعل الجمهور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بالإيجابي، “لا سيما أن أغلبية التابوهات كانت من صنع العادات والتقاليد وليست من الدين”، كما أن “رجال الدين ونساءه من المشاركين في البرنامج أجمعوا على أن الدين بريء من هذه التابوهات”.
تجارب المشارِكات
“أستطيع القول إن تجربة برنامج التابو شكلت منعطفًا بحياتي المهنية”، تصف مروة الغفري، إحدى المشاركات في البرنامج، لعنب بلدي، مشاركتها في “التابو”.
وترى أن “معالجة قضايا المرأة بحيادية وموضوعية دون إقحام الرأي الشخصي أو التعاطف مع القضية يزيد من التحدي”، وهو ما أضاف لها “كثيرًا من الخبرة”، على حد تعبيرها.
إلا أن الأمر لم يخلُ من صعوبات تتعلق بطبيعة المجتمع، إذ “تتعرض أي امرأة تتحدث عن القضايا الجريئة أو المشكلات التي تواجهها لمحاربة من المجتمع الذكوري، ومن النساء أيضًا”، بحس ما تؤكده مروة الغفري.
أما ملك توما، وهي مشاركة أخرى في البرنامج، فتعتقد أن “الحديث بمواضيع جريئة لا يعني الخروج عن خط الحياء العام، إنما الخروج عن خط التعتيم عما يحدث داخل مجتمعنا، ونكون قد وضعنا الناس أمام مشاكلها الموجودة”.
وتسببت مشاركة آلاء محمد في البرنامج بانتقاد أصدقائها لها، بحسب ما ذكرته لعنب بلدي، إلا أن “عائلتي وزوجي كانوا سندي ودعموني في المشاركة”.
وتعتقد آلاء أن “النساء يتحاشين الحديث عن هذه المواضيع، لأن مجتمعنا ذكوري نمطي، وضع المرأة في قالب المرأة الضعيفة المستكينة والراضخة والتابعة، ولا يسمح لها الحديث في مثل هذه المواضيع أو إبداء الرأي، وفي حال تحدثت، يصفونها بصفات سيئة، وقد تتعرض لتشويه السمعة”.
رد فعل صادم
يؤكد ميسّر المشروع، نورس يكن، أن رد فعل المجتمع كان “صادمًا” عند الحديث في إحدى الحلقات عن غشاء البكارة، وحسب رأيه فإن ذلك “أثبت أن المجتمع يضع مكانة كبيرة لهذا الموضوع”.
وتعرضت المشارِكات لضغوط في تلك الحلقة، يضيف يكن، “واجهنا نقصًا في الضيوف في الاستديو، وعدم رغبة الضيوف في الحديث عن هذه المواضيع”.
وعززت المشارِكة في البرنامج آلاء محمد، ما قاله ميسّر المشروع، وأكدت أنه “في حلقة غشاء البكارة تخوفت عائلتي، وطلبوا مني أن أعتذر عن عدم الحضور، ولكن زوجي دعمني”.
إلا أن نورس يكن شدد على أن “مهمة الإعلام ليست القيادة والتسيير، وإنما طرح التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها، وإعادة التفكير في المواضيع”، واستدل على رأيه بـ”سوابق عالمية وعربية لقضايا تم طرحها في وسائل الإعلام المختلفة أو عن طريق أطر إعلامية، أدت إلى تغيير أو انفراجات بشكل أو بآخر”.
وتعزز مديرة المشروع، لينا الشواف، رأي يكن، بالحديث عن الاستعداد للمرحلة الثانية من “التابو” وطرح قضايا جديدة، قائلة إنها ستبدأ قريبًا وفقًا لمعايير وطريقة إخراج مختلفة.
طرح موضوعي
يقول مقدم البرنامج منير الأيوبي، إن الظهور على الإعلام للحديث عن مواضيع شائكة “مسؤولية صعبة”، ويتخوف بعض الناس من طرح مثل هذه المواضيع للجمهور.
إلا أن الأيوبي يؤكد أن قسمًا آخر من الناس كان مشجعًا على كسر هذه “التابوهات” ومناقشتها، للتغلب على العادات والتقاليد، مؤكدًا على أهمية “الموضوعية في الطرح”.
ويرى أن “المناقشة الأكاديمية والموضوعية في البرنامج، ووجود خبراء متخصصين في المجال الديني أو العلمي أو الحقوقي، أسهمت في تقبل الناس للبرنامج بشكل أكبر، خاصة مع وجود معلومات مغلوطة تم تصحيحها”.
ويضيف، “الأسئلة التي وُجهت للخبراء كانت مدروسة بشكل جيد جدًا، وبطريقة لا تجرح مشاعر المجتمع، وإجابات الخبراء كانت مرفقة بأدلة وإثباتات”.
وعن تفاعل الجمهور في الحلقات، يعتقد الأيوبي أنها كانت متفاوتة تبعًا لقناعات الجمهور ومعتقداته، خاصة مع “طرح مواضيع شائكة أكثر من أخرى”.
وفي مواضيع “يعتقد البعض أنها تمس معتقدات دينية، كان صوت النقاش يعلو، ولكن سرعان ما كانت تهدأ بعد إجابة الخبراء”، يقول مقدم البرنامج.
–